تنافس عالمي (محموم) على قتل السوريين بأبشع الوسائل العسكرية هكذا أشعلت دمشق سوق السلاح العالمي حروب السلاح: الدولار الأمريكي ضد الروبل الرّوسي ليست الحرب صورا تنقلها وسائل الإعلام عن دمار المدن والمنازل وصور قتلى وصراخ مقاتلين وتصاعد دخان فقط ولا هي الإثارة التي تنقلها مشاهد إقلاع طائرات مقاتلة خارقة لجدار الصوت وقصفها لمواقع المتحاربين وهبوطها بسلام. للحرب تكلفة تكلفة باهضة يحسبها الساسة مع العسكر ورجال الاقتصاد قبل الخوض فيها. ق. د / وكالات هل الجندي بحاجة إلى دبّابة سهلة الاستعمال على أرض المعركة أم إلى دبّابة دقيقة كساعة سويسرية؟ حرب أسواق السلاح وزبائنها في الشرق الأوسط وتكاليف حرب الكرملين في سوريا مقارنة بعمليات واشنطن متعددة الجبهات. اليوم تقتسم سماء سوريا طائرات الغرب تقودها أسراب أمريكية وطائرات مقاتلة روسية وتقلع طائرات الطرفين من كلّ مكان وتضرب مواقع تنظيم (الدولة الإسلامية) حسب ادّعاء الطرفين بالإضافة إلى مواقع أخرى تعتمد على الولاء والتحالف والقرب والبعد من جبهة النصرة والمعارضة السورية (المعتدلة) و(غير المعتدلة) أو البعد والقرب من نظام بشار الأسد وحلفائه في سوريا. كل قذيفة تلقيها طائرة أو صاروخ تطلقه فرقاطة يكلف آلاف الدولارات أو يتجاوز المليون دولار في حالة الصواريخ أحيانا. وقد تسقط هذه العبوات المتفجرة الطائرة المسيرة او المحمولة على معسكر لتدريب للإرهابيين أو على منزل أسرة أو تقتل إرهابيا واحدا أو لا تقتل فمن يدفع قيمة السلاح وتكلفة الحرب؟ تكلفة حرب كلّ من الولايات المتّحدة على تنظيم (داعش) في سورياوالعراقوروسيا على (داعش) وحلفائها أو منافسيها في سوريا يوميا تختلف اختلافا كبيرا اعتمادا على عوامل عدة. فماكينة الحرب الرّوسية تكلفتها مختلفة عن مثيلتها الأمريكية وصنّاع السلاح الأميركي هم مؤسّسات مستقلة تنتمي في الغالب إلى القطاع الخاص وتبيع منتجاتها وفق استراتيجيات الدولة ولا تخرج عن ثوابت سياستها فيما تملك الدولة الرّوسية وإن كان ليس بشكل معلن شركات تصنيع السلاح من دبّابات أرماتا وصولا إلى طائرات سوخوي المقاتلة أو القاصفة منها. في الولايات المتّحدة نقلت مصادر إعلامية أمريكية عن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن تكلفة العمليات العسكرية الأمريكية في سورياوالعراق يوميا تصل إلى حوالي 9 ملايين دولار. وتكلفة الحرب على (داعش) منذ انطلاقها قبل حوالي أكثر من عام وحتى شهر أوت الماضي وصلت إلى 2.74 مليار دولار حوالي 67 بالمائة منها للقوة الجوية الأمريكية فقط. * ماذا بشأن الأرقام الرّوسية؟ لا تصدر عن المصادر العسكرية الرّوسية الرسمية أرقام تبيّن حجم تكلفة عمليات القصف اليومية التي تتجاوز أحيانا الخمسين طلعة بيْد أن مصادر صحفية ومراكز دراسات كشفت عن تقديرات تخمينية للتدخل الرّوسي في سوريا. صحيفة (موسكو تايمز) الرّوسية نقلت عن مراكز أبحاث عسكرية أن العمليات في سوريا تكلّف موسكو يوميا حوالي 4 مليون دولار. ومجموع ما صرفته القيادة الرّوسية في سوريا منذ بداية تدخلها في (30 من سبتمبر 2015) بما في ذلك تطوير قاعدة عسكرية جوية ومرافقها والجنود وموظفو الخدمات بالإضافة إلى تكلفة الصواريخ التي أطلقتها الطائرات على مواقع تنظيم (الدولة الإسلامية) قد وصل إلى رقم يتراوح بين 80 إلى 150 مليون دولار ولابد من الإشارة هنا إلى أن مدة التدخل الروسي في العمليات ضئيلة جدا مقارنة بمدّة التدخّل الأمريكي ضد (داعش) التي بلغت أعواما. من جانبه تحدّث المستشار الروسي المتخصّص في المخاطر الاستراتيجية يوري بارمين في لقاء مع (DW) عربية عن حجم إنفاق عسكري عملياتي يصل إلى 1.5 مليون في اليوم في الجانب الرّوسي حسب تقديره. وربما لا يشكل هذا الرقم ثقلا يذكر على ميزانية الدفاع الرّوسية لعام 2015 التي تقدّر ب 50 مليار دولار لكن الخطر -كما يجمع المراقبون وهم يستذكرون التورّط السوفياتي في أفغانستان- يكمن في حال امتدت العمليات العسكرية الرّوسية إلى أكثر ممّا مقرّر لها. العميد المتقاعد ناجي ملاعب من مؤسّسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إينغما) أيّد الفكرة التي تتحدث عن خطورة إطالة الحرب في سوريا على الاقتصاد الرّوسي (المحلّلون الرّوس قالوا إن العملية لن تنهك الاقتصاد الروسي لو استمرت حتى نهاية العام. لكنها يمكن أن تؤذيه في حال إطالتها). ويرى المحلّل العسكري والكلام له أن روسيا لا تتحمّل وحدها كلفة الحرب معتبرا أن (هناك بعض المصادر تتحدّث عن أن إيران تساهم ماليا في تغطية التدخل الروسي في سوريا فالكلفة ليست على روسيا فقط). بيْد أن يوري بارمين استبعد أيّ مساعدة مالية من العراق أو إيران مشيرا إلى أن هذه الدول مشغولة بتغطية تكاليف عملياتها العسكرية. * (مواقع داعش ميدان لتجربة صواريخ وقذائف روسيا) أحد أهمّ الأسباب في انخفاض تكلفة تدخل روسيا ربما يعود إلى أنّ طائراتها لم توظف أسلحة متقدمة جدا وغالية الثمن في ضربها لأهدافها كما تشير بعض الدراسات الاستراتيجية. فأغلب القذائف المستعملة قديمة مخزونة منذ أيّام الاتحاد السوفياتي. أمّا الصواريخ التي أطلقتها الفرقاطات الروسية من بحر قزوين على مواقع (داعش) فتصل كلفة الصاروخ الواحد منها إلى نحو 1.2 مليون دولار أي أن تكلفة ما أطلقته روسيا من صواريخ في هذه العملية التي كانت أشبه باستعراض قوة وصلت إلى حوالي 36 مليون دولار. وفي هذا السياق يقول المحلل الإستراتيجي يوري بارمين (تكاليف التدخل الرّوسي حسب مصادر رسمية جاءت ضمن تكاليف التدريبات العسكرية فبدلا من إطلاق النار في مناطق التدريب في طاجكستان تستعمل الذخيرة في سوريا في الحرب على داعش). * صواريخ الاقتصاد الرّوسي! سوق السلاح مزدهر في الشرق الأوسط (فالشركات المنتجة بدأت تبيع أكثر من السابق) كما يقول العميد المتقاعد ناجي ملاعب. وبعكس شركات السلاح الغربية فإن شركات السلاح الرّوسية لا تقارن من حيث حجم الإنتاج والموارد بنظيرتها الغربية رغم أن مواردها تشكل حوالي 20 بالمائة من حجم الدخل القومي الرّوسي. فقد بلغ حجم الصادرات العسكرية الرّوسية للعام الماضي نحو 15.5 مليار دولار ومع ذلك فإن هذا المبلغ قد لا يشكّل رقما كبيرا في وقت انخفضت فيه أسعار النفط بشكل ملحوظ وتعرّضت فيه روسيا إلى ضغوط دولية أدّت إلى خفض قيمة الروبل بشكل كبير. بجانب ذلك تحاول الحكومة الرّوسية معالجة الوضع الاقتصادي وتغطية إنفاق الدولة من خلال تخفيض الرواتب والرواتب التقاعدية للموظّفين لكن بارمين يرى أن الاقتصاد الرّوسي لن يتأثّر بالحرب في سوريا مبيّنا بالقول: (لا يمكن المقارنة بين ما يجري قرب دمشق وبين الحرب في شرق أوكرانيا التي تستدعي دعما ماليا روسيا كمساعدات اجتماعية للجزء الشرقي من أوكرانيا والذي يكلف روسيا أكثر من حربها في سوريا) حسب تعبيره. شركات السلاح الرّوسية بدورها تعاني من العقوبات الاقتصادية التي طالت روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية بعكس شركات السلاح الأمريكية التي تعيش أفضل أيّامها. العميد ناجي ملاعب يشير إلى انتعاش سوق السلاح في المنطقة ويقول: (عندما هددت واشنطن بقصف سوريا عام 2013 بصواريخ توم هوك ارتفعت أقيام أسهم الشركة المنتجة له وهي شركة Raytheon إلى 10 بالمائة وهناك عقود لإنتاج سلاح والتزوّد بالسلاح في الشرق الأوسط تجعل شركات إنتاج السلاح الأمريكية والغربية في أفضل حالاتها). بيْد أن التدخّل العسكري الرّوسي في سوريا يمكن أن يعود بالنفع على شركات الأسلحة الروسية أيضا. فسوق السلاح الرّوسي بحاجة إلى زبائن جدد في الشرق الأوسط الذي يعيش دوامة حروب وصراعات عسكرية قد لن تنتهي في المدى المنظور والعمليات الروسية تمثل دعاية للسلاح الروسي. حتى إطلاق صواريخ كروز (الرّوسية العابرة للقارّات) من الفرقاطات في بحر قزوين يري فيه يوري بارمين دعاية للسلاح الرّوسي ويعتقد أنه على المدى البعيد سيكون لتدخل الكرملين في سوريا فائدة جمّة تعود على شركات السلاح الرّوسية. * دبّابة أم ساعة سويسرية؟ السلاح الروسي مقارنة بالسلاح الغربي رخيص الثمن سهل الاستخدام مقاوم لظروف المناخ القاسية والأجواء القتالية بالغة الصعوبة وتعتمد الكفاءة في استخدامه على طبيعة الجيش ونوعية تدريبه كما أن ذخيرته رخيصة ويمكن تحوير الأسلحة الميدانية لتلائم ظروف مستخدميها في المناطق الحارة. فالجيش السوري مدرّب على السلاح الروسي ومثله الجيش العراقي والجيش اليمني والجيش المصري. الجيش العراقي مثلا شهد تغييرا في عقيدته العسكرية وتنظيم قطعاته منتقلا من العقيدة الشرقية الروسية المختلطة إلى العقيدة الأمريكية وهكذا غابت بنادق كلاشينكوف ورشاشات بي كي سي ومدافع مقاومة الطائرات المتوسطة من عيار 14.5 ملم ديمتروف ورشاشات دوشكا 10.5 ملم عن المشهد لتحل محلها بنادق أم سكستين الأمريكية ورشاشات LW50 المتوسطة وصواريخ وقاذفات ستنغر المحمولة على الكتف والمضادة للطائرات عالية التقنية باهظة الكلفة. وحلّت دبابات أبرامز الأمريكية محلّ دبابات تي 54 وتي 62 وتي 72 الروسية وفارق الأسعار هنا يبلغ مئات مليون الدولارات وصولا إلى الملايير. لكن هناك نقصا في ذخيرة الدبابات الأمريكية الأمر الذي دفع قوات الحشد الشعبي مثلا إلى تحوير الدبابة بما يناسب الأعتدة الروسية المخزونة في مستودعات الجيش العراقي السابق. فقد نقل موقع مجلة (IHS Janes) المتخصصة بشؤون السلاح أن (قوات الحشد الشعبي في العراق أجرت تحويرا على دبابة أبرامز الأمريكية MIA1 وذلك بإزالة المدفع الرشاش المثبّت على الدبابة واستبداله بآخر روسي مع استخدام ذخيرة إيرانية فيه). روسلان بوخوف مدير مركز (CAST) الرّوسي لدراسة السلاح يقول بتهكّم في حوار نشره موقع مجلة (defencenews) المعتمدة لدى (البنتاغون): (إن الجندي بحاجة إلى دبابة يسهل قيادتها في المعركة لا إلى ساعة سويسرية) ويذهب بعيدا ويقول: (استخدام السلاح الأمريكي بحاجة للدراسة في جامعة هارفارد).