الجزائريون متخوّفون من سنة عصيبة *** يتخوّف ملايين الجزائريين من قضاء سنة عصيبة تبعا لاستمرار انهيار أسعار النفط وتراجع مداخيل البلاد من العملة الصعبة وكذا دخول إجراءات قانون المالية 2016 حيز التنفيذ وهي إجراءات تبدو (قاسية) ويُرتقب أن تؤدّي إلى ارتفاع أسعار العديد من المنتجات وهو ما يجعل استقرار الجبهة الاجتماعية والحدّ من الأثار الوخيمة لأزمة النفط التحدّي الأخطر للجزائر في العام الجديد. لن تقتصر التحدّيات على هذا المستوى فإذا تأملنا الظروف والرهانات الداخلية والخارجية نجد أن بلادنا تبدو مقبلة على ظرف أكثر صعوبة من ذلك الذي شهدته في الشهور الأخيرة. آمال معلّقة وتوجّس مشروع يضع كثير من الجزائريين أيديهم على قلوبهم (وجلا) وهم يستقبلون سنة ميلادية جديدة اسمها 2016 وسبب هذا التوجّس الوضع المالي العصيب الذي تمرّ به البلاد نتيجة تداعي احتياطات الصرف بالتوازي مع استمرار انهيار أسعار البترول. ويُنتظر أن يلمس الجزائريون منذ الأيّام الأولى للعام الجديد إجراءات التقشّف الهادفة إلى تقليص حجم الإنفاق الحكومي وحماية ما تبقّى من موارد مالية في المقابل سيحمل العام الجديد أخبارا سارّة للطبقة السياسية التي تنتظر بشغف كبير إصلاحات دستورية جوهرية وعد بها الرئيس بوتفليقة. أمّا القطاع الذي ستسلّط عليه كلّ الأضواء في 2016 فسيكون دون شكّ قطاع السكن أين وعد الوزير بالقضاء نهائيا على البيوت الهشّة والأحياء القصديرية وتوزيع آلاف السكنات في مختلف الصيغ في حين يقول لسان حال الجزائريين لمسؤولي الأمن والدبلوماسية (جيّد واصلوا..). ويتوقّع الجزائريون أن تكون 2016 سنة التقشّف المالي وتعديل الدستور ومواصلة حالة التأهّب الأمني مع تنامي خطر الدواعش في الجوار الليبي وأن تكون سنة ساخنة اجتماعيا بسبب الزيادات المرتقبة في الأسعار وهذا وفق مؤشّرات مختلفة واستطلاعات للرأي أجريت مؤخّرا مع خبراء محللّين مسؤولين وجموع المواطنين. عام التقشّف ودّع الجزائريون سنة 2015 بما حملته من مفاجآت سياسية واقتصادية مدوّية ليستقبلوا السنة الجديدة على وقع تصحّر مالي وحالة من شحّ التساقطات المطرية بشكل ينذر بسنوات عِجاف حقيقية تبدو الجزائر مُقبلة عليها بداية من 2016 التي ينتظر أن تكون سنة للتقشّف والتهاب الأسعار. فبعد مصادقة الرئيس بوتفليقة نهاية السنة على قانون المالية 2016 المثير للجدل يتوقّع عديد خبراء الاقتصاد والسياسيين أن يلمس الجزائريون منذ الأيّام الأولى للعام الجديد إجراءات التقشّف الهادفة إلى تقليص حجم الإنفاق الحكومي وحماية ما تبقّى من موارد مالية خصوصا في ظلّ توقّعات خبراء الطاقة باستمرار المنحى التنازلي لأسعار النفط في الأسواق العالمية لسنوات قادمة نتيجة عدم إذعان منظّمة (أوبك) لضغوطات الجزائر وحلفائها داخل المنظّمة من أجل تبنّي قرار بخفض الإنتاج لرفع أسعار الذهب الأسود علاوة على معطيات سوقية أخرى كرفع العقوبات على إيران وإمكانية تصدير النفط الأمريكي لأول مرّة منذ 40 عاما وزيادة الإنتاج العراقي وأمكانية عودة البترول الليبي. ومن غير المستبعد أيضا أن تتّجه الأسعار نحو 30 دولارا في الشهور الأولى من العام حيث باعت عدد من الدول من بينها العراق عقودا بهذا السعر. ولا توجد مؤشّرات حتى الآن على أن منظمة البلدان المصدّرة للنفط (أوبك) ستتّخذ أيّ قرار خلال العام الجديد لخفض الإنتاج. وفي مقابل هذا المعروض المتزايد في أسواق الطاقة العالمية هناك احتمالات أن يتعرّض الطلب العالمي على النفط لمزيد من الانتكاسة خلال العام المقبل حيث لا توجد مؤشّرات على أن النمو العالمي سيتحسّن خلال العام الجديد. وفي هذا الصدد قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد في تصريحات لصحيفة (هاندلسبلات) الألمانية نشرتها (رويترز) أمس الأربعاء إن نمو الاقتصاد العالمي سيكون (مخيّبا للآمال) العام المقبل. هذه المعطيات السلبية قد تحمل مزيدا الأخبار الاقتصادية الصادمة للجزائر خلال 2016 من قبيل زيادة تآكل احتياطي الصرف وتنامي العجز في الميزان التجاري فضلا عن تواصل سقطات العملة الوطنية في ظلّ حديث خبراء جزائريين عن عجز حكومي فادح في تنويع مصادر تمويل الاقتصاد الوطني وجلب رؤوس الأموال الخارجية الأمر الذي جعل مراقبين يدقّون ناقوس الخطر خشية انتفاضة شعبية تتزامن مع دخول مواد في قانون المالية 2016 حيّز التطبيق تفرض زيادات في الأسعار وضرائب سيتحمّلها الجزائريون وأخرى وصفت بأنها ذات خطورة على السيادة الوطنية كالمادة 66. وفيما تنبئ حالة الجفاف على مستوى الموارد المائية بفعل شحّ المطر بفشل الموسم الفلاحي خصوصا ما تعلّق بالمحاصيل الشتوية كالزيتون والحمضيات ستشهد سنة 2016 إعادة بعث القروض الاستهلاكية بصفة رسمية بعد مدّ وجذب وبروز حملات تحذيرية وتنبّؤات بعزوف الجزائريين عن هذه القروض لاحتوائها فوائد ربوية محرّمة. بالمقابل تواصل الحكومة طمأنة الجزائريين رافضة الحديث عن إجراءات تقشّفية تمسّ جيب الطبقات الهشّة حيث ما تزال تسمّيها (ترشيدا للنفقات) و(مراقبة لحركة رؤوس الأموال). وفي آخر تصريح رسمي خلال السنة الماضية قال وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب إن قانون المالية 2016 الذي أثار جدلا كبيرا تضمّن تدابير لتقوية الاقتصاد الوطني وتحسين مناخ الاستثمار كما أعطى تحفيزات لمؤسّسات الصناعة الناشئة على غرار مؤسّسات تركيب السيّارات في الجزائر متسائلا عمّا إذا تضمّن قانون المالية 2016 تخفيضات في الدعم الذي توفّره الدولة في مجال الصحّة والتعليم أو الدعم المباشر الذي ناهز ال 184 ألف مليار سنتيم بزيادة بنسبة 7.5 بالمائة وهو ما يمثّل 10 بالمائة من الناتج الداخلي الخام بينما بلغ حجم الدعم في أسعار المواد الطاقوية ال 150 ألف مليار سنتيم مؤكّدا أن الرئيس بوتفليقة منذ توليه سدّة الحكم أكّد ارتباطه بالنمط الاجتماعي للدولة الجزائرية مشيرا إلى أن 40 بالمائة من ميزانية الدولة موجّهة للاستثمار العمومي و20 بالمائة من الميزانية ذاتها مخصّصة لدعم المواطنين فأين هو انعكاس الأزمة النفطية على الجزائريين رغم تقلّص مداخيل النفط ب 60 بالمائة ؟ يتساءل الوزير بوشوارب. الدستور الجديد وافق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على مشروع تعديل دستوري سيسلّم للطبقة السياسية خلال أيّام قبل إحالته على البرلمان للمصادقة عليه وجاء ذلك بعد اجتماع مجلس مصغّر ترأسه بوتفليقة قبل أيّام خصّص لدراسة المشروع التمهيدي لتعديل الدستور وضمّ كبار المسؤولين في الدولة. عن الخطوط العريضة للتعديل للدستور الجديد قال بيان لرئاسة الجمهورية إنه (جوهري) و(سيسمح بتسجيل تقدّم ملحوظ في عديد المجالات منها المجال السياسي والحوكمة). وسيعكف مجلس الوزارء في شهر جانفي 2016 على دراسة مشروع القانون التمهيدي المتضمّن تعديل الدستور قبل عرضه على المجلس الدستوري الذي سيقوم بدوره بموجب المادتين 174 و176 من الدستور بإبداء رأيه حول الطريقة التي ستتمّ بها دراسة هذا النص والمصادقة عليه من قِبل البرلمان) في وقت لم يتم تحديده. وتنصّ المادة 176 من الدستور الحالي على أنه (إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أيّ تعديل دستوري لا يمسّ البتّة بالمبادئ العامّة التي تحكم المجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والمواطن وحرّياتهما ولا يمسّ بأيّ كيفية بالتوازنات الأساسية للسلطات والمؤسّسات الدستورية وعلّل رأيه أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمّن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي متى أحرز ثلاثة أرباع (3/4) أصوات أعضاء غرفتي البرلمان). ويُنتظر أن يسمح المشروع التمهيدي بتحقيق تقدّم خاصّة في مجال (تعزيز الوحدة الوطنية حول تاريخنا وحول هويتنا وحول قيمنا الروحية والحضارية) وكذا في (تعزيز احترام حقوق المواطنين وحرياتهم واستقلالية العدالة) كما سيمكّن من تحقيق تقدم فيما يخصّ (تعميق الفصل بين السلطات وتكاملها) و(إمداد المعارضة البرلمانية بالوسائل التي تمكّنها من آداء دور أكثر فاعلية بما في ذلك إخطار المجلس الدستوري). وسيسمح المشروع التمهيدي لتعديل الدستور -استنادا إلى البيان- (بتنشيط المؤسّسات الدستورية المنوطة بالمراقبة من بين ما يجسّد الرغبة في تأكيد الشفافية وضمانها في كل ما يتعلّق بكبريات الرهانات الاقتصادية والقانونية والسياسية في الحياة الوطنية) إضافة إلى إقامة (آلية مستقلة لمراقبة الانتخابات خدمة للديمقراطية التعددية). وفي سياق ردود فعل الطبقة السياسية قال الأمين العام للأفلان عمار سعداني إن الدستور الجديد الذي وافق عليه رئيس الجمهورية سيؤسّس لنظام شبه رئاسي وسيحمل مفاجآت كبيرة للمعارضة. وصرّح سعداني الذي نادرا ما تخطئ تأويلاته وقراءاته السياسية في حوار له مع موقع (كلّ شيء عن الجزائر) بأن المعارضة ستحصل على أكثر ممّا طلبت في نصّ الدستور الجديد وستجد فيه تدابير لصالحها وسيتمّ توسيع نطاق صلاحياتها وأضاف أن هذا النصّ لن يمسّ بمبدأ التوازن بين السلطات بل بالعكس سيتمّ تعزيز هذا المبدأ بتقوية كل من السلطة القضائية والتشريعية وسيضمّن نقل بعض صلاحيات الرئيس إلى الحكومة والبرلمان. من جانب آخر أعرب القانونيان الأستاذان فاروق قسنطيني وميلود براهيمي عن ارتياحهما للتدابير التي تضمّنها المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور المتعلّقة خاصّة بحماية حقوق وحرّيات المواطنين وتعزيز استقلالية العدالة. وأعرب رئيس اللّجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها فاروق قسنطيني عن (ارتياحه) لهذه التدابير التي من شأنها (تعزيز الحرية والديمقراطية في الجزائر) وأوضح في تصريح حديث أن (الأمر يتعلّق بمكسب هامّ وخطوة كبيرة للديمقراطية في الجزائر) مشيرا إلى أن (ذلك يندرج في إطار تعزيز دولة القانون) كما أكّد أن الدستور يعدّ (المحرّك الذي يتطوّر من خلاله كل شيء ممّا سيسمح للجزائر بالتمتّع بديمقراطية حقيقية). نفس الموقف يشاطره الأستاذ ميلود براهيمي الذي تلقّى ب (ارتياح) التدابير المتعلّقة بحماية حقوق وحرّيات المواطنين وتعزيز استقلالية العدالة. وصرّح براهيمي: (إنني أسجّل الإرادة المعلنة بخصوص حماية حقوق وحريات المواطنين ممّا يعدّ تقدّما هامّا) مضيفا أن (استقلالية العدالة تعني حماية القاضي فيما يتعلّق بتطبيق القانون). رهان السكن انطلاقا من تطمينات حكومية بأن قطاع السكن غير معني بتدابير التقشّف وتعهّدات وزارية بالقضاء على السكنات الهشّة والمُضي في توزيع آلاف السكنات بمختلف الصيغ في 2016 يبدو قطاع تبّون مقبلا على عام التحدّيات خصوصا وأن آمال ملايين الجزائريين بالظفر بسكن الأحلام على المحك. وتحدث الوزير تبّون في مناسبات عديدة عن توزيع ما لا يقلّ عن 300 ألف سكن خلال سنة 2016 فيما اعتبر خلال لقاء تقييمي لحصيلة القطاع في 2015 أن الجزائر على وشك القضاء نهائيا على أزمة السكن بعد أن تقلّص العجز في هذا المجال إلى 450 ألف وحدة مقابل 3 ملايين وحدة في بداية الألفية مضيفا أنه بعد حلّ الأزمة فإنه لن يتبقّ أمام القطاع سوى تسيير الطلبات المستجدّة سنويا في سوق العقار. بينما تعتزم المؤسّسة الوطنية للترقية العقارية توزيع أكثر من 23 ألف سكن في إطار البرنامج الترقوي العمومي خلال 2016 حسب ما أعلنه المدير العام للمؤسّسة محمد بلهادي. وممّا زاد من حجم التحدّي تعهّدات أطلقها وُلاّة كل من الجزائر العاصمة قسنطينة ووهران بالتخلّص من أزمة السكن وإعلان ولاياتهم خالية من السكن الهشّ والقصدير خلال السداسي الثاني من السنة الجارية. وتصطدم التصريحات الوردية التي يطلقها وزير السكن عبد المجيد تبّون والمسؤولون المحلّيون في كل مرّة بالكثير من انتقادات الخبراء والطبقة السياسية باعتبار أن هذه التصريحات لا تتماشى مع ما هو موجود على أرض الواقع ولا تعدو أن تكون -حسبهم- سياسة لشراء السلم الاجتماعي خاصّة وأن السكن يعدّ من الأوراق الرابحة لدى الحكومة في الفترة المقبلة بعد توجهها نحو تعديل استراتيجيتها الاجتماعية وما حمله قانون المالية من إجراءات صادمة للجزائريين. الأمن والدبلوماسية... وتحدّي مواصلة النجاح توالي انتصارات قوّات الجيش الوطني الشعبي على التنظيمات الإرهابية خاصّة ما يسمّى بجند الخلافة الذي أعلن عن نفسه كنواة تابعة ل (داعش) في الجزائر وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب جعله يلقى الثناء داخليا والإعجاب خارجيا حيث مكّنت يقظته وتمرّسه من حصر خطر فلول الإرهاب في بلادنا المحيطة بجبهة من نار. ورغم تنامي خطر الدواعش في الجوار الليبي وجماعة بلمختار على الحدود مع مالي يستبعد خبراء أمنيون تمكّنهم من اختراق جدار الجزائر المنيع بفضل يقظة وتمرّس الجيش الجزائري في مكافحة الإرهاب من جهة وفشل محاولات تجنيد جزائريين جدد في صفوف تنظيمات الدم. ويأمل الجزائريون وكلهم ثقة في أسلاك الأمن أن تكلّل سنة 2016 على غرار سابقاتها بمواصلة الإيقاع بشبكات التجنيد وخلايا الدعم والمهرّبين وتدمير المخابئ والمتفجّرات في أوكار الدمويين في المناطق الجبلية والصحراوية. نفس الثقة والثناء تحظى بهما الدبلوماسية الجزائرية التي سطعت في سماء 2015 وحقّقت عديد المكاسب في طريق تكريس مبدأ الحوار لحل الأزمات الأمنية في العالم ودعم القضايا العادلة وتصفية الاستعمار في كل من فلسطين والصحراء الغربية. ويتوقّع متابعون للشأن السياسي أن تستمرّ بلادنا على موقفها الثابت القاضي بعدم التدخّل في شؤون الغير وتفضيل الحوار والدبلوماسية في حلّ النّزاعات الداخلية والدولية هذا الموقف تكرّس من خلال رفضها المشاركة في كل التحالفات العسكرية التي أنشئت سنة 2015 لمحاربة الإرهاب أو بالأحرى جرّ الجزائر إلى مستنقع (داعش).