لقد مسّت التكنولوجيا الحديثة كلّ الميادين، وصرنا لا نكاد نستغني عن بعض الوسائل، كنا إلى وقت قريب لا نؤمن بأنها يمكن أن تتحول إلى ضرورة قصوى، وفي انتظار أن تصبح معاملاتنا كلها تتم رقميا، فقد أسس البعض مواقع إلكترونية، ربما قد تجعلنا خلال السنوات القليلة القادمة نستغني عن الأسواق التقليدية نهائيا. كنا نتصفح شبكات الأنترنت عندما دخلنا موقعا، وبالصدفة، لجزائريين قاموا بإنجازه، وهو ما اكتشفناه بمجرد زيارتنا له، حيث كان مزينا بالألوان الوطنية، بل كانت توجد صور لمباريات الفريق الوطني، مأخوذة من المونديال، أو من الكأس الإفريقية الأخيرة، لكن الموقع كان أبعد ما يكون عن الموقع الرياضي، كان عبارة عن مجموعة من الإعلانات، بيع وشراء وتبادل وغيرها، هي الصفحات التي كانت مقترحة على المتصفحين زيارتها، وعندما جلنا بالموقع قليلا، اكتشفنا أنّ عمليات البيع تلك، لا تتعلق بسيارات ولا شاحنات ولا حتى دراجات، بل إنّ الزوار راحوا يقترحون على بعضهم البعض هواتف نقالة ومسجلات وغيرها من الأجهزة الصغيرة، والتي لم نعتقد أنّ أحدا يمكن أن يخصص لها موقعا كاملا. كانت تلك الإعلانات لشباب يريدون بيع هواتفهم النقالة، وكانوا يعرضونها بأسعار ملائمة ومقبولة بل مغرية أحيانا، فالموقع هو عبارة عن »دلالة إلكترونية«، خاصّة وأنّ القائمين عليه وحتى زواره، أغلبهم من حي باب الواد، بينهم بائعون من دلالة »الساعات الثلاث«، بعضهم يضع إعلاناته بالموازاة مع عمله في الدلالة، وآخرون توقفوا عن البيع التقليدي ليتحولوا إلى البيع عبر الشبكة العنكبوتية. استغربنا الأمر في البداية، فاتصلنا عبر الموقع برضا، وهو شاب من مؤسسي الموقع وراح يمارس فيه تجارته كذلك، فقال لنا إن الفكرة أتته منذ حوالي السنتين، لكنه لم يخترعها، حيث توجد الكثير من المواقع التي تختصّ في شراء الأجهزة والأدوات المختلفة الكهرومنزلية وغيرها، ولأنّ الجزائر في السنوات الأخيرة اقتحمت عالم الاتصال من بابه الواسع، وصار مرتادو الشبكة العنكبوتية أكبر بكثير من مرتادي الدلالات والأسواق، فقد قرر هو وبعض من رفاقه الملمّين بالتكنولوجيا وبكيفية صنع موقع إلكتروني، اتفقوا على أن يستغلوا الأمر للتجارة، وفي النهاية أدركوا أنهم كانوا على حق، وأنّ الأمر يستحق بالفعل الاهتمام، حيث أنّ الكثير من معاملاتهم تجري عبر الموقع، والذي يرتاده مواطنون من مختلف المناطق، خاصة تلك القريبة، يدخلونه بغرض عرض سلعهم، أو شراء أخرى وهكذا، ويضيف رضا أنه عرف الكثير من أصدقائه خاصّة منهم ممن كان يدرس بالإضافة إلى بيع الهواتف النقالة، قد توقفوا عن البيع في الدلالة واكتفوا بدلالة الأنترنت، والتي وفرت لهم الفرصة وعليهم الوقت والجهد الإضافيين. وليس بائعو دلالة باب الواد هم الوحيدون الذين تفطنوا إلى هذه الظاهرة، فحتى بعض الدلالات الأخرى لم تفوِّت الفرصة، ولعلّ أهمّ موقع هو موقع السوق الشهيرة باسم »واد كنيس«، حيث وبعد أن أغلقت أغلب المحلات التي كانت تتخصص في بيع الأجهزة المنزلية وغيرها، فتح البعض موقعا الكترونيا يعوضون به خسارتهم، وقد زاد مرتادوه خاصّة بعد القرار الأخير الذي مسّ سكان المنطقة، حيث أصدرت البلدية أمرا بإغلاق المحلات وتحويلها إلى منطقة أخرى، نظراً للأشغال التي يعرفها الحي، ورغم أنّ أصحاب تلك المحلات قد عوِّضوا، إلاّ أنّ الشبان والباعة الذين يحملون سلعهم ويبيعونها على الرصيف سيضطرون إلى البحث عن دلالة أخرى، ولهذا فقد فضلوا أن يعرضوا سلعهم على موقع »واد كنيس. كوم«، والذي أصبح خلال سنوات موقعا يرتاده الكثير من المواطنين، ليس فقط من سكان العاصمة، ولكن حتى من الأحياء المجاورة والبعيدة كذلك، وذلك كله بسبب الأسعار التي يعرضها البائعون الذين يزورون الموقع، خاصّة وأنهم عادة ما يرفقون الإعلان بصور عن السلع، أي أنّ الزبون يمكنه أن يطّلع على حالة المنتوج قبل اقتنائه، ثم يقوم بالاتصال مع البائع عبر الموقع كذلك، أو ربما يجد رقم هاتفه فيحددون موعدا لتكملة الصفقة. ويذكر أنّ الموقع لا يختص في بيع أشياء أخرى، بل إنّ جميع السلع التي من شأنها أن تثير اهتمام المواطنين تباع فيه، من أجهزة كهرومنزلية، إلى الأثاث وآلات الزراعة والهواتف النقالة وقطع الغيار، خاصّة منها تلك النادرة، كل ذلك يُباع على الأنترنيت، لكن البيع يعارض مثل تلك المواقع، أو على الأقل لا يرتادها، لا يشتري ما يعرض فيها، بحجة أنّ أغلب تلك السلع المستعملة ليست إلاّ سلعا مسروقة، وهو ما يباع حاليا في أسواق الدلالات العاصمية، بل إنّ الانترنيت، يقول البعض، قد مكنت بعض اللصوص من التخفي وبيع الشيء المسروق دون خوف وبكل أمان.