من أبطال التاريخ الإسلامي السلطان سنجر .. آخر السلاجقة العظام السلطان سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان هو السلطان السادس لدولة السلاجقة وآخر السلاجقة العظام إذ يعد سنجر من أعظم الشخصيات السلجوقية التي ظهرت على مسرح الأحداث بالدولة السلجوقية فمن هو سنجر وشخصيته وأحوال السلطنة في عهده؟ هو السلطان السادس في السلالة السلجوقية أبو الحارث سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق []. وأمه أم ولد هي السيدة تاج الدين خاتون السفرية جارية السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان وكانت سيدة فاضلة صالحة متدينة متصدقة وكثيرًا ما كانت ترسل الجمال إلى طريق مكة وهي محملة بالصدقات لغرض توزيعها على الحجاج في موسم الحج [وقد عُرّضت للأسر أثناء الحرب التي جرت بين أبناء ملكشاه حول العرش إذ أسرها بركياروق وافتداها سنجر بما لديه من أسرى وفك أسرها]. صفاته وصف الحسيني السلطان سنجر بأنه: (رجل أسمر عظيم البطن والهامة جهير الصوت به أثر للجدري على يده اليمنى خال أو خالان). وقد أورد ابن فندق ذكرا لإصابة السلطان سنجر بالجدري في صباه إذ ذكر أن الشاعر والحكيم عمر الخيام كان قد أشرف على علاجه أثناء إصابته بالجدري عند ما كان سنجر صبيًا وسمعه -أي سنجر- يومًا يقول لوزير والده عندما سأل عمر الخيام عن حالته رد قائلا: (الصبي مخوف) فاغتم سنجر للأمر وحزن حزنًا شديدًا وظل يضمر الكراهية للشاعر عمر الخيام طوال حياته. شخصية السلطان سنجر اتسمت سيرة السلطان سنجر بخصائص أخلاقية عالية تركت أثرا واضحا على مسيرته في قيادة الدولة السلجوقية بشكل عام ويمكننا أن نوجزها بالشكل الأتي: أولًا: ثقافته على الرغم من غلبة الطابع العسكري على عصر السلطان سنجر إلا أنه كانت لديه اهتمامات متعددة أضفت على شخصيته المزيد من التألق وخاصة في مجال الثقافة والأدب رغم ما أشيع عنه بأنه كان أميًّا لا يجيد القراءة والكتابة [فقد شجع سنجر الشعراء والكتاب حتى عد عصره من العصور المهمة في تاريخ الأدب الفارسي [] لما كان يوليه من رعاية للشعراء والكتاب وإثابته لهم حتى استخدم بعضهم في معاركه ضد خصومه. ثانيًا: شجاعته دللت الوقائع التاريخية والمعارك التي خاضها السلطان سنجر منذ بدء تسلمه إمارة خراسان سنة 490ه / 1097م على أنه كان يمتاز بشجاعة وهمة عالية مَكَّنَتاهُ من قيادة دولته مترامية الأطراف فقد أدار دفة الحكم فيها لأكثر من ستين سنة على الرغم من صغر سنه حين توليه إمارة خراسان إذ لم يكن يتجاوز عمره أحد عشر سنة وهي حقبة طويلة لم يتسن لغيره من السلاطين والملوك أن يستمروا في عرش السلطنة مثلما سنحت له الظروف وقد وصفه اليزدي قائلًا: (جلس على مسند العز والرفعة والقدرة منذ سن النشوء والنمو إلى عنوان عهد الصبا .. وقد أطاعه جبابرة العجم وأكاسرة العالم ودانوا بالطاعة والولاء). وله مواقف في الشجاعة والثبات كثيرة وقد عُبِّر عنها في معركة قطوان قرب سمرقند التي خاضها مع القرة خطائين سنة 536ه /1142م: (وانهزم عسكر السلطان سنجر وبقي هو واقفا في عدد قليل تحت الجتر -أي الراية) [كما وصفه ابن خلكان قائلًا: (كان من أعظم الملوك همة)[ ومن مواقفه الشجاعة أنه كان يتحدى الموت عند خوضه المعارك الضارية وعد الموت حقيقة واقعة لا مفر منها إذ كان يقول: (ومن يئس من حياته لا يفكر في العواقب ربما ينال الظفر بما يدفع عن نفسه). ثالثًا: كرمه فضلا عن الشجاعة التي تميزت بها شخصية سنجر فقد اتصف بالعطاء والجود والكرم إذ أورد الحسيني يقول: (ذكر عنه ظهير الدين الخازن أن السلطان سنجر بلغ ما أطلقه في خمسة أيام من العين سبعمائة ألف دينار ومن الثوب الأطلس الأحمر ألف ثوب غير الخيل والخلع)[46]. واجتمعت في خزائنه ألف وثلاثون رطلًا من الجواهر وفرق يومًا ألف ثوب من الديباج الأطلس على أمرائه حتى لا يقال إنه مال إلى المال [واجتمعت الأموال في خزائن سلطنته ولم يكن يبالي بما اجتمع لديه من مال وذكر صاحب خزانته أنه كان يقول لسنجر: (أما تنظر إلى مالك؟ أما تحمد الله تعالى على ما أعطاك وأنعم عليك؟ فحمد الله تعالى ثم قال يقبح بمثلي أن يقال مال إلى المال) [48]. وقد لامه الكثير من خواصه وعاتبوه على الإسراف بالأموال فقال: (أما رأيتموني أفتح إقليمًا يشتمل على أضعاف ما وهبته من المال وأهبه بكلمة واحدة لمن أراه قبل السؤال). رابعًا: عفوه عن خصومه على الرغم من الحزم والشدة التي اتسمت بهما شخصية السلطان سنجر إلا أنه حمل صفة لم يكن غيره من السلاطين يتصف بها لأنها قد تعد مأخذا عليه وتشكل ثغرة في شخصيته العسكرية والسياسية فقد كان كثير الصفح عن خصومه إذ أن الحلم والعفو من الصفات التي لازمت السلطان طول حياته. فكان كلما ظفر بمعركة عفا وصفح عن خصمه وربما يتكرر هذا الصفح لأكثر من مرة. ومثال ذلك العفو الذي أصدره بحق سلطان غزنة بهرام شاه سنة 530ه / 1136م وذلك بعد حملة على غزنة واجهت السلطان وجيشه العديد من الصعوبات لكن السلطان عفا عنه ورده إلى كرسي الحكم. أما العفو الذي كان يحصل عليه خوارزمشاه اتسز صاحب إقليم خوارزم بعد كل تمرد يقوم به ضد سنجر فهو أمر جدير بالإشارة لتكراره فالأول كان بعد هجومه على بخارى سنة 534ه /1140م وأسر حاكمها وهدم قلعتها وعلى الرغم من ذلك نجد خوارزمشاه اتسز يعلن خضوعه للسلطان سنة 535ه / 1141م ويطلب استعطافه وعفوه في رسالة بعث بها للسلطان سنجر فأشفق عليه وعفا عنه. واستغل خوارزمشاه هذه الصفة في شخصية سنجر فأخذ يتمرد كل مرة ويطمح في الصفح والعفو حتى جار الزمان على سنجر وانكسر أمام قبائل الخطا التركية وانتهز الفرصة وهاجم خراسان ونهب مرو وخزائنها ولما حاصر السلطان سنجر خوارزم أدرك خوارزمشاه اتسز عدم قدرته على مواجهته فأرسل للسلطان يطلب العفو عما بدر منه ويعيد ما نهبه من خزائن السلطان وأجابه السلطان على مطلبه وانعقد بينهما الصلح. والصفح الآخر الذي أصدره السلطان سنجر لخوارزمشاه كان سنة 542ه / 1147م بعد محاولة خوارزمشاه اغتيال السلطان سنجر ولما جرد السلطان حملة عسكرية إلى إقليم خوارزم وحاصر قلعتها اضطر خوارزمشاه اتسز على طلب العفو من سنجر بعد أن أرسل أحد الزهاد يستعطفه ويطمع في عفوه فأشفق عليه وسبق عفو السلطان سيفه.
وفاة السلطان سنجر في الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 552ه / 1157م توفي السلطان سنجر بن ملكشاه عن عمر دام اثنتين وسبعين سنة وثمانية أشهر وعشرة أيام بعد أن أصابه القولنج والإسهال ودفن السلطان سنجر في مرو عاصمة ملكه في قبة بناها لنفسه أثناء حياته سماها دار الآخرة [61] وكانت المقبرة متصلة بمسجد تآكل بفعل الزمن وهي عبارة عن مربع كبير توجت حيطانه الأربعة بأروقة تقوم عليها جوانب القبة الكبيرة وزينت الحيطان الداخلية بكتابات وزخرفة بارزة بنماذج من الزهور دامت حقبة حكم السلطان سنجر اثنتين وستين سنة قضى اثنتين وعشرين منها ملكًا على خراسان وأربعين منها سلطانا على السلاجقة. وخطب له على أكثر منابر الإسلام بالسلطنة ما يقارب من أربعين سنة []. وانقطع بموته استبداد الملوك السلجوقية بخراسان. ولما وصل خبر وفاته إلى بغداد قطعت عنه الخطبة ولم يجلس له أحدٌ في العزاء [مما يدل على أفول نجم السلاجقة وذهاب هيبتهم وانهيار قوتهم وعودة الهيبة والقوة للخلافة العباسية في زمن الخليفة المقتفي بأمر الله وأن محاولات الخلفاء المسترشد والراشد في مناهضة السلاطين السلاجقة لم تذهب سدى بل أتت ثمارها].