بقلم: سايل سعيد* بعد اندلاع أحداث ما يعرف بالربيع العربي في عام 2011 استبشر العديد من الباحثين والمتتبعين خيرا في تلك المستجدات السياسية والجيوستراتيجية التي شهدتها المنطقة العربية متفائلين بالانعكاسات الإيجابية التي ستحملها للقضية الفلسطينية من باب أنّ تحقق المطالب السياسية للجماهير العربية سيقود لميلاد دول عربية تعمل بمبادئ الديمقراطية والمشروعية الشعبية التي ستجعل من سياستها الخارجية وفي ظل هذه التغيرات متماشية مع مصالح وتطلعات شعوبها وذلك لإرضائها ولتحقيق مطالبها التي تعدّ منبع مشروعيتها التي بها تحكم وتتولى مقاليد السلطة. وإذا تحدثنا هنا عن مصالح وتطلعات الشعوب العربية الخارجية نجد نصرة الشعب الفلسطيني على رأس مصالح هذه الشعوب غير أنّه وبعد مرور خمسة سنوات عن انطلاق موجة ما يعرف بالربيع العربي أخذت النتائج السياسية الأمنية والاقتصادية التي آل إليها من انتصار الثورات المضادة وإفساد التدخلات الخارجية لمساعي الشعوب في بناء دول قائمة على القانون وحقوق الإنسان دول مدنية يكون فيها الفرد المواطن مصدرا وحيدا للسلطة والشرعية وسقوط هذه الأوطان في موجات من العنف الحروب والنزاعات التي باتت تهدد حتى وجود واستمرارية تلك الأوطان في حدّ ذاتها ولعل ّ المثال السوري الليبي واليمني أفضل ما يمكن الاستدلال به في هذا الإطار غير أنّه وبعد كل هذا نجد أنّ هذه التطورات السياسية العربية لم تسِر في الطريق الذي يخدم القضية الفلسطينية وينتصر لها. وبالتالي فإنّ إجهاض مسار التحولات السياسية العربية وإصابة الشعوب بالخيبة وشعورها باختطاف آمالها وكذا دمار أوطانها وانحطاط الأوضاع فيها بتعاظم الأزمات والمشاكل التي ساهمت في البداية في انفجار الأوضاع (الفقر البطالة التهميش الاستبداد وغير ذلك) أخرج تماما متغيّر الشعوب والبلدان العربية من معادلة الصراع الفلسطيني _ الإسرائيلي بل وجعل هذه الأخيرة تستغل مرحلة الخمول والانحطاط والفوضى التي دخلت فيها الأوطان العربية لتسريع مخططها الرامي لمحو فلسطين أرضا وشعبا من الوجود تمهيدا لتحقيق الحلم التاريخي للحركة الصهيونية العالمية والمتمثّل في إنشاء وطن عنصري لليهود يمتد من نهر النيل بمصر حتى نهر الفرات بالعراق. خطط شيطانية إذ أنّ الكيان الصهيوني أخذ يستغل هذه الأحداث بدليل قيامه بتصعيد سياسة الاستيطان والقمع لدرجة أنه شن حرب إبادة على قطاع غزة الذي يحتوي على 1.8 مليون فلسطيني هم أصحاب الأراضي التي احتلها الكيان منذ العام 1948 إضافة لخلق كيان إرهابي جديد على غرار تنظيم القاعدة لإلهاء وإخافة العرب اسمه (داعش) الذي تم إطلاقه في كل من العراق وسوريا وليبيا ومصر ليدمر كل ما تصل إليه يداه وهذا التنظيم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمريكا وإسرائيل. وعلى الرغم من حصول السلطة الوطنية الفلسطينية على موضعية الدولة غير العضو في الأممالمتحدة واعتراف مجموعة من الدول الغربية بدولة فلسطين وعلى اعتبار السلطة الفلسطينية هذا إنجازًا سياسيًا يتيح لها مقاضاة الكيان الصهيوني على جرائم الاحتلال للدولة الفلسطينية لم تفلح السلطة الفلسطينية في احتواء الانقسام بينها وبين حركة حماس. بل زاد الانشقاق داخل حركة فتح وأتباع محمد دحلان المنشق عن الحركة ليكون فصيلا خاصًا به في محاولة لإسقاط محمود عباس ليصبح الخلاف الفتحاوي الداخلي أقوى من الخلاف مع حماس. وهذا ساهم في إضعاف الصف الفلسطيني وتشتته. ناهيك عن تنازل السلطة الفلسطينية عن خيار المقاومة وقمع أي انتفاضة فلسطينية تحاول القيام في الضفة الغربية مما أعطى شرعية للاحتلال وثقة في أنه مهما فعل من مخالفات وتجاوزات فلن تكون هناك ردة فعل تزعجه. بل هناك سلطة فلسطينية تحميه من الغضب والثأر الفلسطيني. أضف إليه تخلي العرب بالكامل عن دعم خيار المقاومة المسلحة من أجل إرضاء الحليف الأمريكي الذي يقيم القواعد العسكرية لحماية أمن الخليج من إيران التي نجحت أمريكا وإسرائيل في تصويرها كعدو رئيسي لدول الخليج وهذا الخلل في الفكر العربي والاعتماد على حليف دولي أمريكي والبعد عن إقامة تحالفات أخرى مع دول عظمي مثل الصين والهند وروسيا وتحسين العلاقات مع الحليف الإقليمي تركياإيران هو سبب تراجع العرب وتشديد القبضة عليهم وبالتالي بعدهم عن القضية الرئيسية وهي القضية الفلسطينية. وبالتالي أصبح الكيان الإسرائيلي اليوم يعلن صراحة أنه لا وجود لدولة فلسطينية وهو الشعار الذي ساهم في بقاء نتنياهو في الحكم لفترة رابعة لأول مرة في تاريخ هذا الكيان العنصري وكما صرح معظم الوزراء الصهاينة ومنهم وزيرة العدل في هذه الحكومة (إياليت شاكيد) التي دعت صراحة إلى إبادة الشعب الفلسطيني ووصفت الفلسطينيين بالأفاعي وطالبت بقتل نسائهم حتى لا يلدن أفاعيَ صغيرة وكذلك (نفتالي بينيت) الذي دعا لقتل الفلسطينيين وقطع رؤوسهم بالفأس وعدد من الوزراء وقادة هذا الكيان فلا يوجد دليل أقوى من هذه التصريحات للحكومة الجديدة التي أيدها الواقع من خلال اعترافات الجنود الصهاينة لمنظمة (كسر الصمت) وتقرير منظمة (بتسيلم) الذي تضمن التوجه والفكر الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني لنعلم مدى تراجع القضية الفلسطينية في زمن أحداث ما يعرف بالربيع العربي. * باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية