تحدثنا بما فيه الكفاية عن البطولة السادسة التي جرت في السويد وعاد تاجها للمنتخب البرازيلي لأول مرة في تاريخه، بفضل العبقري والأسطورة الخالدة بيليه، الذي خاض أول بطولة عالمية، كما كانت نهايتها رائعة بحصوله ليس على لقب البطولة بل كظاهرة كروية أذهلت التقنيين والفنيين. بيليه حتى وإن فاز بالكأس العالمية الموالية إلا أنه شارك في لقاء واحد فقط بعد تعرضه لإصابة خطيرة في أول مباراة الافتتاح أمام المكسيك. في هذا العدد سنتوقف عند أهم المحطات التي سبقت انطلاقة البطولة، كما سنتعرف على دخول المنتخبين المغاربيين تونس والمغرب لأول تصفيات المونديال. كأس العالم تعود في القارة الأمريكية بعد غياب 12 سنة كاملة استعادت القارة الأمريكية هيبتها التي فقدتها في نهاية الخمسينيات إثر حرمانها من استضافة البطولة السادسة، والتي مُنح حق استضافتها لدولة السويد. فآخر مونديال جرى في القارة الأمريكية كان في دولة البرازيل عام 1950، والذي عاد تاجها إلى منتخب الأورغواي بفوزه في اللقاء الأخير على البرازيل، بهدفين لواحد. شعار البطولة من خطاب شعار البطولة مأخوذ من مقولة رئيس اتحاد الشيلي لكرة القدم: »ليس لدينا شيء، ولذلك يجب أن يكون لدينا كأس العالم«. وقال هذه العبارة بعد أن هددت »الفيفا« بسحب حق تنظيم البطولة من الشيلي إثر الزلزال المدمر الذي ضرب هذا البلد قبل سنتين من إقامة البطولة، ليأخذ كلام رئيس اتحاد الشيلي لكرة القدم فيما بعد شعارا للبطولة. تحديات مما لا شك فيه أنه كان أمام شيلي الكثير من العمل لتقوم به قبل البطولة سواء بحشد شعبها لذلك الحدث العالمي أو بناء ملاعب البطولة من الصفر، إلى جانب إنشاء الطرق السريعة ووسائل النقل والاتصالات، وبمجرد أن بدا كل شيء جاهزا لاستقبال كأس العالم. من السويد إلى الشيلي مباشرة بعد أن تسلم قائد المنتخب البرازيلي كأس العالم بالسويد بدا العد العكسي للبطولة الموالية، والتي أقيمت في الشيلي، وفق تناوب القارتين الأمريكية والأوروبية على استضافة المونديال. اختيار الشيلي تم قبل مونديال السويد اختيار تشيلي لتنظيم العرس الكروي العالمي في نسخته السابعة، تم سنتين قبل مونديال السويد، وهذا خلال اجتماع الاتحاد الدولي »الفيفا« الذي عُقد عام 1956 في العاصمه البرتغاليه لشبون. دهشة وغرابة أثار اختيار دولة الشيلي لاحتضان المونديال السابع دهشة الكثيرين، فهذه الدولة القابعة في الجنوب الغربي لقارة أمريكا الجنوبية كان ينقصها الكثير حتى تستحق شرف تنظيم هذه البطولة، فقد لوحظ النقص الواضح في الملاعب والفنادق، وأيضا في الطرق ووسائل المواصلات. "الفيفا" تصحح خطأها بخطأ آخر! يرى العارفون بشأن المونديال وما يدور في كواليسها آنذاك، أن اختيار دولة الشيلي لاحتضان البطولة السابعة هو محاولة من الاتحاد الدولي لكرة القدم تصحيح الخطأ الجسيم الذي ارتكبته هذه الهيئة لعدم احترامها للاتفاق الذي تم في مؤتمر لوكسمبورغ على تناوب القارتين الأمريكية والأوروبية لاحتضان المونديال بعد اختيار السويد لإقامة البطولة السادسة في وقت كان من المقرر أن تقام هذه البطولة في دولة أمريكية. ولإرضاء الدول الأمريكية تم اختيار الشيلي قبل ست سنوات عن الموعد المقرر للدورة السابعة أن تحتضنها. الأرجنتين والشيلي تقدمتا لاحتضان المونديال السابع تقدمت كل من الأرجنتين والشيلي لاحتضان المونديال السابع الذي تقررت إقامته في مطلع صائفة عام 1962. والجميع رشح الأرجنتين لاحتضان العرس العالمي، خاصة وأن هذا البلد كان قد حُرم من هذا العرس بأرضه عام 1938، حين مُنح حق التنظيم لفرنسا، الأمر الذي أغضب الأرجنتين، فقررت مقاطعة البطولة الثالثة، وقد تضامنت معها العديد من المنتخبات الأمريكية. حملة دعائية للشيلي أفسدت ملف الأرجنتين قامت الشيلي على مدار السنتين التي تقدمت إلى الفيفا بملف احتضان البطولة السابعة، بحملة ترويجية ممتازة بلغت أوجها خلال التقديم الرائع لكارلوس ديتبورن رئيس الاتحاد الشيلي لكرة القدم لملف بلاده لطلب استضافة كأس العالم خلال انعقاد مجلس الاتحاد الدول لكرة القدم (الفيفا) عام 1956. وقابل هذه الحملة ركود شبه تام من الأرجنتين، الأمر الذي أفسد ملفها المقدم إلى الفيفا. هذا ما قاله ممثل الأرجنتين لأعضاء الفيفا خلال مؤتمر لشبونة المنعقد عام 1956 وهذا لاختيار البلد الذي سيحتضن المونديال السابع، أعطيت الكلمة في بداية الأمر إلى ممثل الأرجنتين. ومما قاله في تلك الجلسة: »لدينا كل شيء، بوسعنا تنظيم كأس العالم غدا«. كلام ممثل الشيلي *******حم كبريا******** الأرجنتين بعد الانتهاء من كلمة ممثل الأرجنتين أعطيت الكلمة لممثل الشيلي كارلوس ديتبورن، الذي كان يشغل رئيس الاتحاد الشيلي لكرة القدم. رئيس الشيلي لم يصدق أن بلاده فازت بحق تنظيم المونديال السابع مما يُحكى عن رئيس الشيلي بعد توصله لخبر اختيار بلاده لاحتضان البطولة العالمية السابعة، تعجب من هذا الاختيار، إذ كان يظن أن الجارة الأرجنتين هي التي ستفوز بحظ التنظيم الذي تم في مؤتمر لشبونة عام 1956. وقال في اجتماع لأعضاء حكومته: »لقد وصلتني أخبار من لشبونة تقول أن كأس العالم ستقام بأرضنا، فهل هذا صحيح؟«، فابتسم بعض وزراء حكومته ورد وزير الشباب والرياضية لرئيس الجمهورية: »نعم، كأس العالم السابعة ستقام عندنا بعد ست سنوات من الآن«. جهود كارلوس ديتبورن ولا يختلف اثنان على أن البطوله لم تكن لتقام على أراضي الشيلي لولا جهود رئيس الاتحاد الشيلي لإقناع الاتحاد الدولي وأعضائه بضرورة تنظيم النهائيات في بلاده رغم الزلزال. الموت حرم ديتبورن من حضور المونديال إلا أن كارلوس ديتبورن رئيس الاتحاد التشيلي لم يسعفه الحظ لمشاهدة البطولة، فقد وافته المنيه قبل البطوله بشهر. تغييرات جديدة في نظام البطولة كما كان منتظرا، قررت الاتحادية الدولية لكرة القدم »الفيفا« إدخال بعض التغييرات على نظام البطولة، خاصة في الأدوار النهائية، وذلك بعد الانتقادات اللاذعة التي وُجهت إلى أعضاء »الفيفا«؛ بسبب النظام المطبق في الدورتين الخامسة والسادسة، خاصة ذلك الذي يتضمن إجراء لقاء فاصل في حال التساوي في عدد النقاط. والنظام الجديد تضمّن ما يلي: * توزيع الفرق الستة عشر إلى 4 مجموعات وليس 4 فئات كما كانت التسميه في البطولات السابقة. * إلغاء الاحتكام إلى مباراه فاصلة في حالة التساوي في مجموع النقاط خلال الدور الأول، وتم الاستعانة عن هذا الأسلوب بالرجوع إلى فارق الأهداف في حالة تساويهم بالنقاط، فيما تم الاحتفاظ ببقية الإجراءات التي طُبقت في الدورتين الأخيرتين، والمتمثلة في ما يلي: أولا: مشاركة 16 منتخبا في الأدوار النهائية ثانيا: إعفاء منظم البطولة وحامل الكأس الأخيرة من المشاركة في التصفيات. ثالثا: تقسيم المنتخبات 16 المشاركة في الأدوار النهائية إلى أربع مجموعات، وكل مجموعة تضم أربعة منتخبات. رابعا: تقسيم المنتخبات في الدور الأول وفق النتائج التي حققها كل منتخب في التصفيات. خامسا: يخوض كل فريق في مجموعته ثلاث مباريات. سادسا: يتأهل الأول والثاني من كل مجموعه إلى الدور الثاني سابعا: بقية الأدوار تُلعب بنظام الكأس يجرى بخروج المغلوب. وتم الحفاظ على هذا النمط إلى غاية مونديال الأرجنتين عام 1978. سباق ضد الساعة خاضت دولة الشيلي على مدار الست سنوات التي سبقت انطلاقة العرس العالمي السابع، سباقا ضد الساعة من أجل إنجاح البطولة. ولم تخيب الشيلي ظن أعضاء الاتحاد الدولي، فقد نجحت في وقت قصير وبإمكانات محدودة، في بناء ملعب جديد كان جاهزاً للبطوله قبل انطلاقها بأيام وثلاثة ملاعب أخرى، سعة كل واحد 40 ألف متفرج، مع توسيع ثلاثة ملاعب أخرى. كما شيدت الشيلي أكثر من عشرة فنادق، خمسة منها ذات خمس نجوم، ومثلها ذات الأربع نجوم، مع ربط المدن التي اختيرت لاحتضان جانب من البطولة ببعضها البعض بالسكك الحديدية والطرق السريعة. الزلزال كادت فرحة الشيليين أن تتبخر باستضافة بلادهم العرس العالمي السابع النهائيات، عندما ضرب زلزال شديد الشيلي عام 1960، وراح ضحيته 7 آلاف شخص مع أضرار كبيرة بالمدن والمرافق العامة. اقتراح الأرجنتين لتعويض الشيلي وبما أن حجم الكارثة التي خلّفها زلزال عام 1960 الذي ضرب عمق دولة الشيلي كان كبيرا، كادت الأرجنتين أن تحل محل الشيلي في تنظيم النهائيات لولا الالتماس الذي قدمه رئيس الاتحاد الشيلي لكرة القدم إلى الاتحاد الدولي، وذكر فيه أن بلاده خسرت كل شيء ولا تملك شيئا، لذا وجب إعطاؤها شرف التنظيم. خطاب وجداني من رئيس جمهورية الشيلي وهدد الاتحاد الدولي بسحب تنظيم البطولة إلى أن تدخّل الرئيس الشيلي المعروف بشخصيته القوية، ليوجه نداء وجدانيا للفيفا لمنح بلاده جزءا بسيطا من هيبتها الدولية، وقال: »لم نعد نملك شيئا لذا نريد استضافة كأس العالم«. المغرب وتونس لأول مرة في تصفيات المونديال شكّل مونديال الشيلي الذي أقيم في صائفة عام 1962 نقطة تحول بالنسبة للكرة المغاربية، حيث لأول مرة، دخلت دولتان من المغرب العربي غمار التصفيات، ويتعلق الأمر بكل من تونس والغرب، لكن كلا المنتخبين لم يبلغ النهائي، وهو ما سنتعرف عليه في هذا العدد.