بعد أن تحدثنا بما فيه الكفاية عن الدورة الأولى التي جرت بالأورغواي عام 1930، سنتحدث في حلقة اليوم عن تفاصيل الدورة الثانية التي جرت بإيطاليا عام 1934، والمنتخبات المشاركة وأهم ما ميز البطولة التي عاد تاجها لمنظم البطولة المنتخب الإيطالي. في الثامن أكتوبر 1932، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم اختيار إيطاليا لاستضافة نهائيات كأس العالم 1934 على حساب فرنسا، لأسباب سياسية محضة. اختيار إيطاليا أحدث فتنة اختيار ايطاليا لاحتضان الدورة الثانية، أحدث فتنة كبيرة وسط أعضاء الاتحاد الدولي لكرة القدم، خاصة بعد قرار بطل العالم غيابه عن البطولة، إذا لم يتم نقل البطولة إلى بلد آخر. وحجة الأورغواي بمقاطعتها للدورة الأولى يعود بسبب مقاطعة ايطاليا البطولة الأولى، وهددت ليس بمقاطعتها للبطولة فحسب بل تجميد عضويتها في »الفيفا«. موسيليني وراء إقامة البطولة في إيطاليا تقول مصادر مؤرخة إن اختيار إيطاليا لاحتضان الدورة الثانية، يعود إلى الرئيس الإيطالي موسيليني، زعيم الفاشية والإمبريالية. فقد كان الزعيم الفاشي موسوليني بأطروحاته المتطرفه يوفر المبررات الكافية لإثارة حفيظة الاتحاد الدولي، خصوصاً أن موسوليني لم يتردد لحظة في الإعلان عن تطلعه إلى استغلال استضافة ايطاليا للنهائيات لخدمة توجهاته السياسية. تصفيات لبلوغ النهائيات على عكس البطولة الأولى التي لعبت بدون مقابلات تصفوية، فإن البطولة الثانية التي جرت بإيطاليا، فقد خضعت العديد من الفرق المشاركة في البطولة إلى مباريات تصفوية من أجل حضور العرس العالمي الذي أقيم في إيطاليا 1934. الطريق إلى إيطاليا إلى جانب إيطاليا التي تأهلت على حساب اليونان والولاياتالمتحدة شاركت البرازيل على حساب بيرو والأرجنتين على حساب تشيلي والسويد بعد فوزها على استونيا 6/2 وعلى ليتوانيا 2/صفر واسبانيا بعد فوزها على البرتغال 9/0 و2/1 والمجر والنمسا بعد فوزهما على بلغاريا 4/1 و4/1 و6/1 على التوالي، كما تأهلت تشيكوسلوفاكيا بعد فوزها على بولندا 1/صفر وتعادلهما 0/0 وتأهلت عن المجموعة العاشرة رومانياوالسويد بعد تعادل السويد مع يوغسلافيا ورومانيا بنتيجة 2/2 وفوز رومانيا على يوغسلافيا 2/1، كما تأهلت عن المجموعة الحادية عشرة هولنداوبلجيكا بعد فوز هولندا على ايرلندا 5/2 وعلى بلجيكا 4/2 وتعادل بلجيكا وايرلندا 4/4 ومن المجموعة الثانية عشرة تأهلت فرنساوألمانيا بعد فوز ألمانيا على لوكسمبورغ 9/1 وفرنسا على لوكسمبورغ 6/1. تخوف غريب في حادثه ما زالت فريدة من نوعها قرر مسؤولو الاتحاد الأرجنتيني إرسال فريق متكامل الصفوف إلى نهائيات إيطاليا بسبب احتمال عدم عودة النجوم الكبار إلى الأرجنتين بعد انتهاء البطولة مفضلين الانضمام إلى الأنديه الإيطالية الغنية، ودفع المنتخب الأرجنتيني مشاركته بلاعبين من الآمال والأواسط والمغمورين الثمن غالياً عندما ودع البطولة من دورها الأول. تعديلات في خدمة الطاليان قبل انطلاقة البطولة بستة أشهر وبضغوطات من الرئيس الإيطالي موسيليني، أدخل الاتحاد الدولي للعبة قوانين الهجرة لتسمح للاعبين المقيمين في إيطاليا من الجنسيات المختلفة بالاشتراك مع فريقها، والطريف أنه كان ضمن المنتخب الإيطالي أحسن ثلاثة لاعبين من منتخب الأرجنتين، ساهموا بنسبة كبيرة في فوز إيطاليا باللقب العالمي. إلغاء دور المجموعات في هذه الدورة تم إلغاء دور المجموعات، فعلى عكس النظام الذي أجريت به البطولة الأولى - والبطولات الحالية - بتوزيع المنتخبات إلى مجاميع تلعب مبارياتها بطريقة الدوري من مرحلة واحدة وهو النظام الذي وضعه الفرنسي روبير جيران أول رئيس للاتحاد الدولي لكرة القدم قررت اللجنة المنظمة للبطولة الثانية توزيع المنتخبات الستة عشر إلى ثمانية ثنائيات تلعب بطريقة خروج المغلوب وهو نظام غريب وغير عادل لأن منتخبات جاءت من أقصى الأرض وقطعت آلاف الكيلومترات ودعت البطولة بعد أن خاضت مباراة واحدة فقط. ممثل آسيا وإفريقيا وجها لوجه شارك في التصفيات عن القارتين الإفريقية والأسيوية منتخب من كل قارة مصر وفلسطين، الأمر الذي اضطر الاتحاد الدولي إلى إجراء لقاء فاصل بين المنتخبين لاختيار أحدهما للمشاركة في الدورة الثانية. لقاء الذهاب الذي جرى في العاصمة المصرية القاهرة انتهى بفوز ساحق للفراعنة 6/1، مواجهة لإياب التي جرت بالقدس المحتلة جسد فيه المنتخب المصري تفوقه وعاد من فلسطين بفوز ساحق 4/1، ليضمن بلوغه دورة ايطاليا من الباب الواسع. تصفيات منطقة أمريكا الشمالية. شهدت منطقة أمريكا الشمالية مشاركة ثلاثة منتخبات، ويتعلق الأمر بكل من المكسيك وتاهيتي وكوبا، وقد قرر الاتحاد الدولي مشاركة منتخب واحد عن هاته المنقطة، حيث لعبت بطولة مصغرة بين هاته المنتخبات، وكما كان منتظرا كسب منتخب المكسيك ورقة عبوره إلى إيطاليا بعد أن فاز على كلا المنتخبين. من غرائب البطولة الثانية من بين الأحداث الغريبة جدا جدا التي حفلت بها البطولة الثانية، هو وصول منتخب الولاياتالمتحدةالأمريكية للمشاركة في البطولة، رغم أن التصفيات كانت قد انتهت وحدد أسماء وهوية المنتخبات ال16 المشاركة في دورة إيطاليا. وجاءت مشاركة المنتخب الأمريكي في التصفيات بعد إرساله بطلب إلى الاتحاد الدولي للعبة »الفيفا«، لكن الاتحاد الدولي تجاهل الطلب الأمريكي، ولم يدرج منتحب الولاياتالمتحدة في التصفيات، الأمر الذي حذا بالحكومة الأمريكية بعد موافقة اتحاد الكرة في هذا البلد بإرسال منتخبها الأول، الأمر الذي وضع اللجنة المنظمة للبطولة في حرج شديد. المكسيك ... كبش الفداء والمنتخب الأمريكي آخر المتأهلين شكل وصول المنتخب الأمريكي إلى إيطاليا للمشاركة في البطولة، عبئا ثقيلا ليس على اللجنة المنظمة للبطولة فحسب بل على رئيس الاتحاد الدولي للعبة الفرنسي جون ريمي. وبعد تفكير تم اقتراح فكرة التخلص من الفريق ال17، وتقرر »لأسباب جغرافية« أن تلعب المكسيك مباراة إضافية مع جارتها الولاياتالمتحدة وفاز الأمريكان 4/2. بداية حمى كأس العالم بعد تأكد مشاركة 22 منتخبا في التصفيات المؤهلة للبطولة الثانية، وصف رئيس الاتحاد الدولي للعبة الفرنسي جون ريمي، أن دخول 22 منتخبا البطولة من بوابة التصفيات، يعد انتصارا كبيرا لكأس العالم، وضربة موجعة لكل من كان يعمل إما في الخفاء أو في العلنية لتكسير شوكة المونديال، خاصة أولئك المقربين من اللجنة الأولمبية، حيث لم يتقبل أعضاء هاته اللجنة تأسيس كأس العالم، بعد أن كانت تصف مباريات كرة القدم في الأولمبياد بمثابة كأس العالم، لكن الضربة جاءتها من حيث لم تكن تتوقع، بعد أن باتت هاته اللعبة تستوهي الكثيرين في مختلف المعمورة، ووصلت ذروة شعبيتها قبل انطلاقة مونديال إيطاليا. أسماء منتخبات الدورة الثانية شارك في البطولة 16 فريقا ويتعلق الأمر بكل من: مصر إيطاليا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا والنمسا وأسبانيا وسويسرا والسويد والمجر وأمريكا ورومانياوبلجيكا، وفرنسا والبرازيل وهولندا والأرجنتين. قرعة البطولة أسفرت قرعة الدور ثمن النهائي التي جرت في العاصمة الايطالية روما بإشراف رئيس »الفيفا« الفرنسي جون ريمي على المباريات التالية: المجر _ مصر السويد - هولندا سويسرا _ هولندا اسبانيا _ البرازيل ألمانيا _ بلجيكا النمسا _ فرنسا تشيكسلوفاكيا _ رومانيا إيطاليا _ الولاياتالمتحدةالأمريكية صيف إيطاليا يتحول إلى شتاء بارد ومثلج قبل انطلاقة البطولة بيومين، انقلب الجو بإيطاليا، فبعد أن كان الطقس ربيعيا ودرجة الحرارة فصلية تترواح مابين ال18 و22 درجة، وإذا بعاصفة باردة قادمة من القطب الشمالي تهب على إيطاليا والبلدان المجاورة لها، حولت نهاية فصل الربيع إلى فصل شتاء بارد جدا، حيث هبطت درجة الحرارة إلى مادون الصفر، مع نزول أمطار غزيرة وثلوج حولت جمال المدن الإيطالية التي اختيرت لاحتضان بعض من مباريات البطولة إلى أجواء مكفرة، وأثر إلى حد كبير على حفل الافتتاح وبعض المباريات. لكن لحسن الحظ أن تلك الموجة الباردة سرعان مازالت بعد مرور ثلاثة أيام عن انطلاقة البطولة، وعادت الأجواء الربيعية، الأمر الذي أنقذ البطولة من الفشل، وهو الأمر الذي كان يثير مخاوف رئيس الاتحاد الدولي للعبة الفرنسي جون ريمي، خاصة وأن الرئيس الإيطالي زعيم الفاشية في تلك الحقبة »موسيليني كان يراهن أن تبقى الكأس العالمية في بلاده لا لشيء وإنما خدمة لتوجهاته المتطرفة، لكسب المزيد من حب الجماهير الإيطالية لتحقيق مسعاه الإمبريالي«. حفل الافتتاح .... موسيليني »هنا يجب أن تبقى الكأس« في تمام الساعة الرابعة من زوال يوم 24 ماي 1934 وبالملعب الأولمبي بروما الذي لا يزال شاهدا إلى حد اللحظة، أعلن عن افتتاح البطولة الثانية أمام حشد كبير من الجماهير والعديد من الشخصيات السياسية البارزة في تلك الحقبة، يتقدمهم الرئيس الإيطالي موسيليني، وقبل أن تعطى له الكلمة لإلقاء بعض الكلمات على الحضور، تقدم إلى المنصة رئيس »الفيفا« جون ريمي ورحب بالحاضرين، متمنيا للبطولة التوفيق والنجاح وأن تكون أحسن من سابقتها الأولى التي وصفها بالتجربة الناجحة. لكن إذا كان جون ريمي قد تقدم بكلمات ترحيبية فإن الرئيس الايطالي موسيليني، راح مباشرة يقول إن الهدف من إقامة البطولة بأرضه هو الفوز بها، وراح يقول وهو يشير بكلتا يديه»هنا يجب أن تبقى الكأس العالمية". كلمات موسيليني والتي رددها أكثر من مرة، لاقت ترحيبا من أبناء بلده الايطاليين الذين غصت بهم مدرحات ملعب روما، كيف لا وان رئيسهم إذا وعد وفى، فمن البديهي أن لا تخرج الكأس العالمية من أرضهم وأن يحوز عليها منتخب بلادهم مهما كانت قيمة وقوة المنافسين، المهم الفوز ولا شيء آخر، وهو الذي حدث فعلا في نهاية البطولة، وهو ما سنتوقف عنه بأكثر تفاصيل في حلقة يوم غد بإذن اله تعالى. تطالعون في الحلقة القادمة: طريق إيطاليا إلى منصة التتويج، إضافة إلى أهم الأرقام والحقائق التي شهدتها البطولة الثالثة. العمود وأرقام من البطولة * تعد دورة إيطاليا 1934 أول بطولة تلعب في غياب البطل، منتخب الأورغواي. * المرة الأولى والأخيرة يشارك فيها منظم البطولة في التصفيات. * إذا كانت الدورة الأولى اقتصر فيها التنافس على منتخبات القارة الأوروبية والأمريكية، فإن البطولة الثانية التي نحن بصدد الحديث عنها، شارك فيها 32 منتخبا في التصفيات. * شارك المنتخب الفلسطيني في تصفيات البطولة الثانية، لكنه أقصي على يد المنتخب المصري. * استضافت إيطاليا بطولة كأس العالم 1934 من 27 ماي إلى 10 جوان. * تُعتبر النسخة الثانية من بطولة كأس العالم أول دورة تُلعب بها تصفيات مؤهلة. فشارك في تلك التصفيات 32 منتخباً. * يعتبر الحكم المصري يوسف محمد، أول حكم عربي في نهائيات كأس العالم. * أدار اللقاء الفاصل بين المنتخبين الأمريكي والمكسيكي الحكم يوسف محمد، المباراة التي جرت يوم 24 ماي 1934 أي قبل ثلاثة أيام من انطلاق البطولة. * جاء هذا الإعلان بعد ثمانية اجتماعات مطوله، ولم يتفاجئ الكثيرون في تلك الفترة بإسناد ايطاليا احتضان الدورة الثانية. * كاد إلقاء الفاصل بين المنتخبين الأمريكي والمكسيكي أن يخرج عن إطاره الرياضي، بسبب الخشونة الكبيرة التي تعمدها لاعبو المنتخب الأمريكي، الأمر الذي أثار استياء الإدارة المسيرة للمنافسة. * فور انتهاء اللقاء الفاصل تقدم الاتحاد المكيكسي بشكوى لدى الاتحاد الدولي بحجة تعرض لاعبي منتخبهم إلى خشونة كبيرة من طرف اللاعبين الأمريكيين. * رفضت »الفيفا« الشكوى المكسيكية وتم ترسيم نتيجة اللقاء 3/2، ليتحول لاعبو المكسيك من مشاركين في البطولة إلى متفرجين، وهم الذين قطعوا آلاف الكيلومترات بحرا من أجل المشاركة في النهائيات بعد أن كبوا ورقة المشاركة في المباريات التصفوية. * وصف رئيس الاتحاد الدولي آنذاك الفرنسي جون ريمي مشاركة إفريقيا وآسيا في تصفيات المونديال الثاني بمثابة خطوة عملاقة لتحقيق الأهداف المرجوة من خلال إقامة منافسة كروية تجمع بين جميع قارات العالم.