أكد الدكتور راجي رموني أستاذ اللغة العربية بجامعة ميشيغان الأمريكية، على أهمية مشروع ترجمة أمهات الكتب في الحضارة العربية الإسلامية الذي يقوم به »مركز إسهامات المسلمين في الحضارة« بقطر، مشيرا إلى أن الكتب التي ستترجَم ستساهم في تصحيح الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين في الغرب، ولا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. تواصل حضاري وبيَّن الدكتور راجي رموني أستاذ اللغة العربية بجامعة ميشيغان الأمريكية، أن مشروعات الترجمة من أهم الأعمال الرائدة لتحقيق التواصل الثقافي والحضاري بين العرب والمسلمين من جهة، والغرب من جهة أخرى. وأشاد بمشروع ترجمة أمهات الكتب في الحضارة العربية الإسلامية، الذي يقوم به »مركز إسهامات المسلمين في الحضارة«، مشيرا إلى أن مثل هذه الأعمال ستقوم بتصحيح التشويه الذي يحيط بالحضارة الإسلامية بشكل عام في الغرب. وأوضح الدكتور رموني أهمية مشروع الترجمة في التواصل الحضاري، مشيرا إلى أنه يقوم بالتعريف بالمفهوم الشامل للحضارة الإسلامية، الذي يجمع بين الجانب الإنساني والجانب الخلقي، المادة والروح، الفرد والجماعة، مشيرا إلى أنه عندما نشرح الحضارة بهذا الشكل تتغير الصورة النمطية الموجودة عن العرب والمسلمين. وأكد أنه من خلال تجربته في التدريس بجامعة ميشيغان كان الطلاب يفدون من كل أنحاء الجامعة ليعرفوا حقيقة الحضارة الإسلامية؛ لأن لديهم تشويشاً وتشويهاً في هذا الشأن، كان الطلاب يقولون: »نريد أن نعرف لماذا لجأ البعض للرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، نريد أن نعرف أسباب العنف في المنطقة، نود معرفة موقع المرأة في الإسلام«. 11 سبتمبر وشدد على أهمية ترجمة أمهات الكتب بالتحديد بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث تزايد اهتمام كل من الأمريكيين وأبناء الجاليات العربية والإسلامية الموجودة في أمريكا بمعرفة المزيد عن الإسلام وحضارته. وقال: »أعتبر أن هناك صحوتين بأمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر، صحوة عند الأمريكيين، الذين أصبح لديهم رغبة في المعرفة عن الإسلام، وهذا بدأ منذ عام 2005، والصحوة الثانية عند أبناء الجاليات العربية والإسلامية الموجودين في أمريكا، والذين لم يكن لديهم اهتمام بتراثهم قبل أحداث سبتمبر، ولكن بعدها أصبح لديهم اهتمامٌ بتراثهم ولغتهم ودينهم. وأشار في هذا الصدد إلى أهمية مشروع ترجمة التراث باللغة الإنجليزية في تزويد أبناء المسلمين في المهجر بالثوابت الحضارية الإسلامية، التي تمكّنهم من المساهمة في ازدهار واستقرار مجتمعاتهم الجديدة؛ من خلال تعميق الفهم الصحيح للحضارة، والتأكيد على ربط الفهم بالممارسة. ودلل على هاتين الصحوتين بوجود مظاهر للاهتمام بالحضارة الإسلامية في أمريكا في السنوات الأخيرة، من بينها تزايد الاهتمام بالدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الغربية في مجالات القانون والشريعة الإسلامية وعلوم الحديث والتمويل والاقتصاد الإسلامي. »والآن لدينا أستاذٌ متخصص في جامعة ميتشيغان لتدريس الشريعة الإسلامية في كليتي الحقوق والآداب، وكذلك تزايد اهتمام الجاليات العربية والإسلامية لدراسة اللغة والقضايا الإسلامية«. وتابع: »من بين تلك المظاهر أيضا زيادة حجم التمويل الذي تقدمه الحكومة الأمريكية والقطاع الخاص لدعم الدراسات العربية والإسلامية، فالكونغرس أعطى 50 مليون دولار لدعم الجامعات التي توجد فيها دراسات عربية وإسلامية، وهذا لم يكن موجوداً في السابق«. وأشار إلى أنهم يهدفون من هذا الأمر إلى تخريج فوج جديد من الأمريكان يعرفون العالم الإسلامي على حقيقته، وليس كما يعتقد البعض؛ أن كل أمريكي يدرس اللغة العربية بهدف التجسس. كما أشار إلى أنه أصبح هناك اهتمام بالتراث الإسلامي، مشيرا في هذا الصدد إلى أن معرض ديترويت للفنون افتتح لأول مرة جناحا خاصا لعرض نماذج من الفنون الإسلامية، ويضم أيضا نسخا من القرآن والأحاديث. وبيّن د. راجي رموني مجددا أن أهداف مشروع ترجمة أمهات الكتب في الحضارة العربية الإسلامية هو تصحيح المفاهيم الخاطئة عن ثوابت الحضارة الإنسانية، والتمييز بينها وبين ما يُلصق بها من تهم التطرف والإرهاب، وتشجيع تدريس الحضارة الإسلامية في الجامعات الغربية. وتابع: »كذلك المشاركة في مسيرة الحضارة الإنسانية، وتشجيع البحث العلمي في مجالات الثقافة الإسلامية التالية: تاريخ العلوم والمعارف الإسلامية، دور الحضارة العربية الإسلامية في النهضة المعاصرة، تطور القانون والفكر الإسلامي عبر التاريخ، الاقتصاد والتمويل الإسلامي«. وشدد على أهمية أن يتولى المسلمون هم توفير المصادر المترجمة للغرب من جهات متخصصة ذات مصداقية، على غرار »مركز إسهامات المسلمين في الحضارة«، لأن من يبحث عن هذه المعلومات لو لم نوفرها له سيلجأ لكتب المستشرقين وما تحتويه من لبث وأخطاء وسوء فهم عن الإسلام والمسلمين«. 100 مؤلف من جهته، أوضح د. عثمان البيلي وزير التعليم السوداني الأسبق مدير المركز، أن المركز أخذ على عاتقه إحياء التراث الإسلامي بإصدار مجموعة من الكتب الممثلة لهذا الفكر والمنتقاة من قبل المتخصصين في كل فرع، وذلك لترجمتها للغة الإنجليزي مبدئيا وغيرها من اللغات، لكي تجد طريقها للمكتبات العلمية والمثقفين ورجال الفكر، معتبرا أن هذا العمل يقدم للتراث لإنساني وحضارته المعاصرة أعظم الخدمات. وأوضح أن الآباء المؤسسين الذين خططوا لعمل هذا المركز الذي بدأ عام 1983، لم ينسوا وحدة الزمان والمكان والعمل، فاختاروا القرون الثمانية الأولى للإسلام، التي تمثل العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، واختاروا 100 مؤلف من أمهات الكتاب خلال تلك الفترة. أما المكان فهو العالم الإسلامي على اتساعه الذي أحاط بالغرب من الغرب إلى الشرق، وأننا لو نظرنا إلى مراكز الحضارة في تلك الفترة لوجدناها كانت في العالم الإسلامي. وتابع: »لذلك يحق لنا أن نقول أن بداية النهضة في العالم كله كانت بالبحث المحمَّدي؛ بدأت بالقرآن والسنة، ولو نظرنا إلى كل علمائنا المسلمين سنجد المكون الأساس لتكوينهم هو القرآن والسنة«. وأشار د. البيلي إلى أن الكتب الذي تم اختيارها ليتم ترجمتها تغطي 18 قسماً؛ هي: علوم الدين والدنيا، القرآن وعلومه، الحديث الشريف وعلومه، الفقه وأصوله، السيرة النبوية، الدولة ونظم الحكم والإدارة، علوم الكلام والفرق الإسلامية، الفلسفة الإسلامية، التصوف، التربية وعلوم المجتمع، الاقتصاد، العلوم العسكرية، الاجتماع، التاريخ، والسِّير، الجغرافيا والرحلات، الأدب والفنون والعمارة، علوم اللغة، الموسوعات، العلوم الطبيعية. وأوضح أن قسم العلوم الطبيعية به أكبر عددٍ من الكتب المقترحة للترجمة؛ لأن إسهامات المسلمين في هذه العلوم معروفة ومشهودٌ لها فيها. وأشار إلى أنه إلى الآن تم إصدار 17 مجلداً يمثلون 12 عنواناً (لوجود كتب أكثر من جزء) تغطي 10 من الأقسام الثمانية عشر المختارة، كان آخرها كتاب »مفتاح الطب ومنهاج الطلاب« لابن هندو- (أبو الفرج علي بن الحسين بن هندو القمي، وهو من أعلام الطب عند المسلمين) الذي نحتفي به في هذا المؤتمر، معتبرا أن هذا العدد ليس بالهيّن في ظل الصعوبات التي يواجهونها في ترجمة أمهات الكتب. وكشف أن المركز بصدد الانتهاء من 3 كتب أخرى، هي »الإتقان في علوم القرآن« للسيوطي، وكتاب »الموافقات« للشاطبي، والجزء الثالث من »العقد الفريد« لابن عبد ربه. وأشار إلى أن المركز يرسل نسخة مجانية كهدية لكل الجامعات الكبرى في الوطن العربي، إضافة إلى كل جامعات قطر ومكتبة الأنصاري وكل السفارات في قطر. واختتم الدكتور أحمد فؤاد باشا أستاذ الفيزياء المتفرغ بكلية العلوم جامعة القاهرة عضو لجنة العلوم والحضارة بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والذي ترأّس الجلسة الختامية، بكلمة بمثابة رسالة يوجهها المؤتمر قائلا: »كم في تراثنا من علماء مغمورين وعلوم منسية تحتاج أن نتوقف عندها بالبحث الأكاديمي والتروّي في استنتاج الخلاصات منها!«.