بمناسبة نهائي كأس الجزائر الذي سيجمع هذا السبت بين الوفاق وشباب باتنة بملعب 5 جويلية، سنعود بكم 47 سنة إلى الوراء وبالضبط إلى عام 1963، حيث سنتعرف سويا عن مكان إجراء أول مباراة نهائية لكأس الجزائر، واسم الحكم الذي أدارها، وكيف تمكن آنذاك السطايفيون من انتزاعها بعد إعادة المباراة، كما سنتعرف عن بعض جوانب هذا اللقاء الذي وصفه الجزائريون بمثابة عيد كيف لا وما كان بالأمس القريب أشبه بمستحيل تحول إلى حقيقة، بعد أن رفرف العلم الجزائري لأول مرة في أول نهائي لكأس الجزائر المستقلة. هكذا كانت الانطلاقة قبل الحديث عن أول كأس للجزائر علينا أن نتوقف قليلا عن ميلاد الاتحادية الجزائرية، ففي غمرة أفراح الجزائريين بالاستقلال الذي تحقق بعد سبع سنوات ونصف السنة من الكفاح والنضال ضد المستعمر الفرنسي الغاشم، ليأتي تاريخ الخامس جويلية عام 1962 ليظهر الحق من الباطل فكان النصر حليف الشعب الجزائري بعد أن قدم أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، أقول بعد نيل الجزائر لاستقلالها في الخامس جويلية عام 1962، أسابيع قليلة من هذا التاريخ تم تأسيس الاتحادية الجزائرية وهذا في خريف نفس السنة، حيث انتخب الدكتور محند معوش رئيسا »للفاف« وبقي على رأس الاتحادية إلى أن وافته المنية عام 1972، وهو الرئيس الوحيد الذي بقي في الاتحادية عشر سنوات كاملة. بعد انتخاب محند معوش رئيسا للاتحادية تم إنشاء البطولة، ثم عقد أول اجتماع رسمي لأعضاء الاتحادية وتم الاتفاق على دمج جميع الأندية التي تعلن انخرطها في المنافسات الرسمية في مستوى واحد على أن يتم توزيعها على أفواج وفق الانتماء الجغرافي، كما تم الاتفاق على أن تجرى في نهاية المطاف دورة مصغرة تجمع بين أبطال المجموعات، لتحديد اسم البطل وقد حدد تاريخ انطلاقة البطولة في منتصف شهر سبتمبر من نفس العام الذي استقلت فيه الجزائر، كما تم الاتفاق على أن تنطلق منافسات كأس الجزائر في منتصف شهر أكتوبر من نفس السنة، وعلى ذكر هذه المنافسة تم الاتفاق أنه في حال تعادل الفريقين في اللقاء النهائي يعاد إجراء المباراة في أجل لا يتعدى أسبوعين وفي حال انتهاء اللقاء مرة أخرى بالتعادل يلجأ الفريقان إلى ضربات الجزاء. أجريت أول قرعة لتحديد مباريات الدور الجهوي الأول لكأس الجزائر في نهاية شهر سبتمبر وقد أسفرت عن مباريات محلية مثيرة. الدورالجهوي الأول دون مفاجأة لم يحمل مباريات الدور الجهوي الأول الذي لعب كما سبق الذكر في منتصف شهر أكتوبر عن أي مفاجأة تذكر، فرغم طابع اللقاءات المحلية إلا أن الأندية التي كانت تسمى بالقوية لم تجد أدنى صعوبة في اجتياز منافسيها، نذكر منها وفاق سطيف ومولودية سعيدة واتحاد البليدة ومولودية العاصمة واتحاد العاصمة ونصر حسين داي واتحاد البليدة ومولودية قسنطينة ولا ننسى عملاق الغرب ترجي مستغانم. واصلت الأندية القوية مسيرتها المضفرة بنجاح بل بدون معاناة، حيث سجل سقوط الأندية المصنفة في المستوى الثاني كما تتساقط أوراق الأشجار في الخريف، لكن مع مرور الأدوار بدأت تتضح معالم الأندية القوية، والتي سرق أضواءها كل من وفاق سطيف وترجي مستغانم بتأهلهما إلى المباراة النهائية بامتياز ودون عناء. استعدادات جدية للفريقين إلى المباراة النهائية شكل وصول كل من وفاق سطيف وترجي مستغانم إلى أول نهائي لكأس الجزائر المفاجأة بالنظر إلى وجود فرق قوية أحسن من هذين الفريقين، وفي مقدمتهم كل من اتحاد العاصمة واتحاد عنابة ومديوني وهران ولا ننسى فريق المولودية الجزائرية والقسنطينية وشباب بلوزداد ورائد القبة والنصرية. استعد الفريقان إلى اللقاء النهائي بشكل جيد، فوفاق سطيف دخل في تربص مغلق بفندق »سركوف« المتواجد بالقرب من مدينة عين طاية فيما اختار فريق ترجي مستغانم نزل »الكيتاني« بباب الواد بالعاصمة. وكان كل فريق يتجسس عن الآخر لمعرفة نقاط قوته وضعفه، وظل المدرب الفرنسي للترجي يشبه لاعبي الوفاق بالذئاب الجائعة وهي التسمية التي رد عليها الراحل مختار عريبي، حيث شبه لاعبي الترجي بقطعان من الغنم الذي تشتهي ذئابه أكل لحومها، الأمر الذي جعل اللقاء يأخذ طابعا تنافسيا خاصة في ظل الحرب النفسية التي كان يحسن شنها مدربو الفريقين. النهائي بملعب 20 أوت والحكم شكايمي بحضور الرئيس بن بلة لعب أول نهائي لكأس الجزائر يوم 28 أفريل من عام 1963، بملعب العناصر 20 أوت حاليا، والذي كان ميدانه ترابيا، لكن أجمل ما فيه أن الجمهور كان يتسنى له متابعة اللقاء على بعد متر واحد من خط التماس دون سياج على شاكلة ما نشاهده اليوم في الملاعب الإنجليزية. ماي 1963 في يوم ربيعي لم تتعد درجة الحرارة فيه ال25 وعلى الساعة الثالثة ونصف أعطى الحكم خليفي الذي ساعده على خطي التماس كل من بن قنيف وشكايمي إشارة الانطلاقة أمام جمهور فاق عن ال15 ألف متفرج غالبيته من أنصار »الكحلة والبيضاء« جاءوا من مدينة عين الفوارة وما جاورها لمناصرة زملاء كوسيم وماتام وبن كاري والأخوين بولكفوف وغيرهم من نجوم الوفاق آنذاك، فيما حضر جمهور متواضع من عشاق ترجي مستغانم، هذا الفريق الذي كان يقوده الفرنسي كلافي والكهل ولد الباي الذي كان مساعدا في آن واحد للمدرب الفرنسي اوفوستان. اللقاء قبل دقائق قليلة من انطلاقة المباراة وصل الموكب الرئاسي الذي كان يقوده الرئيس أحمد بن بلة أطال الله في عمره، وقد جلس بجانبه الرئيس الحالي للجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي كان على رأس وزارة الشباب والرياضة، وقد راجت أخبار قبل انطلاقة المباراة مفادها غياب الرئيس بن بلة، وقد أطلقت الكثير من الإشاعات مفادها أن الرئيس قد تعرض إلى مكروه لكن بوصوله وضع حدا لكل الإشاعات التي كادت أن تفسد المباراة، وعند وصوله إلى ملعب 20 أوت كان لاعبو الفريقين فوق أرضية الميدان يقومون بتسخين عضلاتهم، الوفاق بزيه التقليدي الأبيض والأسود، فيما دخل لاعبو الترجي بلباسهم المعروف الأبيض والأخضر، وقد لفت حضور الرئيس أحمد بن بلة والوفد المرافق له انتباه لاعبي الفريقين، حيث توقفوا عن تسحين عضلاتهم تحت تصفيقات حارة من أنصار الفريقين وهم يرددون بحياة الجزائر المستقلة وبحياة الرئيس بن بلة. وقد دخل الفريقين بالتشكيلة التالية: وفاق سطيف مثله كل من فرشيشي وبولكلوف وقجالي، بوروبة وبولكلوف وبولكلوف وبن كاري وبن محمود وكرميش وكوسيم وماتام، المدرب مختار لعريبي فيما دخل فريق ترجي مستغانم بالتشكيلة التالية: ولد موسى وبن محمد وولد باي وعصمان وسراجي وبن ساسي ومسعود وكلافي وخليل ووداني. المدربان: اوفوستان وولد الباي لقاء قوي انتهى بدون فائز كما سبق الذكر أدار اللقاء ثلاثي تحكيم متكون من السادة خليفي بمساعدة بن قنيف وشكايمي، في تمام الساعة الثالثة ونصف أعطى خليفي صافرة البداية، والتي كانت للفريق السطايفي حيت راح لاعبو هذا الأخير يشنون الهجمة تلو الأخرى لكن جميع الفرص باءت بالفشل، لكن مع بداية الربع الأول من الشوط الأول وعلى اثر هجمة مضادة للاعبي الترجي قادها الثلاثي خليل والفرنسي كلافي وسوداني كاد هذا الأخير أن يسكن كرته في شباك الحارس فرشيسي لولا تدخل في آخر لحظة المدافع بوروبة الذي أنقذ مرماه بأعجوبة من هدف محقق أسكت أفواه السطايفيين. لقطة واحدة كانت كافية لفريق الترجي لإدخال الرعب في قلوب لاعبي الوفاق ومدربهم الراحل مختار لعريبي، الذي طالب من أشباله عدم المغامرة حتى لا يكلفهم غاليا بعد العودة القوية للاعبي الهجوم، وهي العودة التي كاد أن يجسدها اللاعب خليل بهدف جميل في الدقيقة ال24 فرغم خروجه وجها لوجه مع الحارس فرشيشي إلا أن قذفته جانبت بضع سنتيمترات شباك هذا الأخير، رد عليها مهاجم الوفاق كوسيم بقذفة قوية في الدقيقة ال 29 كادت أن تجد طريقها إلى شباك الحارس المستغانمي ولد موسى. تواصلت الهجمات من الجانبين، الأمر الذي جعل الجمهور الغفير يتجاوب مع كل لقطة، لكن في الوقت الذي كان فيه الحكم خليفي يتأهب لإعلان نهاية المباراة، لاعب الترجي وعلى اثر خطأ فادح في المراقبة من أحد مدافعي الوفاق مع حارسه فرشيشي يتمكن خليل من فتح باب التسجيل وهو الهدف الذي أفرح أنصار الترجي، فيما خيم سكونا رهيبا وسط عشاق الكحلة والبيضاء، لم يتأخر بعدها الحكم خليفي من إنهاء الشوط الأول بفوز الترجي بهدف دون رد. بعد ربع ساعة من الراحة عاد لاعبو الفريقين إلى أرضية الميدان وسط تصفيقات حارة من الجمهور الحاضر، الذي أعجب بما قدمه لاعبو الفريقين خلال المرحلة الأولى، لم يختلف أداء اللاعبين خلال الشوط الثاني حيث راح كل فريق ينتهج خطة وفق ما يناسبه. المرحوم لعريبي حث لاعبيه على الهجوم مدرب الوفاق الراحل مختار عريبي ألح على لاعبيه لانتهاج خطة هجومية قصد تعديل النتيجة، ومما قال لهم بين الشوطين »ثقوا في أنفسكم ستهزمون فريق الترجي فالكأس لن تكون إلا لكم، لكن اعلموا إذا خسرنا فلن تعودوا إلى منازلنا«. كلام الراحل عريبي كان له الأثر الايجابي في نفوس لاعبيه، الأمر الذي جعلهم يضاعفون من محاولاتهم لعل إحداها تصل إلى مرمى الحارس ولد موسى، لكن كاد فريق الترجي أن يضاعف النتيجة، في الدقيقة ال65 اثر هجمة مرتدة قادها الثنائي خليل وكلافي، هذا الأخير فوت على فريقه فرصة إضافة الهدف الثاني بعد أن مرت قذفته فوق الإطار بشبر واحد. مدرب الترجي ألح على لاعبيه الضغط على المنافس رغم هذه الفرصة للاعبي الترجي إلا أن المدرب عريبي ألح على لاعبيه الضغط على المنافس من أجل تعديل النتيجة، كانت الدقائق تمر بسرعة على عشاق الوفاق، فلم تجد صيحاتهم صدى عند لاعبي فريقهم للوصول إلى شباك الحارس بن موسى، بل كاد مرة ثانية اللاعب خليل أن يصل مرة أخرى لشباك الحارس فرشيشي، كان ذلك في الدقيقة ال75، بعدها بثلاث دقائق كان الموعد مع هدف التعادل لفريق الوفاق وقعه اللاعب ماتام، وهو الهدف الذي فجر حناجر أنصار الوفاق وجعلهم كالبحر المتلاطم الأمواج، وسط ذهول الرئيس أحمد بن بلة الذي يقال إنه تجاوب كثيرا مع هذا الهدف بوقوفه لتحية لاعبي الوفاق الذين توجهوا لتحيته فبادلهم السيد الرئيس بالتصفيقات الحارة زادت من لهيب المدرجات. بقية الدقائق كانت أكثر إثارة، حيث كاد كل فريق أن يضاعف النتيجة، لكن براعة الحارسين فرشيشي من جانب الوفاق ولد موسى من جانب الترجي أبقت النتيجة على حالها إلى غاية نهاية المباراة دون فائز بالتعادل هدف لمثله، ولتحديد اسم الفائز أعيد إجراء المباراة يوم 12 ماي في نفس الملعب 20 أوت. الوفاق ... في الإعادة إفادة التقى الفريقان من جديد يوم 12 ماي بملعب 20 أوت، وأمام نفس العدد من الجماهير التي حضرت النهائي الأول، ومرة أخرى طغى على مدرجات الملعب اللونين الأسود والأبيض وهما اللونان الرسميان لفريق الوفاق، على غرار اللقاء الأول احتفظ كل مدرب بنفس العناصر التي لعبت اللقاء الأول بينهما، وقد تقرر الاحتفاظ بنفس طاقم ثلاثي التحكيم الذي أدار اللقاء الأول والمتكون من الثلاثي خليفي في الوسط بمساعدة شكايمي وبن فنيف. اللقاء المعاد منذ البداية اتضحت ملامح المقابلة على أن الفوز سيكون حليف الوفاق، بالنظر إلى دخوله المباراة بكل قوة بغية الوصول إلى شباك الحارس ولد موسى الذي قاوم لوحده الكثير من محاولات زملاء ماتام الذي فرضوا أسلوب أدائهم وهذا بفضل حنكة المدرب الراحل مختار لعريبي الذي درس جيدا قوة وضعف فريق الترجي، الأمر الذي مكنه من فرض أسلوبه الذي تفوق على أسلوب المدرب الفرنسي للترجي افوستان. بعد أكثر من نصف ساعة من اللعب دون أن يتمكن أي فريق من الوصول إلى منافسه، جاءت الدقيقة ال33 التي أفرحت أنصار الوفاق بعد أن تمكن اللاعب ماتام من فتح باب التسجيل اثر خطأ من الحارس ولد موسى الذي فشل في التقاط الكرة لتجد اللاعب كوسيم الذي أودعها بطريقة بديعة في مرمى المنافس معلنا عن افتتاح باب التسجيل وسط فرحة عارمة لأنصار الوفاق، وبهدف دون رد انتهى الشوط الأول. شهد الشوط الثاني استفاقة ملحوظة من جانب لاعبي الترجي بشنهم خطة هجومية كادت أن تجد طريقها في أكثر من مرة إلى شباك الحارس قرشيشي، الخطة الهجومية لفريق الترجي كلفته قبل دقيقتين من صافرة النهاية هدفا ثانيا وقعه اللاعب ماتام كان بمثابة ضربة قاضية لمحاولاتهم لتعديل النتيجة، لم يتأخر بعدها الحكم خليفي من إعلان النهاية بفوز وصف بالمستحق لفريق الوفاق بنتيجة هدفين دون رد، وبذلك ينتزع الوفاق أول كأس للجزائر المستقلة. الأنصار يغزون أرضية الميدان وبن بلة وجد صعوبة في تسليم الكأس مباشرة بعد إعلان الحكم خليفي صافرة النهاية بفوز فريق الوفاق بهدفين لصفر قام الكثير من أنصار الفريقين بدخولهم إلى أرضية الميدان، طمعا في الحصول على قميص من لاعبي الفريقين الأمر الذي حول الملعب إلى فوضى عارمة، اضطر رجال الأمن للتدخل لإخراج الجماهير ، لكن استعصى إخراجهم، مما أثار استياء الحرس الخاص لرئيس الجمهوري السيد أحمد بن بلة والموكب الرئاسي المرافق له، ليصعد وسط زخم هائل من الجمهور قائد الوفاق إلى المنصة الشرفية ليتسلم الكأس الغالية، ليهم بعدها الرئيس بن بلة إلى مغادرة الملعب تاركا عشاق الكحلة والبيضاء يعيشون أفراحا لا تنسى من ذاكرة كل من حضر هذا النهائي، امتدت إلى منطقة عين الفوارة التي حول شبابها وعشاق الوفاق الليل نهارا، حيث دامت هذه الأفراح إلى يوم الخامس جويلية الذي تزامن مع الذكرى الأولى للاستقلال، فكانت الفرحة مضاعفة، فرحة الاستقلال وفرحة التتويج بأول كأس للجزائر المستقلة، وهو التتويج الذي مهد الطريق لفريق الوفاق بانتزاع الكأس الموالية عام 1964.