قال المفكر والكاتب الإسلامي خالص جلبي، الذي يعيش في السعودية، إن الشيخ عبد الرحمن البراك استعجل في فتواه وتسرع في حكمه عليه فوقع في الخطأ، مضيفا أنه رغم ذلك يسامحه على ما قال في حقه. وأفاد جلبي أنه مستعد لتقبيل رأس الشيخ البراك ليس تملقا له، بل حرصا على عدم وقوعه في الزلل من فرط الحماس للدفاع عن الإسلام. وأكد الكاتب السوري المنشأ الكندي الجنسية، أن التكفير والاتهام بالزندقة وكل هذه التعبيرات غير الصحية ليست من روح الإسلام، مضيفا أن الحكم على الناس يبقى لله رب العباد، فليست مفاتيح الجنان وأبواب النيران بيد أحد. تجدر الإشارة إلى أن الشيخ عبد الرحمان البراك أصدر فتوى جديدة، جوابا على سؤال حول شخص وفكر خالص جلبي، تتضمن نعته بالزندقة وبالطعن في أحكام الإسلام والاستخفاف بالله تعالى وبأنبيائه الكرام. وحث البراك في فتواه، التي نشرها أخيرا موقعه على الأنترنت، المسؤولين في المملكة العربية السعودية على طرد الجلبي لكونه طبيباً »لا يؤتمن على علاج المؤمنين«، بالإضافة إلى وصفه ب»الناقص عقلا والمنحرف فكرا«، مشبهاً إياه »بالنصارى المبشرين الذين امتهنوا الطب ذريعة للتنصير في افريقيا والعالم«. وطالب البراك في فتواه وزارة الداخلية السعودية بكف يد خالص جلبي عن العمل واجتثاثه من السعودية، بوصفه »شجرة خبيثة« على حد وصفه، مضيفا: »بهذه المناسبة نرفع لسمو النائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز وفقه الله طامعين في أن يجتث هذه الشجرة الخبيثة بعد التحقق من الحقيقة، ثم نهيب بمعالي وزير الصحة أن يتحمل مسؤوليته، ونذكره أنه مسؤول أمام الله عن إبقاء من يتجاوز حدود الله، ويتجاوز حدود عمله، كهذا الطبيب وأمثاله، فإن مثله لا يؤتمن على علاج المؤمنين«. روح الإسلام وتأسف الدكتور خالص جلبي على ما جاء في أقوال الشيخ البراك من تهم وأوصاف في حقه، مبرزا أن الشيخ البراك استعجل فوقع في الخطأ، وما قاله كان تسرعا وهفوة لا يليقان به. وزاد جلبي في حديث للعربية نت: كان على الشيخ البراك التريث والتمحيص وتقليب وجهات النظر، والاطلاع على أفكاري التي كرستها للنهضة بالأمة منذ نصف قرن، فليس مثل الحكمة دليلا، وليس مثل التسرع ندامة. وقال جلبي إن تسرع الشيخ ليس في مصلحته ولا في مصلحة أحد، وإن الحكم على الناس يبقى لله رب العباد وحده، فليست مفاتيح الجنان وأبواب النيران بيد أحد، فيرسل إليها من شاء ويدخل إليها من أحب« على حد تعبير جلبي. واستشهد المتحدث بقول الله تعالى في سورة الإسراء: »قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا«. واستدرك جلبي بالقول: أعرف حرص الشيخ البراك على الإسلام من الأذى، وأنا رجل أفنيت عمري في سبيل هذا الهدف، فنحن وأخي البراك نعمل كل بما أوتي من طاقة وفهم. وحول اتهام الشيخ البراك له بشتى النعوت والتهم من قبيل الزندقة والكفر والاستهزاء بالله وبالأنبياء والطعن في بعض أحكام الإسلام القطعية، أجاب جلبي بأن التكفير والزندقة وكل هذه التعبيرات غير الصحية ليست من روح الإسلام. وشدد جلبي على أنه مقابل إطلاق الاتهامات بالكفر والزندقة، وجب التأسي بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم بالحوار وتبادل الآراء والاختلاف مع الاحترام. واستدل المفكر والجراح السوري بشيخ الإسلام ابن تيمية الذي قال إن أهل العلم يخطِّئ بعضُهم بعضا، وإن أهل البدع يكفِّر بعضهم بعضا، مضيفا أن أهل السياسة أيضا يخون بعضهم بعضا، فلنقتدي بالشافعي الذي كان يردد »أنا على حق ويحتمل الخطأ، وأنت على خطأ ويحتمل أن تكون على صواب«. سأقبل رأس الشيخ ورغم اتهامات الشيخ عبد الرحمان البراك ومطالبته السلطات السعودية بشكل واضح ورسمي بطرد جلبي من أراضي المملكة، فإن جلبي كان حريصا على أن يُظهر مشاعر الاحترام والتقدير للعالم السعودي. قال جلبي: لو رأيت الشيخ البراك لقبلته على رأسه لعمق شعوري أن ما قاله هو من باب الحرص على الإسلام، فهو لنيته يزكي ولرأيه يخالف، وهذا ليس تملقا للشيخ، بل حرصا عليه من الزلل. وأردف جلبي: للشيخ البراك كل التحية والحب، فهو أخ فاضل، للحق راغب، ولكن هذا لا يعني أنه وصل إلى الحقيقة وأمسك باليقين..وكما روي عن أرسطو في حديثه لأفلاطون: إنك عزيز عليَّ ولكن الحقيقة أعز منك.. واستطرد جلبي بأنه خلال مسيرة التاريخ الإسلامي كله، ثبت أن الحماس لشيء لا يعني صحته، ولم يكن هناك من متحمسين لنصرة الإسلام مثل الخوارج، ولكنهم جانبوا الصواب، واتفقت الأمة جميعُها على اعتبارهم جانبوا الحكمة والصواب. وشدد جلبي على أن المملكة العربية السعودية عانت الكثير من الإرهاب والقتل، وليس من الحكمة التشدد والتوتر والتطرف ودفع الأمور للحواف الحدية، مشيرا إلى أنها نصيحة لمن أراد الأخذ بها، والله تعالى يقول: »ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير«. البراك .. المثير للجدل ورغم ابتعاده عن وسائل الإعلام الرسمية، وغير الرسمية، إلا أن البراك دائما ما يسجل حضوره دهشة للمتابعين بفتاواه الشهيرة، منها تكفيره المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، واعتباره زنديقاً فاجرا، ومن ثمَّ تكفيره لعدد من الكتاب السعوديين قبل عدة أعوام، ومؤخراً أطلق فتواه التي أثارت جدلاً واسعا في الوطن العربي بأكمله، حينما أفتى بقتل من يجيز الاختلاط في ميادين العمل والتعليم في السعودية. والدكتور خالص جلبي طبيب وجراح سوري المولد، كندي الجنسية، مفكر إسلامي معاصر، من مواليد 1945م في القامشلي (سوريا). يتكلم اللغتين الألمانية والإنكليزية بالإضافة إلى العربية، له الكثير من المؤلفات، وقد كتب للعديد من الصحف السعودية.