صورة من الارشيف لم يكن فقط جسرا ولا دعما... بل تورط مباشر في حرب خسرت فيها كل شيء... ولولا القرارات المتخبطة لانهارت أقوى دولة في العالم ولزال السرطان الصهيوني للأبد... هذا ما حدث في أول حرب أمريكية مباشرة على العرب. * على مدار 35 سنة لم نسمع إلا عما يسمى »الجسر الجوي الأمريكي«، ولم يكشف للعالم سوى أحاديث عن دعم أمريكي للكيان الصهيوني أثناء حرب أكتوبر 1973، لكن هذا الجسر لم يكن سوى حلقة من مسلسل حرب كبيرة شنتها الولاياتالمتحدة على العرب بدءاً من اليوم الأول للقتال. * * الجيش الأمريكي يضرب بقوة في الجولان وسيناء * * أبدأ بفقرات من كتاب »حرب أكتوبر 1973« لمحمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة العربية في أكتوبر 1973، وأحد أكبر 50 قائدا عسكريا في العالم ذكرتهم أشهر الموسوعات العسكرية العالمية، الذي يقول: في اليوم الرابع للقتال 09 أكتوبر كانت القوات المصرية قد حققت إنجازا عسكريا، وتحطمت كل هجمات »إسرائيل« المضادة. وكان لابد من استمرار الهجوم لتحقيق الهدف الاستراتيجي للحرب وهو الوصول إلى خط المضايق؛ ذلك لأن ترك العدو بدون ضغط مستمر عليه معناه انتقال المبادرة له، خاصة وأن حجم قواته أخذ في التضاعف بشكل مقلق، وقد تناقشت مع الفريق أول أحمد إسماعيل ووجدت منه الحذر الشديد من سرعة التقدم شرقا، فكان يرى الانتظار لتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة، وتلقين الولاياتالمتحدة درسا قاسيا، لكن تأخير الهجوم إلى يوم 14 أكتوبر حرم مصر من تحقيق نصر ساحق على »إسرائيل« وأمريكا معا، حيث ضاعفت أسراب المقاتلات الأمريكية هجومها ضد قواتنا، فبلغت خسائرنا في هذا اليوم وتوقف هجوم قواتنا 250 دبابة، أي أكثر مما فقده العدو بقليل. * ويضيف الجمسي: بات واضحا لنا في غرفة القيادة أننا نقاتل ليس فقط التكنولوجيا الأمريكية والدعم العسكري اللامحدود، وإنما نقاتل أمريكا ذاتها، وكان ذلك سببا مباشرا في فشلنا في تطوير الهجوم واختراق المضايق المؤدية إلى فلسطينالمحتلة. * هكذا إذن كان الوضع العسكري في اليوم الرابع للحرب، عجز العرب عن استكمال الزحف في سيناء بفضل التدخل المباشر لواشنطن، فهل استسلموا أم كانت هناك جولات أخرى؟، قبل الإجابة ألتفت إلى الوضع على الجبهة الشمالية للعدو، حيث كان الجيش السوري يواصل قصف المواقع الصهيونية بهجوم وقصف مكثف، ففي 09 أكتوبر أسقطت الدفاعات السورية أعدادا كبيرة من طائرات العدو، مما أوقع خسائر كبيرة في صفوف الجيش الصهيوني، وهنا يقول المحلل الصهيوني »جدعون روز«: »خسرت إسرائيل معظم قوات الجبهة الشمالية، وبات الطريق أمام السوريين مفتوحا، ولم يكن هناك ما يمنع وصولهم إلى تل أبيب، وقبل أن تطلب إسرائيل المساعدة من الولاياتالمتحدة لتعديل الوضع على الجبهة السورية أيضا، كانت المقاتلات الأمريكية قد انطلقت من تركيا وحاملات الطائرات في المتوسط، لتنفذ 35 طلعة جوية على مدار يوم كامل، نجحت في وقف التقدم السوري وألحقت بالعدو خسائر كبيرة«. * ويواصل روز قائلا: »الأصدقاء الأمريكيون رفضوا التسليم للمعلومات التي أكدت أن الضربات الجوية شلت السوريين، وأخذت طائرات الشحن الأمريكية طوال ليل يوم التاسع من أكتوبر تنفيذ عملية إنزال مكثف، وفي صباح اليوم العاشر كانت قرابة ال400 دبابة أمريكية منتشرة في الجولان، وبذلك عاد الأمل على الجبهة الشمالية. * مما شجع القادة الإسرائيليين على الامتثال للرأي الأمريكي والقيام بهجوم معاكس ناجح في الجولان في يوم 11 أكتوبر، فنجحنا في إيقاف الجيش السوري من التقدم نحو الحدود الدولية«. * * 85 في المئة من الجيش الصهيوني تحطم في ثلاثة أيام * * معلومة أخرى في غاية الأهمية جاءت على لسان المؤرخ الصهيوني »إيفي شلايم«، الذي كشف عن أرقام خطيرة وسرية تؤكد أن القوات العربية قضت على الجيش الصهيوني في الأيام الثلاثة الأولى للمعركة، ويقدم شلايم رصدا دقيقا لعدد القطع العسكرية الصهيونية قبيل هذه الأيام ونظيرتها العربية، وما تبقى لدى الطرفين في يوم 09 أكتوبر، فيقول: إجمالي القطع الرئيسية في القوات البرية الإسرائيلية قبيل حرب يوم كيبور بيوم واحد بلغ حوالي 2350 دبابة قتال متوسطة، 1593 مدفع ميدان وهاون، 906 قطعة مضادة للدبابات. * وكانت هذه القوات تتشكل من 05 قيادات مجموعة عمليات، 10 لواءات مدرعة، 6 كتائب دبابات مستقلة، 19 لواء مشاة آلي، 02 لواء مشاة، 03 لواء مظلي، 22 كتيبة ناحال، 45 كتيبة مدفعية ميدان ومتوسطة وهاون، 12 كتيبة مدفعية مضادة للدبابات، 03 كتيبة صواريخ مضادة للدبابات. * ومن إجمالي هذا العدد لم يتبق مع بزوخ فجر اليوم الرابع للحرب سوى 242 دبابة، 470 مدفع، و12 مضاد للدبابات. * أما القوات الجوية والدفاع الجوي فقد بلغ قوامها 777 طائرة متنوعة، منها 457 طائرة مقاتلة، مقاتلة قاذفة، 13 موقعا لصواريخ أرض / جو طراز هوك، من 15 20 كتيبة مدفعية مضادة للطائرات متنوعة الأعيرة، هذا بخلاف كتائب وحدات القوات البرية بواقع كتيبة لكل لواء ولكل قيادة فرقة أي ما يعادل 36 كتيبة، ولم يتبق من هذه القوة سوى 180 طائرة، وموقعي صواريخ أرض/ جو، وثلاث كتائب دعم جوي. * أما القوات البحرية، فبلغ قوامها 77 قطعة متنوعة، منها 3 سفن إبرار بحري، 03 غواصة، 14 زورق صواريخ سطح / سطح، 09 زورق طوربيد، ولم ينجُ منها 17 قطعة، ويضيف شلايم: هذه الأرقام المرعبة تؤكد أن »إسرائيل« مُنيت بهزيمة ساحقة، فلم يسبق لجيش أن فقد هذه الخسائر لا في المدة ولا المعارك بوجه عام. * * وقفة »مخلصة« أنقذت »إسرائيل« من السقوط * * ولم يكتف شلايم برصد الخسائر الصهيونية، وتعرض بإسهاب لحجم القوات العربية في سيناء والجولان بعد 72 ساعة من القتال، فيقول: في المقابل لم يخسر العرب أكثر من 07 في المئة من مجمل قواتهم، فقد شملت القوات الجوية العربية قبيل الحرب، 260 ميغ 21، 200 ميغ 17، 120 سوخوي 7، 50 سوخوي 20، 16 سوخوي 17، 28 تيوبولوف 16، 10 أليوشن 28، 140 هليكوبتر (مي 4 ومي 6 ومي 8)، هذا بخلاف طائرات التدريب من النوع اللام 29 والتي بلغ عددها 90 طائرة، إضافة للدعم العربي وبالأخص الجزائري والذي شمل: 54 ميراج 5، 25 هوكر هنتر، 25 ميج 21، 25 ميج 17، 25 سوخوي 7. * ويضيف شلايم: لم تسقط »إسرائيل« من هذه القوة الجوية سوى أربع طائرات على الجبهة الجنوبية، و12 على الجبهة الشمالية. * أما قوات الدفاع الجوي لدى الأعداء يقول شلايم فقد اشتملت على 4 فرقة دفاع جوي (22 قيادة لواء صواريخ، 135 كتيبة نيران، 17 فوج مدفعية مضادة للطائرات، 28 كتيبة مدفعية مضادة للطائرات، 5 كتائب صواريخ محمولة على الكتف طراز سام 7، و7 أفواج رادار، 20 كتيبة رادار، وحدات مراقبة بالنظر)، لم يدمر منها سوى ما يعادل 11 في المئة من قوامها. أما القوات البرية والتي تجاوز قوامها الربع مليون مقاتل على الجبهتين، فلم يقتل منها سوى 794 بين جنود وضباط، ولم تدمر سوى 400 دبابة من جملة 2500 دبابة. * شلايم وبعد سرده لتلك الأرقام، وبعد توجيهه اللوم اللاذع للقيادات الصهيونية آنذاك، وللمسؤولين الذين أخفوا تلك المعلومات الخطيرة عن الشعب الإسرائيلي، خلص بالقول: جيش الدفاع الإسرائيلي انهار تماما في ثلاثة أيام وكان سقوط إسرائيل وشيكا، لكن الحلفاء وفي مقدمتهم الولاياتالمتحدة أنقذوا إسرائيل من الكارثة التي وإن وقعت لما بقينا أحياء اليوم نبحث وننقب عن أخطائنا. * * هزيمة طائرات غلاكسي الأمريكية * * من خلال تلك المعلومات بدأ يتضح لي حقيقة الدور الأمريكي في تلك الحرب، لكن أعود لأتساءل: ألم تتوقع القيادات العربية حدوث هذا الأمر، خاصة وأن واشنطن لا يمكن أن تقبل بفكرة زوال الكيان الصهيوني من الوجود؟، المحلل الروسي »فاديم كيربيتشينكو« يجيب قائلا: كان السادات والأسد على قناعة بأن أمريكا ستسعى لإحداث مفاجآت في المعركة، فوضعا خططا للتعامل مع أي تدخل أمريكي يخل بتوازن القوى أثناء الحرب، وكان العرب مدركين أيضا أنهم يقاتلون أمريكا بشكل مباشر، لكن وبعد ثلاثة أيام من الحرب تكبّدت أمريكا خسائر كبيرة، فعمدت إلى استخدام أسلحة فتاكة جديدة تفوق أي تصور أو توقع من جانب العرب. * كيربيتشينكو يقول أيضا: الطائرات الأمريكية من طراز سي 5 غلاكسي كانت تنزل الدبابات الأمريكية لساحة المعركة مباشرة في سيناء عبر مطار العريش، وكان ذلك بعد 07 ساعات فقط من اندلاع الحرب، لكن المقاتلات المصرية دمرت المطار وممرات الإقلاع والهبوط، الأمر الذي أجبر واشنطن على إنزال قواتها في مطارات »إسرائيل«، وكانت تلك الضربة موجعة لأمريكا التي كانت تريد عدم إضاعة الوقت واختصار المسافات لصد القوات المصرية المهاجمة، ومن أجل توفير الغطاء الزمني لوصول تلك الدبابات لساحة المعركة، كثف الطيران الأمريكي هجماته على الجبهتين المصرية والسورية معا، لكنها في المقابل ونظرا لاندفاعها الجنوني خسرت عددا كبيرا من طائراتها، وكانت المعارك تسير حيث لا تشتهي. * * قنابل الليزر وصواريخ شرايك تدل المعارك لأول مرة * * ويضيف كيربيتشينكو: تكبّدت أمريكا خسائر كبيرة في معداتها واقتصادها أيضا، فقد كانت تعوض »إسرائيل« فورا عن كل طائرة سكاي هوك أو فانتوم تسقط على أي من الجبهتين، وكانت مجبرة على استخدام أعداد مهولة من صورايخ »شرايك« المتطورة وذات القدرة التدميرية العالية والباهظة التكاليف في ذات الوقت، لكن المحير يقول كيربيتشينكو أن هذا الضغط العسكري الشديد لم يؤثر على تقدم العرب وإحرازهم انتصارات مغايرة لكل القوانين العسكرية، وهذا ما دفع واشنطن إلى إخراج كل ما في جعبتها، ولأول مرة دخل الجيل الأول من القنابل الموجهة بالليزر ساحة المعركة، ولأول مرة خرجت للعالم أسرار باكورة الصناعات الحربية الأمريكية، وظهرت أسماء أسلحة على غرار »المافريك« وال»تاو«، وكان ذلك في اليوم الرابع للقتال، حينما تقدمت القوات المصرية للاستيلاء على المحاور الرئيسية في سيناء، وكان لتلك القنابل الحديثة دور كبير في تدمير اللواء المدرع الذي انطلق في عملية تطوير الهجوم، ولكن هذا لا يعفي المصريين من الخطإ، حيث أن هذه القوات خرجت من نطاق الدفاعات الجوية المصرية، الأمر الذي سهل المهمة على القاذفات الأمريكية، ولو أن خطة الهجوم تلك نفذت تحت مظلة دفاعية جيدة لقال التاريخ كلمة أخرى، فالاستيلاء عليها يفتح الطريق تماما إلى العمق الإسرائيلي، لكن في المقابل كان التحرك المصري مستندا إلى تيقن القيادات في القاهرة من إبادة معظم القوات الجوية والبرية الإسرائيلية، ولم يدر في حسابهم أن عشرات المقاتلات الأمريكية تنتظر هذه الهفوة، ويضيف كيربيتشينكو: المصريون دمروا معظم الطائرات وقواعد الصواريخ الهجومية الإسرائيلية، وتصدت الدفاعات المصرية والعربية على طول خط القناة لمحاولات الاختراق الجوية الإسرائيلية، فاضطرت »إسرائيل« لإصدار قرارها الشهير الذي منع ما تبقى من مقاتلاتها من الاقتراب من ساحة القتال بعمق 20 كيلومترا، حتى المقاتلات الأمريكية حيّدت هي الأخرى في هذه المنطقة، فتحركت القوات المصرية بنجاح تحت هذا الدرع القوي وبمجرد الانسلات منه انقضت أمريكا على العرب، ورغم إحرازها بعض التفوق حتى اليوم الرابع عشر من الحرب إلا أن اقتصادها كان على وشك الانهيار، فقد كانت الولاياتالمتحدة ترسل الدبابات إلى »إسرائيل« من المخزون الاستراتيجي المباشر، بل إنها رفعت نسبة التصنيع في العام التالي للحرب في مصانع الدبابات لتعويض خسائرها في حرب أكتوبر، وكذلك رفعت إنتاجها من الصواريخ المضادة للدبابات في نفس السنة من 12852 صاروخ إلى 35487 صاروخ، وانطلى الأمر على المقاتلات وكافة القطع الحربية، وواجهت أمريكا أزمة اقتصادية عاصفة، كان من الممكن لو استمرت الحرب أن تهدد بانهيار القوة العظمى. * * النصر للعرب... فلماذا أوقف السادات الحرب؟ * * اعترافات كيربيتشينكو جعلتني أتساءل بمرارة: لماذا وافق العرب إذن على وقف إطلاق النار، رغم أن النتائج على أرض المعركة تسير لصالحهم؟، الرئيس المصري السابق السادات يبرر ذلك في كتابه »البحث عن الذات« قائلا: أتضح لي في اليوم الأول من الحرب أن القمر الصناعي الأمريكي كان يوصل المعلومات لإسرائيل ساعة بساعة، وأخطرهم بنقل الفرقة المدرعة 21 من الضفة الغربية للقناة إلى الضفة الشرقية لمحاولة تخفيف الضغط على سوريا كما طلب وألح الرئيس الأسد... وأقر هنا للتاريخ أن روسيا التي تدعي وقوفها مع الحق العربي لم تبلغنا بشيء بواسطة أقمارها الصناعية التي تتابع المعركة، ثم حدث تطور خطير بدأت أشعر به، وأنا أتابع الحرب من غرفة العمليات... لقد استخدم الجسر الجوى الأمريكي لنجدة إسرائيل مطار العريش لنزول الطائرات الأمريكية الجبارة التي تحمل الدبابات وكل الأسلحة الحديثة... والعريش تقع خلف الجبهة، وبدأت ألاحظ تطورا خطيرا في معارك الدبابات التي اعترف الإسرائيليون أنفسهم بشراستها وكفاءة المصريين في إدارتها، كنت كلما أصبت لإسرائيل 10 دبابات أرى مزيدا من الدبابات، لقد دخلت أمريكا الحرب لإنقاذ إسرائيل بعد النداء المشهور أنقذوا إسرائيل في اليوم الرابع، وهي تستخدم بكل صراحة مطار العريش المصري الذي يقع خلف الجبهة بكل وضوح لكي تحول الهزيمة الإسرائيلية إلى انتصار... * وتذكرت في تلك اللحظات ما فعلته أمريكا على جبهة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية ثم على الجبهة اليابانية، أما التطور الثالث والخطير، فهو أن أطلق صاروخان على بطاريتين مصريتين للصواريخ فعطلا البطاريتين تعطيلا كاملا، وعرفت بعد ذلك أنه صاروخ أمريكي جديد يسمى القنبلة التلفزيونية وأنه كان لايزال تحت الاختبار في أمريكا، فأرسلته لنجدة إسرائيل، لقد دخلت أمريكا الحرب لإنقاذ إسرائيل حتى بالأسلحة تحت الاختبار، وقنبلة المافريك وأسلحة أخرى، وأنا أعرف إمكاناتي وأعرف حدودي، لن أحارب أمريكا، ولذلك بعد عودتي من غرفة القيادة... كتبت للرئيس الأسد شريكي في القرار برقية أخطره فيها أني قررت الموافقة على وقف إطلاق النار... * وسجلت في هذه البرقية موقفي، وهو أني لا أخاف من مواجهة إسرائيل، ولكني أرفض مواجهة أمريكا... وإني لن أسمح أن تدمر القوات المصرية مرة أخرى... وإنني مستعد أن أحاسب أمام شعبي في مصر وأمام الأمة العربية عن هذا القرار، وفي هذه الليلة اتخذت القرار بوقف إطلاق النار فقد كان لي عشرة أيام أحارب فيها أمريكا وحدي بأسلحتها الحديثة التي لم يستخدم أغلبها من قبل، وكان الموقف على غير ما يتصوره العالم كله... فقد كان اعتقاد الجميع في العالم أن الاتحاد السوفيتي يقف إلى جانبنا، وأنه قد أرسل الجسر الجوي لنجدتنا ولكن الموقف كان غير ذلك في الواقع... فأمريكا وإسرائيل في مواجهتي، والاتحاد السوفيتي في يده الخنجر ويقع وراء ظهري ليطعنني في أية لحظة عندما أفقد 85٪ أو 90٪ من سلاحي كما حدث في سنة 1967. * بهذه الكلمات يقدم السادات إجاباته على السؤال الذي طرحته، لكن هل ما قاله صحيحا؟. * * القوات الجزائرية تحاصر قوات شارون * * أعداء السادات ردوا عليه بالقول: حقا استخدمت أمريكا صواريخ مافريك التلفزيونية ولكنها لم تنجح في تدمير حائط الصواريخ المصرية، ولكن السادات أراد تقديم حجة للجيش والشعب اللذين كانا لا يقبلان عن أي خيار سوى إبادة إسرائيل، لكن آراء أخرى تقول إن الولاياتالمتحدة نجحت بالفعل في إحداث نافذة إلكترونية في حائط الصواريخ المصري، ومن خلال أجهزة تشويش حديثة سيطرت على عمل هذه الدفاعات، ففتحت الباب أمام شارون لعبور قناة السويس، وفي هذا السياق يقول »ديفيد واتكين«: أصبحت مواقع تلك الصواريخ مهددة في ظل عدم وجود قوات مصرية على الضفة الغربية للقناة لحمايتها، فقد سمحت هذه النافذة للطيران الأمريكي والاسرائيلي باختراق حائط الصواريخ المصري ومن ثم مهاجمة العمق المصري والقواعد الجوية، فتم تحييد الطيران المصري أو إشغاله في أشد ساعات احتياج المصريين إليه، وساعدت هذه النافذة أيضا في تسهيل هجوم شارون على ميناء الادبية والزيتية حيث مواقع القوات الجزائرية، ولولا صمود هذه القوات في وجه الهجوم البري الإسرائيلي لانقلبت أحداث المعركة لصالح الأمريكيين والإسرائيليين، فقد كانت الخطة الأمريكية الإسرائيلية المشتركة تقضي بالاستيلاء على هذين الميناءين لاستخدامهما في نقل العتاد الأمريكي الثقيل »دبابات ومدفعيه« لساحة المعركة التي أراد الأمريكيون من خلالها إيصال رسالة للعرب مفادها، أن »الطريق إلى القاهرة هو الآخر مفتوحا، فلا داعي من التفكير في الزحف نحو تل أبيب«. * ويضيف واتكين: لقد استوعب السادات الرسالة جيدا، لكن كان عليه أن ينظر بدقة لصمود قواته وقوات حلفائه في وجه قوات شارون، فهذا الأخير تمكن لبعض الوقت من قطع خطوط الاتصال بين الجيش الثالث والقيادة العامة، لكنه في الوقت ذاته كان وحيدا معزولا بدون وقود ولا ذخيرة، وكان المنطق العسكري يؤكد أن هذه القوة الإسرائيلية لا مصير لها سوى الإبادة أو الأسر، بعد أن تصدت القوات الجزائرية لطائرات الدعم الأمريكية وأسقطت واحدة منها في خليج السويس، فقطعت عنه الإمدادات الإسرائيلية والأمريكية معا، وحاصرت القوات الجزائرية مدعومة بكتيبة من قوات الصاعقة المصرية وصائدي الدبابات القوات الإسرائيلية بين الأدبية ومنطقة الكيلو 101، فبكى شارون وجنوده بكاءً مريرا. * * يتبع... * * ------------------------ * تقرأون في الحلقة القادمة * القوات الجزائرية تخوض أشرس المعارك * الصهاينة يعترفون بهزيمتهم على يد الجزائريين * الثغرة أغلقها الجزائريون في وجه أمريكا و»إسرائيل«