من العادي أن يرّوج كلّ تاجر لسلعته، وأن يحاول إقناع زبونه بكل الوسائل ليشتري منه، لكن ليس إلى درجة أن يتحوّل إلى ميكانيكي أحيانا وإلى طبيب أحيانا أخرى، فينصح ويرشد بما ليس له فيه علم· مصطفى مهدي لا يكتفي بائعو "الدلالات" والأسواق الشعبية بدعوة المواطنين، رافعين أصواتهم، إلى أن يشتروا منهم، واصفين سلعهم بكل الصفات المغرية، التي تجعل المواطن، وإن لم يشترّ منها، فإنه يقف عندها، وربما يتفحصها، وقد يقرر أن يعود ثانية لشرائها، خاصة إن راح البائع يشهر بها، ليس بتناول فعاليتها أو مفعولها عرضا، ولكن بالتحدث عن تفاصيل قد تتجاوزه، وهو الأمر الذي لاحظناه ونحن نمر من سوق بومعطي، الذي راح بعض التجار يبيعون فيه سلعا متنوعة، أو باختصار كل شيء، ملابس، أحذية، قطع غيار سيارات، مأكولات، مواد تجميل، ألعاب أطفال، وكلّ ما يبحث عنه المواطن بأسعار زهيدة يعثر عليه· - لفت انتباهنا في البداية شجار بين بائع وزبون، وعندما اقتربنا اكتشفنا أن الأمر يتعلق بخصومة حول قطعة غيار باعها له، مؤكدا أنها يمكن أن تستعمل في السيارة الفرنسية التي يملكها الزبون، رغم أن قطعة الغيار تلك وهي "هوائية المحرك" من طراز ألماني، وعندما اشتراها المواطن وذهب بها إلى الميكانيكي، قال له هذا الأخير إن لا علاقة لها بسيارته، فعاد المواطن إلى البائع، والذي لم يوافق على أن يعيد له أمواله، بحجة أنه متأكد من أن تلك القطعة صالحة لسيارته، رغم أنه لم يدرس ميكانيك السيارات ولم يعمل ميكانيكيا ولا شيء، ولكنه، يقول، بحكم الخبرة التي اكتسبها في تجارة قطع الغيار· مواطنون آخرون يضعون ثقة عمياء في هؤلاء التجار، ولا يكتفون باقتناء سلعهم، ولكنهم يتخذون نصائحهم على أنها وصفات طبية، مثلما وقع لابراهيم، والذي اشترى "كريمة" لتبيض البشرة، من أحد الباعة الفوضويين، والذي اختص في بيع مواد التجميل، ويقول لنا إبراهيم إنه وثق في البائع الذي قال له إن الكريمة أحضرها من أوروبا، وأنها باهظة الثمن في الصيدليات وفي محلات بيع مواد التجميل، وإنها فعالة في جعل البشرة ناعمة وبيضاء، ولكن مالم يقله له، أو مالم يكن يعلمه ذلك البائع الذي تحوّل إلى طبيب وإلى صيدلي أن تلك الكريمة ليست صالحة لكل أنواع البشرة، وإن كان البائع جشعا فإن إبراهيم وصف نفسه بالأحمق، حين صدق أمر تلك الكريمة السحرية فكان أن تعرض الى ندبات تشبه الحروق، اتجه بعدها مباشرة إلى طبيب الأمراض الجلدية· أمّا باعة الملابس، فقد تحوّلوا بدورهم إلى مصممي أزياء، حيث أن قطع الملابس التي يبيعونها لابدّ أن تكون ذات جودة عالية، بل لابدّ أن تكون نوعيتها الأفضل في السوق وأسعارها الأفضل، هو ما يقوله لك كل بائع ملابس في تلك الأسواق، حتى ولو كان يعلم علم اليقين أن ذلك ليس صحيحًا، لكنه يبقى يقترح على الزبون ما يرتديه، وإن كانت هذه القطعة أو تلك تلائمه، وقد يذهب إلى أبعد من ذلك، فيحاول أن يبيعه طقما كاملاً، فبعد أن يبيعه حذاء يقنعه بأن يشتري قميصا يلائم الحذاء، وهكذا، ولعلّ الزبائن الذين اعتادوا ارتياد أسواق "الدلالات" ألفوا هذه الطريقة في التعامل، لكن هذا لا يمنع أن هناك بائعين لا يفعلون ذلك، بل يكتفون بأن يعرضوا سلعهم، ولكل طريقته في جلب الزبائن·