عرفت السنوات الأخيرة ولاية المسيلة تفشي عديد المظاهر الاجتماعية الدخيلة على الوسط الاجتماعي الحضني الذي كان في وقت قريب يطلق عليه اسم المجتمع المحافظ والذي يسير بالطريقة الإسلامية المبنية أساسا على احترام العادات والتقاليد، لكن الواقع الحي يثبت أن ما كان لم يعد كما كان، فدوام الحال من المحال، كما يقول المثل الشعبي في المنطقة، فالمتجول والمتأمل للتركيبة الديموغرافية بمنطقة الحضنة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بمنطقة أولاد نايل يرى أن شاب اليوم ابتعدوا عن عادات الأجداد بلباسهم الموضوي كما يطلق عليه والذي يخدش الحياء أصلا وهذا بسبب مظهره الذي يعبر عن أصالة غربية بعيدة كل البعد عن معالم الحضارة الإسلامية الفذة، هذا من جهة ومن جهة ثانية فالمرأة الحضنية التي كان يطلق عليها أنها عماد البيت الحقيقي وهي بحق مثال الحفاظ على العادات الموروثة الخالدة نلاحظ عليها اليوم أنها طبقت المثل القائل "خالف تعرف"، فالمرأة اليوم وبحكم التغيرات والعوامل المؤثرة في الذهنية البشرية قد انسجمت بحق على كل ماتقدمه لها الموضة، حيث نراها بذلك اللباس الذي يخدش الحياء ويطرح علامات الاستفهام وكذا يجلب الانتباه الفاضح لها، فهي اجتثت مظاهر العرف اللبق والجميل وأن تصل إلى معنى الموضة الغربية المراد الوصول لها، فالمرأة العصرية أو المجنونة بالموضة العصرية لاتأبه لتلك الصرخات وتلك المعاكسات التي تلقاها يوميا في الشوارع· ومن جهة أخرى يعكف شبابنا اليوم على استهلاك ماتقدمه القنوات الغربية من عروض، حيث نجدهم اليوم لا يلقون أدنى اعتبار لكل ما هو حشمة، من خلال طريقة الحلاقة التي يطلق عليها "بالهيب هوب" أو "المارينز"، وهنا من باب التعرف الصحفي لاغير حاولنا أن نأخذ ونعطي في الكلام مع بعض الشباب ممن يقبلون على هذا الأمر فكان جوابهم متقاربا إن لم يكن واحدا وهو الوقت فرض عليهم فعل هذا الشيئ، كما أن الشخص الذي لا يقوم بهذه الحلاقة أو غيرها من بعض الأمور ينظر إليه أنه شخص من طراز قديم، وهو الشيئ الذي لمسناه حقا عند بعض الشباب الذين لم يجدوا حرجا في التمسك بعادات بسيطة يرون فيها الراحة والطمأنينة بعيدا عن هذه المغالاة التي يقبل عليها الشباب اليوم· ومن دون شك فقد ساهمت عديد العوامل السيكولوجية والاجتماعية والثقافية وأخرى عوامل في تكوين هذه الظاهرة وطفوها على السطح الاجتماعي الذي كان في وقت قريب مثالا للحفاظ على القيم والمكاسب الموروثة من طرف الأجداد وكذا تعبيرا عن تمسك المجتمع الحضني بكل قيم الدين الحنيف، ومن بين ربما هذه العوامل التي ساهمت في خلق هذا التصور هو الإقبال المتزايد على القنوات الغربية التي خلقت نوعا من جمود التفكير بالمعنى الصحيح وأدت إلى غرس ثقافة الاستهلاك بدل الأخذ بكل شيئ إيجابي، أما النقطة الأخرى الجوهرية التي ساهمت في خلق هذا التحول هي عمليات "العصيان العرفي" لكل موروث قيمي من شأنه أن يخلق ثقافة الاحترام والتقدير لدى الغير، من خلال الابتعاد عن ما يريده الآباء ضمنيا في أشياء مقصودة بعينها لا الكل، فشباب وبنات اليوم رأوا في كل ما هو ماضي عقدة نفسية وقيدا يجرهم إلى الهزيمة الاجتماعية كما عبر عنه أحد الفلاسفة، ولاشك أن الأيام كفيلة بإعطائنا حقائق وتصورات جديدة لظواهر خفية قد تظهر في أي لحظة·