استنفار أمني غير مسبوق عقب اعتداءات مروّعة صيف ساخن في مواجهة الإرهاب في السعودية لم يكن هذا الصيف الأفضل بالنّسبة للسعودية بسبب العمليات الإجرامية العديدة التي ضربت مناطق مختلفة في المملكة من جهة ولتنفيذ السلطات الأمنية سلسلة طويلة من العمليات الاستباقية للقبض على (إرهابيين) مفترضين أو مشتبه فيهم من جهة أخرى. شهدت السعودية موجة جديدة من العمليات الإجرامية منذ أواخر عام 2014 وحتى شهر سبتمبر الماضي. وحملت هذه العمليات بعدا طائفيا للمرة الأولى من خلال استهداف مساجد للشيعة شرقي المملكة في القطيفوالأحساءوالدمام. وتمّت أولى تلك العمليات في حادثة إطلاق النّار واستهداف المصلّين في قرية الدالوة أثناء موسم عاشوراء الديني في نوفمبر 2014 وأدّت الحادثة إلى مقتل سبعة أشخاص وجرح آخرين. بعدها تمّ استهداف مسجد الإمام علي بن أبي طالب في بلدة القديح شرقي المملكة في 22 ماي الماضي بتفجير انتحاري أثناء أداء صلاة الجمعة ممّا أدّى إلى مقتل 21 شخصا وجرح مائة آخرين. وتمّ إحباط عملية انتحارية أخرى كانت تستهدف مسجد الحسين بن علي في حي العنود بالدمام وقد أدّت هذه العملية الفاشلة إلى مقتل أربعة أشخاص خارج المسجد منهم متطوّعون مدنيون لحماية المصلّين. وتبنّى تنظيم (الدولة الإسلامية.. داعش) هذه العمليات كما تبنّى اعتداء مماثلا في الكويت كاستهداف مسجد الإمام الصادق. ولم يكتفِ (داعش) بشنّ عمليات تحمل صبغة طائفية في السعودية فقط كما لا يمكن الجزم بأن كلّ العمليات التي وقعت كانت بتخطيط مسبق من التنظيم إذ يُرجّح أن يكون التنظيم قد تبنّى بعض العمليات لتعزيز صورته الإعلامية وإشعار الآخرين بقدرته على التمدّد واختراق مناطق جديدة وإن لم يكن فعلا هو المخطّط لتلك العمليات مسبقا. وفي السياق نفسه كشفت الرياض عن أنه (بعد أن قبضت وزارة الداخلية على المشتبه فيهما يزيد أبو نيان ونواف العنزي أعلنت لاحقا في منتصف جويلية الماضي أنهما كانا ضمن شبكة مكوّنة من 97 شخصا يقفون وراء حادثتي الدالوة في الأحساء واستهداف رجال أمن شرقي الرياض بالإضافة إلى تخطيطهم لعملية (الذئب المنفرد) التي تستهدف إثارة الفتنة الطائفية في المملكة واستهداف رجال أمن بناء على تعليمات مباشرة من داعش). كما ذكرت الرياض أنها فكّكت خلايا إرهابية عنقودية وألقت القبض على 190 شخصا شكّلوا أربع خلايا اتُهمت بالوقوف وراء عملية القديح ومسجد العنود في الدمام. وقُسّم عمل الخلايا وفقا للمعلومات إلى أربع مهمّات وتمّ تخصيص خليتين للرصد وجمع المعلومات وخلية لتجهيز الانتحاريين وإعدادهم وخلية رابعة مهمّتها تصنيع الأحزمة الناسفة. وقد نشرت وزارة الداخلية السعودية أسماء أبرز أعضاء كلّ خلية من هذه الخلايا. * إحباط العديد من المخطّطات بالإضافة إلى هؤلاء تمّ إعلان القبض على 144 شخص بتهم تتعلّق ب (دعم إرهابيين ونشر أفكار مؤيّدة لتنظيمات إرهابية عبر شبكة الأنترنت). ونشرت الداخلية الأسماء الوهمية التي تمّ القبض على أصحابها وتروّج لفكر (داعش) على موقع (تويتر) ك (جنون الاستشهاد) و(جليبيب الجزراوي) و(داعشي وأفتخر). وأعلنت الداخلية أيضا عن إحباط عدد من العمليات التي كانت تستهدف مساجد في شرقي المملكة وحدّدت تواريخ العمليات المُحبَطَة والتي كانت مقرّرة في عدد من أيّام الجمعة المتتالية بالإضافة إلى إحباط استهداف مسجد لقوّات الطوارئ جنوبي البلاد أثناء أداء الجنود صلاة الجمعة. إلاّ أنه تمّ استهداف قوّات الطوارئ جنوبي السعودية بعملية دموية لاحقا في 6 أوت الماضي أثناء أداء الجنود صلاة الظهر ممّا أدّى إلى مقتل 15 شخصا بينهم 12 عسكريا. ووفقا لوزارة الداخلية السعودية يكون قد بلغ عدد الموقوفين في العمليات الأخيرة حتى منتصف جويلية الماضي 431 شخص وما زال هذا العدد يتزايد بشكل شبه يومي كون السلطات الأمنية ما تزال تعلن بين وقت وآخر عن القبض على (خلية إرهابية صغيرة). في المقابل تُشير ضخامة أعداد الموقوفين وكثافة المداهمات الأمنية خصوصا في سبتمبر الماضي إلى وجود شكوك في أن (داعش ما يزال قادرا على تجنيد إرهابيين وأن هناك إرهابيين أحرارا قادرين على القيام بعمليات إجرامية) ممّا يعني أن الإجراءات الحكومية لمواجهة الإرهاب منذ عام 2003 في برنامج (المناصحة) (الإسهام في نشر مفهوم الوسطية والاعتدال ونبذ التطرّف والأفكار المنحرفة وفقا للمفهوم السعودي) وتغيير المناهج الدراسية واستخدام الإعلام لمواجهة التطرّف لم تُعطِ نتائج مُرضية. ويُمكن قراءة اختلاف نوعي بين عمليات (داعش) اليوم والموجة السابقة من عمليات تنظيم (القاعدة) في السعودية في 2003 إذ أن الاعتداءات التي تبنّاها تنظيم (القاعدة) أقلّ عدديا من اعتداءات (داعش) لكنها أقوى من الناحية التدميرية. وظهر ذلك في انفجار الحمراء في ماي 2003 حين استهدف تسعة مسلّحين وانتحاريين ثلاثة مجمّعات سكنية بأربع سيّارات مفخّخة وفي انفجار مجمّع المحيّا السكني في نوفمبر 2003 تمّ تفجير 300 كيلوغرام من المتفجّرات بعد اقتحام المجمّع وإدخال سيّارة مفخّخة. أمّا (داعش) فيعتمد على عمليات منفردة من خلال دخول انتحاريين يرتدون أحزمة ناسفة يستهدفون المساجد أو إطلاق النّار على رجال أمن بشكل عشوائي.