الملاية”، ميزة المرأة في الشرق الجزائري ورمز الأنوثة والحشمة، تحوّلت إلى ذكرى تحملها المسنّات في متحف ذكرياتهن، ولباسا تتفاداه الشابات بحجّة أنها وليدة زمن وسبب معيّنين زالت بزوالهما، وتراثا لا يعرف منه الجيل الحالي سوى اسمه المرتبط بدروس التاريخ “ المتجوّل اليوم في شوارع ولايات الشرق الجزائري يلمح نساء لا يميزّهن عن نساء باقي الولايات سوى اللهجة، بعد أن كانت الملاية تمثل “جنسية” المرأة السطايفية والڤالمية والقسنطينية وباقي نساء الشرق الجزائري. ورغم هذا، تجتهد بعض المسنّات في بعض هذه الولايات في المحافظة على هذا الإرث الثقافي والتاريخ، ومازلن يرتدين هذا الزيّ وبقي بعض الخياطين على العهد رغم قلّتهم وصعوبة الحصول على القماش الخاص بالملاية والذي غالبا ما يستورد. قسنطينيات بين رافضات للعودة لها وباكيات على أطلالها الملاية تطرق أبواب المتاحف تعد الملاية بمدينة الصخر العتيق من المميزات الأساسية للمرأة القسنطينية والمرتبطة بالبعد الروحي والتراث المعبّر عن هوية المنطقة منذ عشرات السنين، وتحمل آلاف الأشعار وموشحات المالوف في كثير من مقاطعها دلالات الملاية، مثل قصيدة “نجمة الظلمة” التي تغنى بها الفنان الكبير الحاج محمد الطاهر الفرڤاني، كما نجدها حتى في الأغاني التونسية، باعتبار أن قسنطينة تجمعها قواسم عديدة مع المالوف التونسي، وتأثر كل منهما بطريقة اللباس التقليدي الخاص بهما. وكان اللباس الأسود في ذلك العصر ينسب لنساء الشيعة، والدليل على ذلك محافظة كثير من نساء المشرق، على غرار سوريا وإيران، عليه إلى حد الساعة، وتأثرت نسوة قسنطينة به؛ فيما يذهب بعض المتابعين لتاريخ المدينة إلى القصة المتوارثة، والأقرب إلى الحقيقة هي الحزن الشديد على وفاة صالح باي، الذي حكم قسنطينة لمدة قصيرة، إلا أن فترة حكمه كانت مزدهرة، فارتدت النسوة الملاية تعبيرا عن تقديرهن له وكربهن بعد فراقه. ومن جهة أخرى، فإن الأمر الفاصل بين ملاية سطيف وملاية قسنطينة هو “العجار” (قطعة قماش توضع على مستوى الوجه وهو شبيه بالنقاب)، حيث إن عجار سطيف طويل، في حين أن القسنطيني يشمل الوجه فقط. وقد أدت الملاية دورا كبيرا أثناء الثورة التحريرية في التخفي من عيون الجيش والاستعماري والمعمّرين، وتسريب بعض الحاجيات المطلوبة من قبل رجال الثورة، على غرار الحايك العاصمي، حيث استعملت المرأة لنقل الأسلحة والوثائق ورسائل الفدائيين، لأن الفرنسيين كانوا لا يجرأون على تفتيش حقائب مرتديات الملاية. وضع الملاية حاليا لا يسر، لأن أغلبية القسنطينيات تخلين عنها بما فيهن المتقدمات في السن، ولا تراها في الشارع إلا قليلا جدا ترتديها الطاعنات في السن و”بلديات” قسنطينة اللواتي رفضن التخلي عنها. وأصبح ارتداؤها بالنسبة للفتيات ينمّ عن الفقر ويعبّر عن الطبقة التي تنتمي إليها الفتاة، كما أن بعض النسوة يرتدينها بغرض التسول. ولمعرفة مكانة الملاية لدى نساء قسنطينة، قامت “الفجر” باستطلاع آراء بعض من المواطنين، فأجمعوا على أنها اللباس أكثر حشمة للمرأة ويتماشى مع تعاليم القرآن، وشبيهة بالبرقع، فيما ذهب البعض الآخر إلى أنها لا تتماشى والموضة. وقالت لنا السيدة )نادية.ب(، متزوجة حديثا وحاصلة على شهادة ليسانس في الحقوق، إنها لا تحبذ لباس الملاية، لأنها باتت تقليدية جدا ومن الماضي، ولباسها لا يجعلها المرأة الأنيقة. من جهة أخرى، أكدت لنا لامية.ن، طبيبة، أن العصر لا يتماشى معها ولا يمكن العودة لها حتى لو أردنا ذلك، إلاّ أن اندثارها يشكل ضياع جزء كبير من تقاليد قسنطينة مع غياب الحوافز في لباسها. وأضافت أن مصممات الأزياء لم يجتهدن لوضع لمسات عصرية عليها. من جهة أخرى، خالتي موني وخالتي منيرة وجميلة ويمينه وزينب، أجمعن على أن الملاية مغروسة في أرواحهن، ورغم ارتدائهن للحجاب فإنها ما تزال محفوظة لديهن ويرتدينها في مناسبات عديدة، إلاّ أن الألبسة الدخيلة التي أصبحت تروج وجلها من سوريا والمغرب هي الأكثر اقتناء بالرغم من أنها تعبّر عن ثقافات الشعوب الأخرى في حين أن لباسنا طلّق من قبل الجميع. وردة نوري الملاية اختفت مع بروز الحجاب الڤالميات “شافو الضيف طلقوا صاحب الدار” الباحث اليوم عن أصول الملاية يجد صعوبة كبيرة في جمع المعلومات حولها لانعدام المصادر التي تفيد في هذا المجال، ولا يوجد عامل كبير وراء تراجع استعمالها، فالأمر لا يعدو أن يعود لعزوف عدد كبير من النساء الڤالميات عن هذا الثوب أو وفاة أغلبهن من اللواتي حافظن على ارتدائها. ولتقصي هذا الأمر، جابت “الفجر” شارع أعنونة، الكائن وسط المدينة القديمة، للبحث عن أصحاب المحلات التي كانت تختص في بيع وخياطة الملاية، وتمكّنا من لقاء الحاج بن محجوب، صاحب محل لبيع القماش، كان مختصا في بيع وخياطة الملاية التي ورثها أبا عن جد. الحاج بن محجوب أكد لنا أن هذا اللباس التقليدي لم يعد موجودا في السوق بسبب عزوف النسوة على ارتدائه وتفضيلهن الحجاب أو الجلابية المغربية أو السورية، التي تعد دخيلة على عادات وتقاليد الڤالميات.ويضيف الحاج بن محجوب أن هذا التغيير الذي طرأ على الڤالميات كان مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات مع نشأة الأحزاب الإسلامية، حينها تركت أغلب النسوة الملاية وارتدت بدلها الحجاب.ورغم ندرة هذا اللباس فيي السوق ووانحصار ارتدائه، إلا أننا وبعد جهد تمكّنا من العثور على امرأة تطل علينا بالملاية، في أول وهلة ظننا أنها عجوز ما زالت تحافظ على التراث القديم، إلا أن مفاجأتنا كانت كبيرة عندما عرّفتنا بنفسها وعمرها، إنها فتيحة، فتاة تقارب الأربعين من العمر، أكدت لنا أنها لم تجد حرجا في ارتداء الملاية، بل اعتبرتها تحديا في وجه الموضة، مضيفة “عندما أرتدي الملاية أجد راحة كبيرة كما تجنبني مضايقات الشباب، خلافا للأمر عندما أرتدي اللباس العصري”. الملاية كانت رمزا للهمة والحشمة والسترة، رغم لونها الأسود، إلا أن هذا الثوب كان له احترامه الكبير آنذاك، ولبسته كل نساء الشرق الجزائري إلى غاية نهاية الثمانينيات، ليعرف تراجعا كبيرا مع التغير الذي عرفته بلادنا، حيث عوض هذا الإرث الحضاري التاريخي بالحجاب والجلابية والعباءة وغيرها من الأزياء المغربية والخليجية، التي تفضل الڤالميات ارتداءها اليوم، بدعوى أنها عملية، فيما تخلين عن “الملاية” لأنها زي غير عملي حسب رأيهن، ولم يعرف أي تطوير في التصميم. ولو توقفنا لوهلة وحدقنا النظر في عادات وتقاليدنا اليوم، لوجدنا أن نساء ڤالمة قد تخلّين عن كل شيء يذكّرهن بالماضي العريق، وتقاليد الآباء والأجداد الذي ضربوا به المثل للعدو قبل الصديق، بل إن أكثرهن يعتبرن مثل هذا التراث تخلفا وعودة إلى الوراء. مسعود مرابط لإبعاد سوء الطالع عنها أخذ العروس للملاية في جهازها ممنوع بالطارف ما تزال الملاية في الطارف محافظة على مكانتها وما تزال الطارفيات متمسكات بارتداء السوداء منها، حسب ما أفادت به العديد من النسوة، استطلعت “الفجر” آراءهن حول الملاية. والملاية، كما نعرفها اليوم، عبارة عن رداء أسود يلف المرأة من رأسها إلى أسفل قدميها، مع العلم أن المرأة الطارفية كانت ترتدي الحايك الأبيض. ويتم إعداد الملاية انطلاقا من قطعة قماش سوداء اللون طولها ما يقارب ال 12 ذراعا، بالإضافة إلى قطعة القماش البيضاء التي تضعها المرأة على وجهها وتعرف باسم “العجار”. وفيما يخص طريقة ارتداء الملاية السوداء لدى نساء الطارف، فليس هناك أسهل منها ولا أسرع، فبعد أن يتم شد الجزء الخارجي حول رأس المرأة، يلقى الجزء الباقي بطريقة يطلق عليها الرمية، حيث يلقى الجناح الأيمن ثم الأيسر وراء الكتف مع شدهما بمساكتين، وتترك شقة واسعة في الوسط تسمح بتحريك الذراعين بكل حرية. ومن العادات الطارفية المرتبطة بالملاية، نهي الفتاة المقبلة على الزواج عن وضع الملاية ضمن جهازها، الذي يعرف باسم “الشورة”، وذلك من أجل إبعاد سوء الطالع عنها. وفي الشورة نجد مختلف أنواع الأقمشة والألبسة الفاخرة والعطور وغيرها من الأشياء التي تأخذها العروس إلى بيت زوجها والتي تكون قد قضت سنوات طويلة في جمعها، أما الملاية فلا تشتريها المرأة إلا لاحقا. ومهما يكن من أمر، تعتبر الملاية جزءاً من تاريخ المجتمع الطارفي، فهي في نظر علماء الاجتماع والمهتمين بتطور المجتمع الجزائري ككل آخر القلاع التقليدية الصامدة في وجه زحف الحداثة ومظاهر العصرنة، خاصة وأن العديد من الألبسة التقليدية تبدو غير قادرة على مقاومة الغزو الثقافي والعولمة، وهي الآن مهددة بالزوال. أما بالنسبة لعشاق العتيق والماضي الجميل، لا يجوز إطلاقا تضييع فرصة مشاهدة سيدة مارة في شوارع الطارف وهي ترتدي الملاية السوداء، فمشاهدة هذا المنظر كمن يشاهد مذنبا يمر بالقرب من الأرض. حمزة خلاف بحجة أنها لباس غير شرعي “الملاية” في سطيف تندثر في صمت اشتهرت ولاية سطيف منذ سنوات طويلة بلباس “الملاية”، غير أن هذا اللباس التقليدي الذي ترك بصمة واضحة في تاريخ المنطقة بدأ في الزاول والاندثار، وأصبح من النادر أن تصادف امرأة ترتدي ملاية، حيث عصفت رياح الموضة بفتيات اليوم اللائي أصبحن يرتدين أرقى أنواع اللباس، من حجاب عصري وجلباب، وغيره من الألبسة الحديثة أثناء الخروج من المنزل للتسوق أو للعمل أو الدراسة. ويعود ظهور الملاية بولاية سطيف، حسب الجدة الطاوس، إلى ما قبل الحقبة الاستعمارية، وبالضبط في عهد الأتراك، فترة حكم صالح باي، الذي كان يحكم المنطقة الشرقية بالجزائر، حيث ساد بعد وفاته نوع من الحزن في منطقة قسنطينة وضواحيها، وتعبيرا عن ذلك الحزن ارتدت أغلب نساء الشرق الجزائري لباسا أسود. واستمر ذلك اللباس لمدة طويلة، ثم انتشر هذا اللباس الأسود إلى غاية وصوله إلى ولاية سطيف، غير أنّ خياطته اختلفت عن الملاية القسنطينة، حيث تمت خياطته على شكل الفستان السطايفي الذي يعرف محليا “ببنوار شرب الزدف”، وأصبحت السطايفية تتباهى بهذا اللباس الجديد. وبقيت المرأة السطايفة محافظة على الملاية، إذ كان من العيب على المرأة أن ترتدي غيرها أو العجار، وفي سنوات التسعينيات ومع التعددية الحزبية وظهور الأحزاب الإسلامية، بدأ انتشار اللباس الشرعي المتمثل في الحجاب والجلباب، وترسخت فكرة بأن الملاية ليست لباسا شرعيا، وبدأت الملاية تتلاشى شيئا فشيئا إلى غاية اليوم، حيث أصبح نادرا ما نشاهد امرأة ترتدي الملاية. وعن نظرة فتيات اليوم إلى الملاية، اعتبرت ليندة - وهي شابة متخصصة في التجميل والحلاقة - الملاية من تقاليد وعادات المرأة السطايفية، غير أنها لا تعتبر اللباس الشرعي، ولا يمكنها بأي حال من الأحوال أن ترتدي هذا اللباس، الذي يوحي بالحزن. عيسى لصلج اتخذها المجاهدون وسيلة لتنفيذ العمليات الفدائية الملاية العنابية إلهام للرسامين التشكيليين تعتبر الملاية العنابية من أبرز معالم الزي العنابي الأصيل واتخذ أغلب الرسامين التشكيليين والسينمائيين الملاية التي لازمت المرأة العنابية إلى حقبة معينة من الزمن في ترحالها كدلالة سيميولوجية لتصوير عمق الحياة الشعبية في أعمالهم الفنية، حيث كانت مصدر إلهام كل من الشعراء المبدعين في محاولة منهم لنقشها في الذاكرة، خاصة في ظل غزو الموضة والعصرنة وانفتاح السوق على الأزياء القادمة من مختلف البلاد العربية التي بدأت تعصف بها. وحسب العجوز راضية المنحدرة من المدينة القديمة “بلاس دارم”، فإن هذا الزي التقليدي كان في الزمن الماضي يعبر عن حشمة وحياء المرأة، حيث كانت المرأة العنابية تتزين بالملاية وبعض اللواحق الأخرى مثل “العجار” ذي اللون الأبيض الناصع. وتضيف محدثنا أن الملاية كان لها دور فعال في إنجاح الثورة، حيث كان المجاهدون يعتمدون على هذا الزي في تحويل السلاح أو تنفيذ بعض العمليات الفدائية وسط مدينة عنابة. أما في وقتنا الراهن، أصبح حضور الملاية يقتصر على بعض اللوحات الفنية والأفلام الجزائرية التي تدور أحداثها في الجهة الشرقية للوطن وكذلك في بعض المتاحف الوطنية التي خصصت للزي التقليدي أو عند الفرق الفلكلورية التي تحاول إبراز أصالة الملاية العنابية من خلال اللوحات الفنية التي تعرض في بهو قصر الثقافة، خاصة أن الملاية كانت تحظى باهتمام كبير من قبل العائلات العنابية التي كانت تعدها من بين الأشياء الثمينة التي تحتفظ بها العروس بعد وفاة أمها لتنقل بعدها إلى الأحفاد نظرا لأهميتها الاجتماعية وتعد و”جالبة خير لكل دار” حسبما قاله أحد المهتمين بالتراث بالولاية.