بقلم: أمير المفرجي* مسرحية اعتذار رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير لغزو العراق في عام 2003 وطلبه العفو بعد اعترافه بأن غزو بلاد الرافدين الذي بني على أكذوبة وجود أسلحة الدمار الشامل على الأراضي العراقية (مهد إلى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية) هي كذبة جديدة تضاف إلى مسلسل الأكاذيب التي وظفتها إدارته مع إدارة جورج بوش لتنفيذ مخطط احتلال العراق وتفتيته. وما يعزز من تسميتها (مسرحية) هو تزامن اعتذار توني بلير وطلبه العفو مع حادثة تسريب مذكرة سرية من الولاياتالمتحدة تم نشرها من قبل صحيفة (ديلي ميل) البريطانية في عددها الذي صدر قبل أيام التي أثبتت من خلالها عن وجود اتفاق بين توني بلير وجورج بوش للقيام بعملية عسكرية لغزو العراق حيث كشفت مراسلات وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول المعنونة إلى جورج بوش عن قبول توني بلير المشاركة في غزو محتمل قبل عام من بدء العمليات العسكرية وما جاء لاحقا في (قمة كراوفورد) حيث أطلقت إدارتا بوش وبلير حملة دعائية ضخمة لحشد التأييد للحرب متهمتين العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل. وهنا لابد من التذكير بأن لجنة التحقيق البريطانية (تشيلكوت) التي شكلت في عام 2009 لم تنجح في الحصول على الوثائق الأمريكية الحكومية حيث يعود الفضل في كشف هذه المعطيات الجديدة إلى وجود رسائل بريد إلكتروني تثبت قيام اتصالات واجتماعات بين رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والرئيس الأمريكي لمناقشة غزو العراق قبل عام كامل من بدء الاحتلال. وقد وردت هذه المعلومات المفاجئة ضمن رسائل البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية بعد أن أمرت المحاكم الأمريكية بالسماح في نشر وثائق البريد الإلكتروني الخاص بها في قضية سياسية داخلية ما زالت تثير الجدل في الوسط السياسي في واشنطن. وبتأكيد رسائل بريد هيلاري كلينتون واثباتها بقبول رئيس الوزراء البريطاني السابق بلير المشاركة في عملية الغزو يأخذ محور تساؤلاتنا المشروعة طابع الشك والريبة نظرا لهذا التناقض ما بين الأهداف الحقيقية التي رسمتها إدارتا توني بلير وجورج بوش لاحتلال العراق وتوافق المعطيات الموجودة حالياً على الأرض التي يمكن قراءتها قانونيا من خلال مفهوم (فعل مع سبق الإصرار). وبين تصريحات الغرب المناقضة لهذا الطرح الواقعي الذي تنفيه حقيقة معطيات المشهد العراقي الملتهب والأوضاع الخطيرة التي تهدد وحدته والذي يحاول توني بلير إظهاره على أنه ليس سوى خطأ في الرؤى والحسابات على الرغم من ضخامة حجم التدمير البشري والاقتصادي ناهيك عما خلفته عملية احتلال العراق وتدمير الدولة ومن ثم تسليمه إلى إيران وظهور تنظيم (داعش) نتيجة لذلك. حقائق وأكاذيب وعلى الرغم من هذا الجدل والتناقض في ما يتعلق في أسباب عملية غزو العراق وما استند إليه من معلومات كاذبة ومزيفة وحقائق عارية عن الصحة تتوافق آراء وتصريحات العراقيين مع حقيقة الوضع الحالي في البلد حيث يرفض الكثيرون منهم هذه القراءة البسيطة التي تلقي اللوم على أخطاء التحاليل والاستراتيجيات للوضع العراقي في حسابات الدول العظمى إذ أخذنا بعين الاعتبار طبيعة الوضع المتخلف البدائي الحالي الذي يمر به العراق المسلوب أرضا ووطنا وهوية من قبل ميليشيات إيران وتنظيم (داعش) المتطرف الذي يعيدنا إلى الوراء ويذكرنا بما وعد فعله بالعراق وزير الخارجية السابق جيمس بيكر عشية انطلاق الصواريخ الأطلسية في السادس عشر من جانفي عام 1991. وهكذا على ما يبدو تلتقي نوايا إدارتي جورج بوش وتوني بلير في الفترة التي سبقت عملية الغزو مع ما حدث في بدء فترة بريمر الحاكم الأمريكي للعراق وبدء مخطط تقسيم العراق تحت غطاء الفيدرالية لثلاث دويلات طائفية وقومية والعمل على تفكيك الدولة العراقية ومؤسساتها وإبدالها بنظام طائفي تابع لإيران قسم العراقيين بين شيعة وسنة وساعد في ظهور تنظيم (داعش) وسهولة سيطرته على المدن العراقية. وهذا ما دفع الكثيرين للتفكير في أن احتلال الولاياتالمتحدةالأمريكية لبلدنا لم يكن خطأ عبثيا ولم يكن بمحض الصدفة. ومالنا إلا الرجوع إلى التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في كلمته أمام طلبة معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية حين قال (إن العملية العسكرية التي قامت بها الولاياتالمتحدةالأمريكية في العراق بداية عام 2003 كانت متعمدة ولم تكن خطأً). إن شعور توني بلير بالمسؤولية بعد اثني عشر عاما من بدء تدمير العراق جاء متأخرا كما أن اعترافه بالخطأ بعد كل ما حدث ويحدث للعراقيين لحد هذه الساعة لا يعفيه ولا يعفي الغرب من تساؤلاتنا المشروعة حول على من تقع المسؤولية في مجيء نوري المالكي ونظامه الطائفي وتسلمه للسلطة. ومن هو الذي بارك وساهم في وضع نظام المحاصصة الطائفي وسمح للأحزاب المذهبية في قيادة الدولة التي فرقت العراقيين. ولماذا هذا الاصرار على إبقاء الحالة الطائفية الشاذة والتعامل مع هذه الأحزاب المذهبية والاعتراف بها دوليا وإسنادها في حكم العراق إلى يومنا هذا على الرغم من قناعة توني بلير التامة واعترافه بأنها قسمت العراقيين وساهمت بظلمها وحقدها وتبعيتها لإيران في ولادة (داعش). فالخطأ كان من الممكن اكتشافه ومعالجته منذ البداية. إن اعتذار رئيس الوزراء البريطاني عن خطأ مشاركته مع الرئيس الأمريكي جورج بوش في غزو العراق عام 2003 واعترافه بأن الحرب الأمريكية البريطانية على العراق كانت السبب الرئيسي لظهور تنظيم (داعش) لا يكفي ولا يفيد في معالجة جرح العراق ونزيفه المتواصل. فوقت العفو لم يحن بعد والاستجابة له لا تمر إلا عن طريق إعادة سيادة العراق وإرجاع حقوق العراقيين.