قسول جلول يختلف الناس باختلاف ثقافاتهم وتربيتهم من منطقة لأخرى تبعا لذلك يتأثرون ويؤثرون في مسارالحياة اليومية للمجتمع فمنهم من يشبع رغباته من تألم الناس والتلذذ بآلامهم والمتاجرة بأحلامهم لا تفرحه أفراح الناس ولا تسعده سعادتهم. ومنهم من يعجبك قوله ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام... ومنهم من تراه متوشحا العلم الوطني ويبيع وطنه بعرض من الدنيا قليل. روى البخاري في صحيحه حديث الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: من أكرم الناس؟ قال: (أكرمهم: أتقاهم. قالوا: يا نبي الله ليس عن هذا نسألك. قال: فأكرم الناس يوسف نبيُّ الله ابن نبيَّ الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: أفعن معادن العرب تسألونني؟ قالوا: نعم قال: فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا). هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ولنا وقفة مع معادن الناس خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ما معنى المعدن: هو الشيء المستقر في الأرض وكلنا يعلم بأن المعادن منها النفيس ومنها غير ذلك كما * محمد بشر ليس كالأبشار... كالياقوت حجر وليس كالأحجار * لا علاقة لها بالنسب والحسب والقبيلة والدولة. وإنما نفاسة الناس وخستهم حسب ما معهم من التقوى وما اتصفوا به من محاسن الأخلاق وكرائم الفضائل من العفة والحلم (فمن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه). وقوله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم. فالقضية ما مدى قربك وبعدك عن أوامر الله التصنيف فإن كان على أساس البعد والقرب من أحكام الله ورسوله فنعم التصنيف حينئذ أما إن كان على اعتبار النعرات الجاهلية القبلية فبئس التصنيف عندئذ. إنك لتجد الآيات الكثيرة في كتاب الله صنف الناس وفرز معادنهم على الأساس الأول فسورة البقرة قسمت الناس إلى ثلاث فئات: فئة تؤمن بالله وأخرى كافرة وثالثة جائرة مترددة مخادعة عظيمة الخطر أطال الكلام عنها لخطورتها وهم المنافقون. وسمى الله تبارك وتعالى سور بصفاتهم 1 سورة المؤمنون 2 سورة المنافقون 3 سورة الكافرون فهذا تصنيف وتقسيم للناس وفرز لمعادنهم. بل وأنت تمضي في تلاوة آيات السورة نفسها تجد معادن الناس: ومن الناس من يتخذ من.. ومن الناس من يعجبك قوله وهكذا. بل لو تأملت في سورة براءة تجد أيضاً تقسيم الناس على هذا الأساس وتجد معادنهم فمنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ومنهم من يلمزك في الصدقات. القرآن يتحدث ومنهم من عاهد الله لئن أتانا ومن الأعراب منافقون .. ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ... وكل هذا ذكر لمعادن الناس بحسب قربهم وبعدهم عن دين الله جل وتعالى. بل إن الله سبحانه وتعالى زاد الأمر إيضاحاً في بعض النوعيات من المعادن. فذكر أن من الناس من معدنه معدن الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل ... ... ومن الناس من معدنه معدن الحمار: مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار .. أيها المسلمون: إن معرفة معادن الناس أمر مهم وليس هو من فضول المعرفة بل إنه يتعين على الدعاة خاصة والمصلحين والمربين معرفة هذه المعادن وإلا فكيف يريدون أن يتعاملوا مع أناس يجهلونهم وكيف تريد أن تربي وأن تصلح ... ومصنفات الجرح والتعديل إلا كلام في معادن الناس وقد اهتم السلف عباد الله: إن هناك آثاراً تظهر على الجوارح والأبدان يمكن من خلالها معرفة معادن الناس لكن النوايا... أما نحن فليس لنا إلا الظاهر. فنقول: بأن من غلب عليه آثار الخوف أن هذه العلامة أو هذا الأثر الظاهر على جوارحه وهو البكاء عند سماع الوعيد يدل في الغالب على أنه من الخائفين وإن كان تصنّع هذه الحالة يمكن أن يحسنها البعض في بعض المواقف. ومن غلب عليه السرور والاستشعار والفرح عند سماع الخير فهو من معدن أصيل ومن غلب عليه محبة العلم والعلماء وغلب عليه فاعلم أنه طالب علم. ومن غلب عليه انتقاص العلماء وعيب الدعاة والطعن في أعراض المؤمنين فاعلم أنه منافق ومن غلب عليه العمل الصالح والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتزام فاعلم أنه من الدعاة المخلصين العاملين الذين يهمهم قضايا المسلمين. يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم وهؤلاء بإذن الله تعالى هم الذين يحبون الله ويحبهم هم الذين سيعيدون بإذن الله مجدها فكانوا هؤلاء كما وصفهم الله تعالى بقوله: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان... رؤوف رحيم. إن أمثال هؤلاء ينبغي أن تمد لهم الأيدي لأنهم أمل الأمة بعد الله وهم نجدتها وإن كانوا في هذه الفترة أعز من الياقوت الأحمر. لا تكن من هؤلاء نخلص من هذا أيها القارئ الكريم بأن هناك بعض الآثار وهناك بعض المظاهر إذا ظهرت على الشخص فإنه في الغالب يدل على معدنه. ثم إن معرفة هذه الآثار مهمة والتنبيه عليها وإعطاء بعض الأمثلة مهم من جهة الأفراد أنفسهم لأن الشخص قد يظن أنه على الجادة وهو في الحقيقة منحرف عنها. فكم من عاصي يظن أنه مطيع وكم من مفسد يظن أنه مصلح قوله تعالى (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) ...وقوله تعالى (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) وكم من بعيد يظن أنه قريب. ومن مخالف يعتقد أنه موافق ومن منتهك يعتقد أنه متمسك ومن مدبر يعتقد أنه مقبل ومن هارب يعتقد أنه طالب ومن جاهل يعتقد أنه عارف ومن آمن يعتقد أنه خائف بل كم من مراء يعتقد أنه مخلص ومن ضال يعتقد أنه مهتد ومن أعمى يعتقد أنه مبصر. والشرع أيها الأحبة هو الميزان يوزن به معادن الرجال. وبه يتبين النفيس من الخسيس فمن رجح في ميزان الشرع كان من أولياء الله وتتفاوت مراتب الرجحان. ومن نقص في ميزان الشرع فأولئك هم أهل الخسران وتتفاوت أيضاً دركات خفتهم في الميزان. فإن معادن الناس التي تتألف منها المجتمعات اليوم تتكون من ثلاث فئات من الناس ولا يمكن أن يخرج فرد من الأفراد عنها بحال وهذه الفئات هي: 1 - الفئة المصلحة الداعية إلى الخير. 2 - الفئة المفسدة الداعية إلى الشر. 3 - فئة الأتباع والمقلدة. ولا يمكن لأي فرد منا إلا وهو واقف تحت مظلة من هذه المظلات الثلاث. أما المعدن الأول: وهم الفئة المصلحة الداعية للخير فهؤلاء هم أشراف المجتمع وأحسنهم قولاً وأثراً على الناس وأنبلهم غاية وأسماهم هدفاً وهؤلاء هم الذين عناهم الله عز وجل بقوله: ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين. وهم الذين عناهم الله في قوله: التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر .... هذا المعدن هو أشرف المعادن بحق كيف لا وهم يحملون أعظم رسالة وأنبل غاية ألا وهي تعبيد الناس لرب العالمين. وإخراجهم بإذن الله من ظلمات إلى النور كيف لا يكون معدن ؟ هؤلاء أنفس معدن وهم الذين يضحون بأوقاتهم وأموالهم وراحاتهم في سبيل نشر المودة والمحبة والتعاون. لاشك أن هذا الصنف من أنفس المعادن. المعدن الثاني: الفئة المفسدة الداعية إلى الشر والصادة عن الخير وهؤلاء هم سفلة المجتمع وهم أراذل الناس وهم أخس المعادن لأنهم خانوا ربهم وخانوا أمتهم وظلموها بنشر الأمراض والآفات الاجتماعية ويسعون في الأرض فسادا... بنشر المخدرات والتهريب والإجرام بمختلف أنواعه وهؤلاء هم الذين عناهم الله عز وجل بقوله: وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها..... وقوله (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم ....) إن هذه الفئة هي التي تحارب الحق وتدعوا إلى التفرقة والشقاق والفتنة وهي صاحبة المكر والكيد لكنهم مساكين لأن الله تعالى يقول في نهاية الآية: وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون إن الذي يكره انتشار الخير - ويبغض أهله وينشر الفساد ويصد عن سبيل الله إنما هو بين أمرين لا ثالث لهما: إما أنه لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر. وما الحياة عنده إلا هذه الدنيا فهو يسعى ليجمع ويظلم ويبطش. فهذا كافر مرتد قولاً واحداً. وإما أن يكون ممن يؤمن بالله واليوم الآخر لكن الدنيا بزخارفها ومناصبها هي حادته عن الطريق. وما علم هؤلاء بأن العاقبة للمتقين. المعدن الثالث: فئة الأتباع وعامة الناس وهم الذين لم يصلوا في أخلاقهم وأهدافهم إلى مستوى الفئة الشريفة المصلحة ولم يهبطوا إلى مستوى الفئة المفسدة الوضيعة إنما هي بين الفئتين ولديها الاستعداد للخير الذي تدعو إليه الأولى كما أن لديها الاستعداد لتلقي الشر والفساد الذي تسعى لنشره الفئة الثانية. الصراع بين الحق والباطل قال الله تعالى: ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض... العالمين. أيها القارئ الكريم فكن من أهل الخير وادعو إليه ولا تكن من الذين ينشرون الفساد ويدعون إليه.