بكثير من التفاؤل وإيمان بالقضية المحورية للأمتين العربية والإسلامية وعدالتها، القضية الفلسطينية، يؤكّد حسن العوري، المستشار القانوني للرئيس الفلسطيني محمود عباس، أنّ قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، مسألة وقت فقط. وقال المسؤول الفلسطيني الذي التقته "صوت الأحرار" وخصّها بهذا الحديث الصحفي، إنّ الملفّ القانوني بخصوص جرائم الاحتلال جاهز، وأضاف أنّ فتح المدّعية العامة بالجنائية الدولية تحقيقا أوليا بخصوص ملفيّ الاستيطان والعدوان الأخير على غزة، يخدم بشكل كبير التوجّه الفلسطيني. كما يتطرّق حسن العوري، من خلال هذا الحوار، إلى بعض القضايا والمسائل التي تمثّل حجر الزاوية للقضية الفلسطينية، كملفّ المصالحة، والموقف العربي تجاهها، ودور حركة حماس في هذه المرحلة، ودخول تنظيم داعش في معادلة غزة، والمزيد من النقاط الأخرى التي تطرّق إليها من خلال إجاباته عن أسئلة "صوت الأحرار". تعتزم السلطة الوطنية الفلسطينية رفع دعوى قضائية ضد الاحتلال أمام محكمة الجنايات الدولية، إلى أين وصلت عملية تحضير الملفّات؟ فور قبول فلسطين عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، تم تشكيل لجنة وطنية عليا تضم كافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني، بما فيها حماس انبثق عن هذه اللجنة لجنة فنية تضم خبراء في القانون الدولي، قامت بتحضير الملفات وهي جاهزة ملفان في الأساس، هما ملف العدوان على غزة والجرائم التي ارتكبت خلالها، والملف الثاني، الاستيطان المستمر منذ عام 1967. لكن هناك مسألة أخّرت التقدم بالملف، المدعية العامة للمحكمة الجنائية، باشرت التحقيق من تلقاء نفسها وهو ما اصطلح عليه تقنيا تحقيق أولي في جرائم غزة والاستيطان، فارتأينا أن نتريث قليلا حتى لا يكون هناك تناقض، وحتى نقوم بمساعدة المدعية العامة بتقديم كل الإثباتات والوثائق المطلوبة للاستمرار في تحقيقها حتى تشكّل ملفا كاملا مرتّبا تكون مقتنعة بحيثياته، وبالتالي تكيّف تهما صالحة لتقديمها بنفسها للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يخدمنا ويخدم توجّهنا كثيرا. إذن سنرى يوما ما وربما عن قريب، المجرمين الصهاينة يمثلون أمام القضاء الدولي، وربما أكثر من ذلك، يزجّ بهم في السجون نظير جرائمهم؟ هذا منوط بالظروف الدولية أوّلا علينا أن نقوم بالواجب، فحينما حصلنا على صفة الدولة أصبح متاحا لنا الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وللعلم، نحن خامس دولة عربية تنضم للمحكمة، من منطلق أنّ الظروف دفعتنا لذلك... فإذا أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال ضد صهيوني، أنت تعلم أنّ الكيان الصهيوني غير منضم لمعاهدة روما، وغير متعاون مع الجنائية، ولكن على أقل تقدير، هناك دول وقعت على المعاهدة، وهذا يعني أنها ستتعاون مع المحكمة وتنفذ قراراتها، فإذا صدرت مذكرات ضد ضباط ومسؤولين صهاينة، ووزعت على هذه الدول، فهنا نكون قد منعنا الصهاينة من دخول هذه الدول وبالتالي يبدأ حصارهم، وكلّما زادت الدول المتعاونة زاد الحصار على الصهاينة...في نهاية المطاف يبقون داخل الكيان الصهيوني ولا يخرجون، بينما لا تستطيع المحكمة الجنائية زجّه في السجن...ربما يحاكم غيابيا وتصدر ضده قرارات بالسجن، ولكن الأمر يبقى منوطا بكيفية إلقاء القبض عليه. يرى متتبّعون للشأن الفلسطيني أنّ الفلسطينيين أنفسهم هم من أعطوا الذريعة للكيان الصهيوني للاستمرار في سياساته العنصرية الإقصائية، خاصة فيما تعلّق بالاستيطان والتهويد، وهو ما ترجم من خلال الحكومة الأخيرة بزعامة نتانياهو، والتي وصفت بأنّها حكومة ترفض السلام وتصر على الاستيطان. ما رأيكم؟ إذا كنت تقصد بذلك، الانقسام الفلسطيني، فأنا أوافقك الرأي، فالانقسام عنصر من عناصر الضعف الفلسطيني وجرح دام حقيقة، ولكن غياب المساءلة الدولية وغياب الخطر الحقيقي على الكيان الصهيوني جراء تصرفاتها، هو الذي يجعل الاحتلال يمعن في هذه الإجراءات أكثر من الانقسام الذي يزيد ضعفنا ضعفا، لكنه ليس عامل الوحيد، فالاستيطان مثلا موجود قبل حركة حماس وقبل الانقسام، لأن الكيان الصهيوني لا يرى خطرا عليه وهو لا يسأل عمّا يفعله، وبالتالي كل الشعب داخل الكيان الصهيوني يسير نحو اليمينية والتطرّف، وهذا ما يفرز حكومات عنصرية كحكومة نتنياهو. هناك مسألة أخرى، حينما يتحدّث مسؤولو الاحتلال مع الدول الكبرى، عن المفاوضات مثلا، يقولون إن محمود عباس ليس الممثل الوحيد للفلسطينيين، في ظل وجود حماس، ويسألون عن الجهة التي من المفروض التفاوض معها...لذا يفلت الصهاينة من أي استحقاق سياسي بذريعة الانقسام، الذي أعود وأؤكد أنه مصلحة للاحتلال وبامتياز، ويساهم في زيادة العنجهية الصهيونية. بعد عام من عقده، اتهامات واتهامات مضادة بين رام الله وغزّة حول تقويض المصالحة الوطنية الفلسطينية بل وحتى إفشالها وهي في المهد، من المسؤول عن عدم تطبيق كامل بنود الملف، فتح أم حماس، أم الطرفان معا كما يرى مراقبون؟ سأجيب على سؤالك بكل حيادية، كوني رجل قانون ومحامي في الأصل هناك اتفاق تمّ بين الحركتين على المصالحة الفلسطينية يتضمن إجراءات يجب العمل عليها، ولا يجوز أن يسلب إجراءٌ إجراءً آخر...الإجراء الأول، تشكيل حكومة وفاق وطني وهذا ما تم الاتفاق عليه ونفذ تماما وشكلت حكومة التوافق الوطني. وأعضاء هذه الحكومة عُينوا بمباركة حماس وفتح معا، ووفق الاتفاق فإن الخطوة التي تلي ذلك تمكين حماس لجنة الانتخابات المركزية من فتح مقر لها في غزة لتحديث السجل الانتخابي في القطاع، بعدها فتحت المقرات التي سمح للموظفين بالتواجد فيها ولكن لم تستكمل اللجنة عملها، هنا توقّفت العملية. الخطوة التي تليها تحديد الحكومة موعد الانتخابات التي يقرر من خلالها الفلسطينيون ما يريدون، فإذا أرادوا حركة حماس برلمانا حكومة ورئاسة، فليكن، هذه إرادتهم، وإن كان خلاف ذلك فلكل حدث حديث، وعلى الجهة التي خولها الشعب أن تحل باقي المشاكل أمّا المشاكل التي تتحدث عنها حماس اليوم، فهي مؤجلة وفق الاتفاق لمراحل قادمة. الواقع أن حماس في ضائقة مالية وتحاول ابتزاز منظمة التحرير وأن تحول المنظمة والسلطة والحكومة الفلسطينية إلى صرّاف آلي من رام الله، يوفر السيولة لقطاع غزة دون أن تتخلى حماس عن الحكم، حماس تخلّت عن الحكومة لكن ليس على الحكم كمثال على ما أقول، أنت تعرف أن الحكومة الفلسطينية توجّهت إلى غزة لتمارس عملها من هناك باعتبار الوطن واحد ولم يسمح لأعضائها بمن فيهم رئيس الوزراء من مغادرة الفندق الذي نزلوا فيه، ولم يسمح لأي موظف من موظفي الوزارات بقطاع غزة، لا لوكيل ولا لمدير عام، أن يقابل الوزير الأول وبالتالي بعد عدة أيام عادت الحكومة من غزة إلى رام الله بخفي حنين هذا يدلّ أن حماس تريد إبقاء حكمها على القطاع ولكن تريد مصالحة من نوع آخر بعد إغلاق كل مصادر المال عليها حماس لجأت للمصالحة كوسيلة تكتيكية مؤقتة لحل أزمتها المالية، وبدأت في فتح الملفات التي من المتفق عليه أن تبقى إلى النهاية لى غرار ملفات المواطنين الذين تم توظيفهم من حركة حماس على حساب الموظفين السابقين سواء عسكريين أو مدنيين. من ناحية أخرى هناك حصار على قطاع غزة، وهذا أمر، جزء منه يتعلق بالكيان الصهيوني والجزء الآخر بمصر، وهنا على العالم أن يفهم وعلى حركة حماس أيضا أن تفهم بالتحديد، أنّ مصر كدولة لا يمكن أن تفتح الحدود مع فصيل فلسطيني، لا مع فتح ولا مع حماس، مصر تفتح الحدود مع الشرعية الفلسطينية. حماس لا تريد التنازل على معبر رفح ومصر لن تفتحه إلا مع الشرعية حتى تكون المعاملات على الحدود وفق الأصول ووفق القانون. ومن هنا أقول إنّ حماس هي من تحاصر الفلسطينيين وتريد التمسك بالكرسي على حساب الشعب الفلسطيني. بإمكانكم الآن استنتاج من يقف حائلا دون استكمال المصالحة الوطنية الفلسطينية. ينتهج الصهاينة سياسة ربح الوقت وابتلاع ما يمكن ابتلاعه من الأراضي الفلسطينية من خلال الاستيطان واستمرار تنفيذ أجندة التّهويد في القدس الشريف، كيف تتعاملون مع هذا الوضع الذي أصبح بمثابة أمر واقع يفرضه الاحتلال؟ هذا صحيح، نحن بصراحة لا حول لنا ولا قوة، ونتوجه للأشقاء وللأصدقاء، لكن دعني أقول ليس الأمر الواقع الذي لا يمكن تغييره، هذا باطل، ومهما وصل من درجة التهويد هو باطل، فأذكرك بالاستعمار الفرنسي للجزائر لفترة من الزمن اعتبرت الجزائر جزءا من فرنسا، لكن كل هذا انتهى وعادت الجزائر إلى هويتها وذهب الاستعمار إلى ما وراء البحار. هذه الإجراءات الصهيونية ينوون منها أن نصل إلى حالة من الإحباط، وأن نقول انتهت القضية، لكننا لن نقول ذلك، بل سنبقى نطالب بفلسطين نظيفة وخالية من كل عنصر غريب اليهود الفلسطينيون على الرحب والسعة، ولكن كل يهودي جاء من أي دولة أخرى، يوما ما سيعود مطرودا إلى تلك الدولة وبغض النظر عن إجراءات التهويد نحن نحتكم إلى القانون الدولي الذي يعترف بحدود دولة فلسطين في العام في العام 1967، ولا نقر ولا نعترف بأي جزء داخل حدود 67، على أقل تقدير، له علاقة بالصهيوني وغير الفلسطيني، بالرغم من أن الاحتلال يهود ويسابق الزمن، لكن ذلك لن يفيده، لأنه باطل، وهو يدرك ذلك، حتى أن مسؤوليه لا ينامون بالرغم من امتلاكهم القوة والتكنولوجيا والسلاح النووي، لكن لا يمتلكون الحق. نحن لن نستسلم، لا نحن ولا أبناؤنا ولا أحفادنا الذين سيكونون أكثر تطرفا حينما يستفيدون من تجربة آبائهم وأجدادهم، وسيعملون مستقبلا على أساس أنّ هذا الكيان المسخ، لا يمكن التعايش معه. هل مازالت الدول العربية في رأيكم متمسّكة بدورها القومي تجاه القضية الفلسطينية أم أنّ الأمور قد تغيّرت فعلا كما يرى المتتبّعون؟ نحن نشعر بالألم حقيقة، فالقضية الفلسطينية تراجعت عند كل العرب، لم تعد في الصدارة، بالرغم من أنها تحظى بالإجماع ولا اختلاف عليها بين عربيين، سواء على مستوى القاعدة الشعبية أو في هرم السلطة، بخلاف باقي القضايا العربية الخلافية، فنجد مثلا من هو مع النظام السوري أو ضده إلى غير ذلك. لكن العرب لا يفعلون ما يليق بالقضية التي بدأت تتراجع منذ فترة من الصدارة باعتبارها قضية الأمة، لدرجة أنه في بعض الاجتماعات لا تذكر فلسطين، هذا يخيفنا ويحبطنا، ويدفعنا للحديث بعتب تجاه الأمة العربية. أعتقد أن الظروف ساءت في معظم الدول العربية ويمكن أن يكون هذا هو السبب، فالربيع العربي اجتاح معظم أقطارنا وأصبحت هناك قناعة بأن الولاياتالمتحدة هي من تقف وراءه، وأستذكر بالأقوال الأمريكية، »شرق أوسط جديد والفوضى الخلاقة« إلى ما غير ذلك وبدل أن يتوحّد العرب في هذه المواجهة، نرى الكلّ يتلمّس رأسه ويريد إرضاء أمريكا لكي لا يصل إليه الربيع ويبقى على الكرسي ورأسه دون قطع. ثمّ إنّ ما يحصل في الوطن العربي جعل شعوبنا تنشغل بقضايا جديدة، وأصبح المواطن العربي يرى القتل والفوضى، ليس في فلسطين فقط، بل في سوريا وفي ليبيا وفي اليمن حاليا وهنا أطرح السؤال، لماذا هناك قصف بالطائرات على اليمن وتجييش الجيوش لذلك، متى يكون هذا القصف لنصرة فلسطين ورغم ذلك يبقى طموحنا بسيطا، نحن لا ننتظر الطائرات العربية لتأتي وتدمر الكيان الصهيوني، لأنّنا نعي قدرات الاحتلال العسكرية وتحالفاته الوثيقة مع أقوى الدول، لكن على أقل تقدير نريد أن يكون في كل مناسبة موقف عربي موحد. فمثلا حينما تمنع واشنطن قرار عربيا لوقف الاحتلال الصهيوني بالفيتو، لماذا لا يحاسب الاحتلال ومن معه اقتصاديا بوقف الاستيراد، والالتفاف على كلمة حقّ، وإلغاء الزيارات مثلا، لكن أصبح ما يصدر من أمريكا ضد القضية، وكأنه أمر مفروغ منه لا يعلّق عليه أحد من الأشقاء العرب. تحدّثت تقارير عن إمكانية عقد لقاء للمصالحة بوساطة سعودية، مؤتمر »مكة 2«، ما مدى صحّة هذه المعلومات؟ صراحة لا معلومات لدي حول الموضوع، لكنني أستبعد ذلك في هذا الظرف وفي هذه المرحلة بالتحديد، لأنّ السعودية مشغولة باليمن ولديها قضايا الآن تجعلها غير مستعدة ربما لاحتضان مثل هكذا اجتماعات. ألم تثبت لكم الأيام أنّ الكفاح المسلّح هو الطريق الأضمن والوحيد إن صحّ التعبير لنيل المطالب الفلسطينية المشروعة؟ الكفاح المسلّح كان دائما شعار فتح، فالحركة انطلقت بالرصاصة الأولى، ومقابل ذلك حاولنا أن نتوج هذا النضال المسلح بمصالحة تاريخية، فبالنظر للظروف الحالية التي نعيشها وعشناها، وجدنا أنّه لا يمكن أن القضاء عسكريا على دولة الاحتلال. ربما يمكنك أن تزعجها وتقاومها بالنضال ثم تجلس معها كما حصل بين الفييتناميين والأمريكان. والقاعدة تقول إن الكفاح المسلح يتوج دائما بعمل سياسي. ومع الأسف وقعنا مع خداعين ومضللين، نحن نكتشف اليوم أنّ الاحتلال لا يريد أن يعطينا شيئا. هو يريد السلام، بالمناسبة، يريد شرعية لوجوده في هذه المنطقة العربية، يريد تطبيع علاقاته مع كل الدول العربية من خلال الفلسطينيين، وكأنه في حالة سلام معهم. الاحتلال يريد سلاما بلا ثمن، حتى دون أن ينسحب من أراضي 1967 ويطبق قرارات الشرعية الدولية. وبالتالي ذهبت القيادة الفلسطينية باتجاه تدويل القضية واستعمال أدوات القانون الدولي للحصول على الحق المسلوب، خاصة مع الظرف الحالي والظروف الإقليمية وانشغال معظم الأقطار العربية بمشاكلها الداخلية. لكن، أنا أحذّر من أنّ العقلانيين في الفلسطينيين ممن يسلكون هذا النهج ربما يتجاوزهم الشعب الفلسطيني فيما بعد ومن بينهم أنا شخصيا، عندما يجد الفلسطينيون أن هذه العملية السياسية لن تأتي لهم بخير، وبالتالي إذا عاد العنف إلى المنطقة فسيسطلي الكل منه، سيسطلي الكيان الصهيوني وسيتأثر السلم الدولي إذا لم ننجح في الحصول على دولتنا وإنهاء الاحتلال بالطرق السلمية. أعود وأقول، إنّني أتّفق معك في جزئية أن الكفاح المسلح أمر ضروري، وقد خضناه. وأملنا بعدها أن يتوج النضال العسكري بنتيجة سياسية، لكن للأسف، لأول مرة في التاريخ لم ينجح هذا مع هؤلاء الصهاينة. ما موقفكم من إلغاء القضاء المصري حكما سابقا باعتبار حركة المقاومة الإسلامية حماس"منظمة إرهابية"؟ هذا قرار بالاتجاه الصحيح. وحركة حماس التي وبالرغم من عدم اتفاقي معها، هي حركة فلسطينية تمثّل جزء مهما من الشعب الفلسطيني مهمتها النضال باتجاه فلسطين ونحو تحرير فلسطين وإن حصلت بعض الخروقات من بعض المحسوبين عليها هذا لا يعني أنها حركة إرهابية، هذا القرار أفرحنا كثيرا، فلا يعقل أن تكون حماس حركة إرهابية بمفهوم الإرهاب، وبالتالي عدول القضاء عن القرار هو تصحيح لخطأ وقع فيه من قبل. وهذا ما يدلّ على أن القضاء المصري ما زال مستقلا، ما نعتبره مبشر خير للشعب المصري والأمّة العربية. اتهامات خطيرة وجّهت ضد حماس مفادها أنّ الحركة تفاوض الاحتلال لإقامة ما يسمّى ب»دولة غزّة«؟ هذه معلومات، وليست مجرد تحليل، معلومات مؤكّدة نعلمها تماما، بأنّ هناك غزل بين حماس والكيان الصهيوني لإقامة دولة في غزة بالرغم أن القطاع لا يكفي مساحة لإقامة دولة. وهنا أذكّركم بمقترح اقتطاع جزء من سيناء المصرية لضمه لغزّة وهذا المشروع كان قيد التنفيذ في فترة حكم الإخوان المسلمين بقيادة مرسي، وحال دون ذلك الإطاحة بالأخير وحظر جماعته، لأن المصريين لم ولن يقبلوا بالتنازل عن ذرة تراب من أرضهم لأي كان. من هذا المنطلق، أوّد أن أؤكد أنّ إقامة تلك الدولة هي مصلحة لحماس بدرجة أقلّ، فهي تريد كنموذج للإخوان المسلمين أن تحكم رقعة جغرافية على وجه الأرض، اسمها غزة، وإقامة إمارتها الإسلامية هناك. أمّا بدرجة كبيرة جدا، فإنّ إقامة تلك الدولة مصلحة للكيان الصهيوني، خاصة وأنّ العالم يطالب بحلّ الدولتين...إذا أقيمت دولة غزة، تتملص سلطات الاحتلال من التزاماتها تجاه السلام وأساسه المتمثل في إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزةوالقدس. الكيان الصهيوني ليس لديه أي مشكل في السماح لحماس بتشكيل دولة، وتحت أيّ مسمّى، فالمهم لدى الاحتلال هو الضفة الغربيةوالقدس، ويريد غطاءً يتقبله العالم وبالتالي وجد حلاّ للموضوع مع حماس بالتوافق مع بعض الدول، ليكون عندها قد حقّق انتصار كبيرا. أعيد وأؤكّد، أنّ ما تحدّثت عنه مشروع فعلي، ولا زال موجودا اليوم وغدا، وهو يخيفنا جدا، باعتباره أكبر خطر على المشروع الوطني الفلسطيني. كيف ترون العلاقة بين إيران وحماس؟ هذه العلاقات يتخلّلها مدّ وجزر، في صورة وقوف حماس مع الثورة السورية ضدّ الأسد، وهو ما أثار حفيظة إيران لفترة من الزمن. لكن، لطهران مصالح في المنطقة وحماس أحد الأدوات للحفاظ على هذه المصالح. لذا فالعلاقات ما زالت جيدة ومتينة بين حماس وإيران خصوصا على الشقين الاقتصادي والعسكري، وهذه هي سياسة إيرانذ لخلق أدوات في المنطقة ومن بينها حركة حماس في فلسطين و»حزب الله« في لبنان. الفارق أن حزب الله أقوى لأنه مشكل على أسس طائفية والشيعة موجودون بقوة في لبنان، أمّا حماس فليست شيعية ولا يوجد شيعة في فلسطين. والمهم أنّ هناك تعاونا كبيرا بينهم لتوفر حماس موطئ قدم للإيرانيين في المنطقة تساوم به فيما شاءت للحفاظ على مصالحها. للتوضيح، العلاقة بين حماس وطهران هي علاقة مصالح وليس ولاءات كما هو الحال بالنسبة ل"حزب الله"، حماس بحاجة إلى المساعدة وإيران بحاجة لجهة تستعملها كورقة للمفاوضات مع الأمريكان، وعمليا فإن فكر "الثورة الإيرانية" هي الانتشار في الوطن العربي، وأن يكون لها موطئ قدم، وأن تجد جهات تتحالف معها وتساعدها في تنفيذ أجندتها في المنطقة. طالبت المنظّمة الحقوقية »هيومن رايتس« بإدراج الكيان الصهيوني على »لائحة العار« الأممية، ما تعليقكم؟ هذا حقّ، والمطلوب منا أن ندعم هذه المنظمة وأن نمارس الضغط على الدول حتى تلصق هذه الصفة بالكيان الصهيوني، فهو يستحقها، وعلينا نحن وعلى كل الدول العربية على الحقوقيين وكل الشرفاء في العالم أن يعملوا وينسقوا فيما بينهم، حتى يدرج الكيان الصهيوني على لائحة العار الأممية. هناك حديث عن مشروع قانون صهيوني يعفي المحقّقين من توثيق التحقيق مع الأسرى الفلسطينيين، ما اعتبره البعض رخصة للقيام بالتعذيب ؟ ما تعليقكم ؟ وهل يمكن منع هذه الخطوة الخطيرة؟ هذا ليس غريبا، وليس جديدا أيضا، الجديد فيه أنه لم يكن مقننا، فعلى المستوى الشخصي وعندما كنت محاميا، ترافعت عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. كنا نواجه هذه المشكلة حينما يقول لك الأسير إنه حصل معه تجاوزات أثناء التحقيق وأجبر على التوقيع تحت التهديد أو أحيانا تم تبصيمه بالقوة، ولا نستطيع إثبات هذه الحالة. وبالتالي كان هناك طعن في إجراءات التحقيق، زيادة على أنّ كل القضاة الصهاينة هم من نفس الطينة، وينظرون إلى الأسير نظرة فوقية وعنصرية ويرونهم إرهابيين، لكن ربما حتى يتفادى الصهاينة أيّ مأزق، قنّنوا ما تمّ الحديث عنه حتى يُعفوا القضاة من أداء مهامهم التي من المفترض أن يقوموا بها. ومن هذا المنبر، أؤكد أنّ هذا القانون مخالف لكل صور العدالة، وهذا شاهد على إرهاب الكيان الصهيوني، إرهاب مقنّن. ويبقى لنا أن ننشر هذا أمام العالم المفتون بأنّ دولة الاحتلال ديمقراطية ومن الطراز الغربي على الأرض العربية، حتى يفهم بأنّ هذا الكيان يسيء لنفسه وإلى كل من يقف معه، وأنّه يضم شرذمة من الحاقدين الكذابين المعادين للإنسانية والبشرية جمعاء. هل يصحّ الحديث عن دخول تنظيم »داعش«، رسميا، خطّ المواجهة مع الكيان الصهيوني من قطاع غزّة؟ داعش تقول إنّ القضية الفلسطينية غير مطروحة في الوقت الحالي ضمن أجندتها، فهي تسعى لإقامة الخلافة في كل الدول العربية والإسلامية، ومن ثمّ الانقضاض على الكيان الصهيوني، هذا أولا. ثانيا، حدود غزة مغلقة بإحكام، وبالتالي داعش لم يصل بالقوّة أو عن طريق الاجتياح للقطاع، بل وجد مناصرين له هناك، قاموا بمبايعته، وهم من السلفيين. ثالثا، في معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني، داعش لن يضيف شيئا، لكن ربما قد يفتح جبهة مع الاحتلال، ما قد يؤدّي لعدوان آخر على غزة، وهذا وارد ومتوقع جدا...أنا لا أنفي ولا أؤكد ذلك، لكن قد تكون داعش حجة لعدوان قادم على غزة، فقد أطلقت صواريخ من غزة على الكيان الصهيوني، واعترف التيار السلفي الموالي لداعش أنّه أطلقها، وردّ جيش الاحتلال بغارات جوية، وقامت حماس بملاحقة أولئك السلفيين، وقد أكّدت لنا قنواتنا أنّ الحركة بلّغت الكيان الصهيوني عن طريق تركيا بأنها ستعتقل مطلقي الصواريخ. أخيرا، في معادلة الحرب كل شيء يحسب بالربح والخسارة، إذا كنت سأطلق النار لقتل جندي صهيوني ومن ثم يقتل ألف فلسطيني فتلك معادلة خاسرة، بالرغم من أن البعض يؤمن بأن عدد الضحايا لا يهم بقدر ما يهم المبدأ، وهذه نقطة خلافية وغير محسومة بالمناسبة، وأنا كفلسطيني لا أحبذها، لأنها برأيي لن تأتي سوى بمزيد من الألم والمعاناة دون تحقيق أي نتائج إيجابية على صعيد القضية. ثمانية وأربعون سنة مرّت على النكبة، هل من أمل لقيام دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس ؟ بالتأكيد، هذا ليس أملا، بل قناعة راسخة بأن الدولة الفلسطينية ستقام بعد كنس الاحتلال الصهيوني. ولم يعد هناك مكان لوجود آخر احتلال في العالم، ولم يعد مقبولا أن يبقى شعب فلسطين تحت الاحتلال. لأنّ هناك أرضا فلسطينية عليها شعب فلسطيني جذوره ضاربة في عمق التاريخ، وهناك حكومة وسلطة وهناك قوانين فلسطينية، وما تبقى من استكمال سيادة الدولة، هو الاحتلال الذي أؤكّد أنه سيرحل في النهاية، وأنّ الدولة ستقوم لا محالة.