الإجابة الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أقرب القربات وأعظم الطاعات وهو أمر مشروع بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة. فأما الكتاب: فقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .. [الأحزاب: 56]. وأما السنة: فالأحاديث في ذلك كثيرة منها: حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْب : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) رواه الترمذي والحاكم وصححاه. وعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فيه فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟ -يَعْنِي: بَلِيتَ- قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة في ذلك. قال العلماء: أقل الإكثار ألف مرة وقيل أقله ثلاثمائة وألَّف في ذلك العلامة المتَّقي الهندي كتابه الماتع (هداية ربي عند فقد المربي) تعرض فيه للأوقات التي يُفْتَقَدُ فيها الشيخ المربي والمرشد إلى الله تعالى وأن (واجب الوقت) حينئذ يكون هو الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحيث يصلي المسلم عليه ألف مرة كل يوم على الأقل. وقد ورد في ذلك حديث مرفوع عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي يَوْم أَلْفَ مَرَّة لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ) أخرجه ابن شاهين في الترغيب والضياء في الأحاديث المختارة وهو وإن كان ضعيف الإسناد إلا أنه يؤخذ بمثله في فضائل الأعمال. وبالجملة فكل إكثار في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو قليل بالنسبة إلى عظيم حقه ورفيع مقامه عند ربه وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً لَمْ تَزَلِ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا صَلَّى عَلَيَّ فَلْيُقِلَّ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ) رواه ابن ماجه وأحمد وحسنه المنذري وابن حجر. ولم يزل الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم علامةً مميزة لأهل السنة والجماعة على مر القرون كما يقول الإمام علي زين العابدين ابن الإمام الحسين عليهما السلام: (عَلاَمَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ: كَثْرَةُ الصَّلاَةِ عَلَى رسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) رواه أبو القاسم التيمي في ((الترغيب والترهيب)).