عاشت إحدى الثانويات شرق العاصمة بحر الأسبوع الماضي، حادثة عنف بطلاها تلميذان بالصف الأول الثانوي، كادت أن تنتهي بمأساة حقيقية بعد أن أشهر أحدهما سكينا كان يحمله بين طيات ملابسه في وجه زميله، على اثر مناوشات كلامية بينهما، حيث أفاد بعض التلاميذ الذين كانوا متواجدين بالقرب من التلميذين المتشاجرين ساعتها أن أحدهما قام بسب الثاني بكلمات نابية وجارحة، وهو ما لم يتحمله هذا الأخير فاتجه إلى زميله في محاولة للومه غير أنه فاجأه بإشهار السكين في وجهه ما استدعى تدخل بعض الزملاء والمراقبين الذين كانوا متواجدين ساعتها ما حال دون استمرار الشجار إلى ما لا يحمد عقباه، كما تمت إحالة التلميذين على المجلس التأديبي، للوقوف على الخلفيات الحقيقية للحادثة. هذه الحادثة، ليست الأولى من نوعها بطبيعة الحال ولن تكون الأخيرة، بعد أن صارت ظاهرة العنف في المدارس بالجزائر إحدى أكثر الظواهر سلبية، لانتشارها بين فئة حساسة جدا هي فئة الطلبة والتلاميذ الذين يمرون بمرحلة المراهقة، مرحلة تتطلب الكثير من الحذر والمرونة في التعامل معهم، وكثيرا من الصرامة كذلك، بعد تكرر حوادث حمل الطلبة والتلاميذ للأسلحة البيضاء في محافظهم، وتهديد بعضهم البعض بواسطتها، عند كل خلاف مهما كان بسيطا، على الرغم من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها وزارة التربية والمصالح التابعة لها لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تهدد مدارسنا وتلامذتنا، ناهيك عن الأخطار الأخرى المتربصة بهم خارج أبواب المدارس من طرف بعض المنحرفين وكذا مروجي المخدرات والحبوب المهلوسة واللصوص، الذين يتخذون من أبواب المتوسطات والثانويات مكانا مفضلا لاصطياد ضحاياهم من التلاميذ من الجنسين، دون إهمال بقية العوامل الأخرى التي تلعب دورا أساسيا في استفحال ظاهرة العنف بين التلاميذ داخل حرم المؤسسات التربوية، كالعوامل النفسية والعائلية وغيرها، وإن كانت ظاهرة عنف التلاميذ اتجاه أساتذتهم قد أخذت أبعادا خطيرة خلال السنوات الماضية، فإن ظاهرة عنف التلاميذ ضد بعضهم البعض أخذت أبعادا أكثر حدة، بعد أن وصلت إلى حد استعمال الأسلحة البيضاء، سواء داخل القسم أو خارجه، وهو ما قد يؤثر على مستقبل التلميذ إذا ما وصلت الأمور لحد فصله النهائي، كما قد تؤثر على بقية التلاميذ بتسريب الخوف إلى أنفسهم وجعلهم في حالة هلع دائم من التعرض إلى أي مكروه، فيفقدون الشعور بالثقة والأمان ما ينعكس سلبا بعد ذلك على نتائجهم ومردودهم الدراسي. وبينت دراسة أجريت حول ظاهرة العنف المدرسي في الجزائر قبل فترة أن عددا من التلاميذ الذين شملتهم عينة البحث يشاهدون ممارسات عنف مختلفة في الشارع، وأن منهم لا يشعرون بالأمن في تنقلهم بين المنزل والثانوية، كما صرح بعضهم بأنهم تعرضوا للعنف في الطريق إلى الثانوية، ويتنوع العنف ما بين الضرب والتحرش الجنسي والسرقة والسب والشتم والتهديد، وكلها عوامل أدت بطريقة أو بأخرى إلى لجوء البعض منهم إلى حمل الأسلحة البيضاء اما بغرض الدفاع عن أنفسهم أوالانتقام من غرمائهم أو لفرض منطق القوة وإبعاد نظرات الاستهزاء والاستهانة بهم. ويقول بعض المساعدين التربويين في الموضوع، إن المسؤولية لا تقع على عاتق المؤسسة التربوية فحسب، وإنما على عاتق الأولياء كذلك، الذين يتوجب عليهم مراقبة أبنائهم ومراقبة ما يحملونه في محافظهم وكذا سلوكياتهم داخل المدرسة وخارجها، خاصة وأن كثيرا من الأولياء لا يزورون المؤسسات التربوية التي يدرس فيها أبناؤُهم إلا نهاية كل فصل دراسي لاستلام كشف النقاط، أو عند نهاية السنة في حالة وجود أية نتائج ضعيفة أو غير مقبولة تحول دون انتقال التلميذ إلى السنة المقبلة، أو في حالة وجود مشكلة حقيقية تتطلب استدعاءَ وليِّ الأمر، أما عدا ذلك فإن كثيرا من الأولياء لا علاقة لهم بمؤسسات أبنائهم لا من بعيد ولا من قريب. هذا وتجدر الإشارة إلى أن وزارة التربية وبموجب اتفاق اُبرم قبل فترة بين وزارتي التعليم والتضامن، قد أعلنت عن مشروع توظيف حوالي 21 ألف عون لسد الاحتياجات الأمنية في المدارس، وسيتم تعيينهم بالتدريج في المدارس الواقعة بالمدن الكبرى لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة.