بقلم: علي محمد فخرو- في قانون الحياة أنه إذا توقفت فاعلية الكائن أو المؤسسة أو الأمة فإن النهاية هي الوهن الذي بدوره يقود إلى الموت البطيء ولكن المحتم. لنحاول تحكيم قانون الحياة ذاك على مؤسسة الجامعة العربية التي تواجه الآن تحديات وطنية وقومية كبرى لم تواجه مثلها طيلة تاريخها. وهي تحديات تاريخية مفصلية بالغة التعقيد والحساسية بحيث تحتاج مواجهتها إلى حيوية في الحركة وإبداع في التحليل والفهم وفاعلية في الوصول إلى حلول واقعية معقولة متوازنة. لكن هذه المؤسسة القومية أثبتت عبر الأربع سنوات الماضية أنها تفتقر في اللحظة الراهنة المليئة بالمآسي والفواجع والتحديات إلى أي من تلك الحيوية أو الإبداع أو الفاعلية المطلوبة. في مسرح اليمن المنكوب يوجد بقوة رجالات هيئة الأممالمتحدة ووسطاء الخير من مثل رجالات سلطنة عمان ومندوبي هذه الدولة الأجنبية أو تلك لكنك لا تسمع حساً فاعلاً ولا ترى مشروعاً سياسياً مقترحاً من قبل الجامعة العربية. إلى سوريا المعذبة المنهكة المعرضة للحروب الأهلية والتقسيم والخروج من أهم ما كان يميزها من أثواب العروبة والروح الوحدوية يأتي مندوبو هيئة الأممالمتحدة والغرب الأوروبي وروسيا ويسرح ويمرح كل من هب ودب لكن لا وجود ولا حس لجامعة الدولة العربية. يتكرر المشهد ذاته في ليبيا التي دمرها التدخل العسكري الأجنبي بمباركة عربية مخجلة إذ لا تسمع إلا صوت الأممالمتحدة وهي تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه بينما تقبع الجامعة العربية في الظل وتمارس التقية الدبلوماسية. وينطبق أمر ذلك الغياب المريب في كل ساحة عربية تعج بالمشاكل والمحن امتداداً من السودان إلى الصومال من العراق إلى لبنان من الكويت إلى البحرين من الأردن إلى فلسطين من كل قطر عربي إلى كل قطر عربي آخر. في كلها تسمع بوجود أشكال من الوساطات والتدخلات الخارجية لكن الجامعة العربية تبدو وكأنها شاهد لا يرى ولا يسمع. قارن كل ذلك بحيوية وفاعلية مؤسسات الاتحاد الأوروبي الموجودة في بروكسل كيف أنها صوت يعلو في كل ساحات المشاكل الأوروبية: في اليونان في أوكرانيا في الاقتصاد في موضوع الهجرة المتعاظمة إلى أوروبا وكثير غيرها من الساحات توجد باستقلالية في الرأي وفي الفعل وبقدرة على القيادة. إذا كان هذا المشهد المفجع لن يقود إلى تفكير عميق وجدي لإصلاح هذه المؤسسة القومية المشتركة التي تكالب عليها عمى البصيرة لدى أعضائها وهوسهم بسيادتهم الوطنية وعدم استجابتهم لنداءات ضرورة الإصلاح من قبل قيادات أمانات الجامعة المتعاقبة مما جعلها كسيحة مهترئة فاقدة لأي إرادة ذاتية مؤثرة في الحياة العربية فإننا أمام أعضاء فقدوا الحس بالمسؤولية القومية العربية المشتركة أمام أهوال مصيرية لم يعرفها تاريخ أمتهم عبر القرون. محاولات فاشلة موضوع إصلاح الجامعة العربية وتعديل ميثاقها على الأخص ليس جديدا. لقد بدأت المحاولة بعد ثلاث سنوات من تأسيس الجامعة في عام 1945 عندما طالبت سوريا بوضع موازين وضوابط قومية على تصرفات أعضائها بهدف منع أي منها من التعاقد مع أي دولة أجنبية إلا بعد التفاهم مع الجامعة على أسس ذلك التعاقد والتأكد من أنه لن يضر المصلحة القومية المشتركة. وبعد تلك المحاولة جرت محاولات كثيرة من قبل بعض الحكومات العربية بل من بعض رؤساء الدول وطرحت أفكار تجديدية معقولة وكونت لجان لتقديم مقترحات محددة لتعديل الميثاق وإجراء إصلاحات هيكلية وإيجاد مؤسسات مدنية مرتبطة بالجامعة ومسمعة لصوت المجتمعات العربية بل بحثت كل تلك الأمور في عدة اجتماعات من قمم الرؤساء العرب لكن كل تلك المحاولات والجهود المضنية ذهبت هباءً. لقد أراد البعض أن تبقى الجامعة مظهراً كاذباً للتضامن العربي غير الموجود وأن يكون باستطاعة أي دولة عربية مهما صغر حجمها وقلت أهميتها في الميزان العربي القومي أن توقف القرارات العربية المصيرية. ولعل تاريخ محاولات الجامعة لتكوين موقف موحد ملزم تجاه الاستيطان الصهيوني في فلسطينالمحتلة خير شاهد على هوان مؤسسة الجامعة وقلة حيلتها. لا نحتاج لأن يذكرنا أحد بتصريحات وبيانات الجامعة بين الحين والآخر ولا بحضورها هذا الاجتماع أو ذاك. فكل ذلك ليس أكثر من حضور حفلات الزواج أو المآتم. المطلوب أكثر من ذلك بكثير. ولقد كتب الكثير من المحللين والمفكرين السياسيين العرب عن ذلك وقدموا عشرات المقترحات لتفعيل دور الجامعة ولجعلها لاعباً أساسياً في إطفاء الحرائق وتقريب وجهات النظر وفي ممارسة الضغوط إن لزم الأمر وفي تفعيل كل المؤسسات الفرعية التابعة لها لتصبح مساهمة في نهضة العرب. الآن بعد مرور سبعين سنة على تأسيس هذه المؤسسة حان الوقت لأن تتوقف الأقطار العربية عن اللعب الطفولي المستهتر بالجامعة العربية وأن تصلح الجامعة وميثاقها لكي نعود إلى الأصل: وجود جامعة تساهم في تحقيق تطلعات الشعوب العربية وأحلامها المشروعة في تضامن عربي حقيقي يؤدي إلى وحدة أمة العرب ووطنها. الخطوة الأولى هي أن لا تقل قوة وفاعلية مؤسسة العرب المشتركة في القاهرة عن قوة وفاعلية مؤسسة أوروبا المشتركة في بروكسل. أي سخف نمارسه حين لا نتعلم من إبداعات ونجاحات الآخرين.