بحث علماء دين سعوديون التجربة الغربية فيما يخص الاختلاط بين الجنسين، والتي اعتبروها غير ناجحة في وقف التحرش رغم مضي وقتٍ طويل على تطبيقها، ورفضوا استنساخها أو تقليدها، وأكدوا أن ضوابط الشرع هي الضوابط الوحيدة التي يجب الأخذ بها في هذا الإطار. جاء ذلك في حلقة برنامج »واجه الصحافة« التي يعدها ويقدمها الإعلامي داوود الشريان، وعرضتها قناة »العربية« مساء الجمعة، والتي سلطت الضوء على قضية الاختلاط في أبعادها المختلفة من النواحي الشرعية والعُرفية، وأحكامها وضوابطها، وذلك في ضوء الجدل الذي أثارته بعض الفتاوى أخيراً حول جواز ومنع الاختلاط. وأجمع المشاركون في المواجهة التي أدارها إلى جانب الشريان، عبد العزيز القاسم، المحامي والقاضي السابق، وهم الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان، الأستاذ بجامعة الإمام، والعميد السابق لكلية الشريعة في الرياض، والدكتور محمد العبد الكريم، أستاذ أصول الفقه المساعد بكلية الشريعة في الرياض، والدكتور حاتم بن عارف الشريف، عضو مجلس الشورى، على أن خروج المرأة لقضاء حوائجها بين الناس وهو ما اصطلح الفقهاء على تسميته »بالمرأة البرزة« جائز شرعاً قديماً وحديثاً ولا محظور فيه. تحديد ملامح الاختلاط وذهب المشاركون في المواجهة إلى أنه إذا تم ترك المصطلح على ما هو عليه حالياً فإن ذلك يسمح بالاستدلال بصور وحالات قديمة، ستكون نتيجته أحياناً مضطربة، وأن من المهم قراءة السياق فيما نُقل عن بعض الحالات التي تم الاستشهاد بها، وأن هناك حاجة للضبط، فليس كل ما كان سابقاً صحيح شرعاً ولا كله محرم. وبين المشاركون أنه يوجد في الوقت الحالي طرح متشدد وآخر منفلت، وهناك حاجة لتحديد ملامح الاختلاط الشرعي من قبل فقهاء يتسمون بالاعتدال ومراعاة التغيير الذي يعيشه المجتمع في الوقت الحالي، موضحين أن المجتمع السعودي يعيش مرحلة انفتاح ويجب مراعاة الوضع الحالي عند وضع أي تعريف أو ضوابط، لأن كثيراً من الأخلاقيات التي احتمى بها الأجداد غابت عن الأجيال الجديدة. وتحفظ المشاركون على فكرة تطبيق معايير مسألة مخالطة المرأة للرجال في الصلاة في المساجد وفقاً للقاعدة التي وضعها النبي »صلى الله عليه وسلم« بتقديم الرجال على النساء في الصفوف، على أماكن العمل والدارسة، مشيرين إلى أن مسألة القرب المكاني بين الرجل والمرأة في المسجد النبوي، كما وردت في السيرة، نسبية ويصعب تحديدُها بدقة، وإن اتفقوا على أن وضع الحواجز بين الرجال والنساء في المساجد بصورتها الحالية تدخل في جانب »الغلو«. وقال المشاركون إن مفهوم الاختلاط الحالي يغفل عن قضية الشروط والاحترازات. إفراط في سد الذرائع وقال الدكتور محمد العبد الكريم إنه لا يمكن إجازة الاختلاط إذا صعُب الفصل بين المفسدة والمصلحة فيه، مستنداً للقاعدة الشرعية في تحريم الخمر، وهذا يمثل القطاع الأكبر من صور الاختلاط. أما فيما يخص مسألة الاختلاط المترتبة على إرسال الطلاب أو الطالبات للخارج للدراسة فيحكمها الحاجة والضرورة، ولا يرسل الطالب للدارسة في بلد قد يكون وقوعه فيه بالمحظور حتمياً إلا للضرورة، وإن ما وصل لمرحلة الحاجيات فقد يجيز المحرَّم. بدوره، دعا الدكتور حاتم بن عارف الشريف لإيجاد »حلول إبداعية« تؤدِّي لحفظ الدين والقيم والآداب، وفي نفس الوقت تسمح للمرأة بممارسة حياتها بصورةٍ طبيعية، وأن يتولى وضع تلك الضوابط والإشراف عليها جهات معتدلة. ويرى الدكتور الفنيسان أن هناك إفراطاً ومبالغة في تطبيق قاعدة سد الذرائع، وغياب منهجية بلورة الأحكام تسبب في الاستناد كثيراً لقاعدة سد الذرائع. وقال إن أصحاب القرار لا يعرفون سد الذرائع لا من قريب ولا من بعيد، وإن أغلب أهل العلم غلّبوا في فتاويهم كثيراً مبدأ سد الذرائع.