عبد العزيز كحيل إثر نشر مقالي (أهل السنة يخالفون السنة) راسلني داعية قدير من الحجاز _ يقيم بالخارج _ لي معه صله أخوّة لوجه الله تعالى وكان خطابه كريما مثلَه وعقّب على كلامي تعقيبا أخويا علميا مهذّبا يليق بمثله والشيء من معدنه لا يُستغرب فهو أستاذ دكتور يحمل همّ الدعوة والأمة حملا قويّا جزاه الله خيرا ووفّقه لمزيد من العطاء. كان كلامي منصبّا على بيان مخالفة أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب _ في زماننا هذا _ للسنة النبوية بخروجهم عن أخلاقة صلى الله عليه وسلم الذي يمكن تلخيصه في قسوة القلب والإساءة البالغة لكلّ مخالف والغرق في آفات اللسان والعبودية للحكام. ونبّهني الأستاذ الفاضل إلى أن هذه الأوصاف تنطبق على فرقة الجامية التي انتحلت صفة السلفية ولا عمل لها سوى استهداف الدعوة والسلفية الحقيقية وأي توجّه إصلاحي أما رموز السلفية فهم أبرياء من كلّ هذا لديهم تصوّر شمولي للإسلام يأمرون وينهون بالحكمة وكثير منهم تعرّض لأذى الأنظمة الحاكمة وذكر أسماء سلمان العودة وسفر الحوالي وناصر العمر وعوض القرني. وتبيّن لي من تعقيب الدكتور الكريم أننا لا نتكلم عن نفس الموضوع ولا عن الأشخاص فهؤلاء الذين ذكرهم أعدّهم من شيوخي وأعرف قدرهم ولا علاقة لهم بما ذكرتُه من مثالب ومشكلة الباحث في هذا المجال تكمن في مسمّى السلفية فتيارات متناقضة تتبنّاه وبقوة بل تحتكره وتنازع غيرها في الانتساب إليه وتزعم أنها وحدها الوفية لمنهج السلف الصالح وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب والألباني وأبرز هذه التيارات هي السلفية المسمّاة علمية والسلفية الحركية والسلفية الجهادية والأخلاق الذميمة التي ذكرتُها هي أبرز سمات النوعيْن الأول والثالث أما الحركية _ ومن رؤوسها د.حاكم المطيري ود. حامد العلي وبعض من ذكرهم محاوري _ فهي من الوعي والبصيرة بحيث لا تقع في الطامّات المعهودة عند مَن أتحدث عنهم. واقع لا مفر منه ولتجنّب الخلط غير المقصود أؤكّد أنّ ما ذكرتُه من تصرفات مخالفة للهدي النبوي هو ما عليه الشباب الذين ينسبون أنفسهم للسلفية عندنا في الجزائر بدون استثناء تقريبا فقد فسحت لهم السلطة المجال فاستولوا على عدد كبير من المساجد وإنما فعلتْ ذلك لضرب الصحوة والدعوة الرشيدة والحركة الواعية والتديّن الطبيعي وكذلك لتشويه صورة الإسلام وتنفير الناس منه وهي لا تجد من يخدم هذه الغايات مثل من ينسبون أنفسهم إلى محمد بن عبد الوهاب والمدخلي والوادعي فهؤلاء _ كما يعرف كل جزائري _ لا يُلقون السلام إلا على بعضهم ويحتقرون حليق اللحية إن لم يكفّروه ولو كان له باع في العلم والعمل ولا حرمة للمخالف عندهم إطلاقا يستعملون المنابر لسبّ كبار العلماء والانتقاص منهم لا يتورّعون عن الكلام البذيء ولا الغيبة ولا إشاعة التهم الباطلة دعاء القنوت عندهم بدعة (في فضاء مالكي يرى أنه سنة ثابتة) لكنهم عمدوا إليه مرّة للدعاء بالويل والثبور على إمام له سمعة طيبة لكنه على غير ملّتهم) ويشغلون الأمة بالمعارك التاريخية المنتهية والمسائل الهامشية والتي لا ينبني عليها عمل دأبهم وديدنهم الجدال والمراء (رغم النهي النبوي) والانكباب على السفاسف باسم منع الاختلاط وتحريم التصوير _ الذي هو عندهم من أكبر الكبائر مع الموسيقى وحلق اللحية _ أوعزوا لطلبة الثانويات ترك الدراسة لأنها تقتضي التواجد مع طالبات ومعلمات (على الملأ وليس في خلوة أي مع انتفاء التحريم والشبهة) كما تقتصي شيئا من التصوير في العلوم الطبيعية ونحوها وأشاعوا الجمود الفكري والجهل المركّب وعامّتهم من غير المتعلمين (ومع ذلك هم شيوخ في أعين أنفسهم) وحتى حمَلة الشهادات منهم يعانون أمية فكرية مهولة يلمسها كلّ من يستمع إليهم أو يحاورهم. مخالفات غير مقبولة من أبرز مظاهر مخافتهم للهدي النبوي الغلظة التي تلازم كلامهم وحركاتهم رغم ما استفاض من سنن قولية وفعلية تأمر بالرفق وتصف التزام النبي صلى الله عليه وسلم به وكذلك التعسير الشديد الذي لا يبرحونه أبدا في المسائل العلمية فضلا عن فروع العقيدة وما خُيّروا بين أمرين إلا اختاروا أعسرهما ولو كان إثما أو قطيعة رحِم رغم ما يعرفه كلّ واحد عن ميل الهدي النبوي إلى الأيسر وأمرِه بذلك كلّ هذا يجعل منهم منفّرين إذا أمّوا الناس في الصلاة عمدوا إلى الإطالة الفاحشة فنفّروا المؤمنين من صلاة الجماعة وإذا أفتوا في أمور الدين _ وأكثرهم ليسوا أهلا لذلك _ جاؤوا بالشواذّ والغرائب لا بما يعرفه المسلمون كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الذي أقوله يصدر بالدرجة الأولى عن شيوخهم الذين لا يُعرَف أكثرهم بسعة العلم ولا أخلاق العلماء. هؤلاء احتكروا اسم السلفية فأيّ علاقة لهم بالسلف وهذه أخلاقهم وسيرتهم وسلوكهم؟ وأين هم من السنة النبوية التي يرفعون لواءها؟ أليس الرسول صلى الله عليه وسلم عَلَما على جميع الكمالات الذهنية والقلبية والسلوكية؟ هل رأى الناس شيئا من ذلك عند دعاة التكفير والتضليل والتبديع؟ إني لا أسوق كلاما نظريا تجريديا أو افتراضيا بل هو الواقع المرّ الذي نصبح عليه ونمسي ألجأ كثيرا من الأفاضل إلى هجر المساجد التي تلوّثت بسوء الأدب والمعارك الطاحنة حتى أذهبت هيبة بيوت الله وملأت قلوب روّادها هموما بدل أن تنقيّها من الهموم! وماذا عسانا ننتظر من قوم ألّف أحد أئمتهم رسالة سمّاها (إسكات الكلب العاوي يوسف القرضاوي) فتقبلوها بقبول حسن! وقال آخر من شيوخهم (هو سليم الهلالي) إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يجمع في عضويته المتردية والنطيحة وما أكل السبع! إذا كان الشيوخ هكذا فكيف يكون حال الأتباع؟