عادة ما يتخذ اللصوص من الطرقات والشوارع الخالية والموحشة مكاناً لهم، يستولون فيه على المواطنين، ولأنّ أكثر تلك المناطق والأزقة صارت مشبوهة وصار لا يدخلها إلاّ الغرباء من حين لآخر، والذين لا يعرفون خطرها وما الذي ينتظرهم فيها، لذلك كله فضل بعضُ اللصوص الاتجاه إلى مكان آخر، فكان محطة الحافلات. لقد حوَّل بعض اللصوص محطات الحافلة إلى ميدان للسرقة والاعتداء، ليس باختلاس جيوب المسافرين نهارا وسط الزحمة والاكتظاظ، بل عندما تفرغ المحطة من الحافلات ومن المسافرين، إلاّ من البعض الذين تأخروا في مقرّات عملهم ومشاغلهم، والذين يصبحون بالتالي لقمة سائغة في أيدي هؤلاء اللصوص، خاصّة إذا كانت الضحية امرأة. كنا مارين من محطة نقل الحافلات »شراقة« فلاحظنا فتاة في الثلاثينات، تقف لوحدها في انتظار حافلة أو ربما شخص تعرفه اتفقت معه على أن يقلها، ولولا أنها كانت ترتدي ملابس محترمة وأنيقة لحسبنا أنها واحدة من بائعات الهوى، كما أنّ نظراتها الحائرة والمرتبكة والتي راحت تلتفت يمينا وشمالا، دلت على أنها لا قبل لها بمثل هذه المواقف، وأردنا أن نقترب منها لسؤالها عن وجهتها، وعما إذا كانت في حاجة إلى مساعدة، لكننا خشينا أن تظن أننا نحاول التحرش بها، فلم نفعل، لكننا مع ذلك بقينا في سيارتنا بالقرب من المحطة، ولم نستطع الانصراف. كانت الساعة التاسعة ليلا، وكانت المحطة مظلمة وموحشة، وكان بعض المتشردين يفترشون الكرتون على الأرض، وبعض السيارات تمر مسرعة بين الحين والآخر، وكنا نراقب المرأة من مكان لا تحسّ فيه بوجودنا، وفجأة تقدم منها شاب لم نتبيّن ملامح وجهه في البداية، كان يرتدي ملابس رياضية، وقبعة على رأسه، ويحمل سيجارة بين أصابعه، ما إن رأته المرأة حتى فزعت وخافت، وعندما راح يكلمها حاولت التهرب منه والابتعاد عنه، فأدركنا أنها لا تعرفه، وما هي إلاّ لحظات حتى رفعت المرأة من صوتها في وجهه، ولما لم يقدر على إسكاتها، امتدت يده إليها، ففضلنا التدخل، على الأقل حتى تشعر المرأة ببعض الأمان وهي ترانا، لكن ما إن لمحنا الشاب حتى غادر بسرعة، فاتجهنا إلى المرأة، وأبدينا لها نيتنا في مساعدتها، وأقنعناها بأنه ليس في نيتنا أن نغدر بها فاطمأنت إلينا ورافقتنا. كانت المرأة خائفة، وقالت إنّ الشاب كان يهدِّدها إما أن تمنحه ما يريده من نقود وهاتفها المحمول، وإما أن يعتدي على شرفها، فخشيت إن هي رضخت له ومنحته مالها ونقودها أن يطمع في أكثر من ذلك، فرفضت، وصارحتنا بأنها المرة الأولى التي تتأخر فيها إلى هذه الساعة، وأنها كانت تمارس الرياضة في إحدى القاعات الرياضية، ولم تشعر بمرور الوقت، وعندما خرجت واتجهت إلى المحطة وجدتها فارغة، إلى أن جاء الشاب ثم أتينا نحن، كما أخبرتنا أنّ صديقات لها كثيرات تعرضن لمثل ما كانت ستتعرض له، حيث أنّ بعض اللصوص يتربصون بالفتيات اللائي يتأخرنّ في محطة الحافلات، ليعتدوا عليهن، وأن بعضهن فقدن شرفهن، وسُرقت منهنّ أشياء ثمينة، البعض منهم تحايل عليهن، وأبدى نيته في مساعدتهن قبل يظهر على حقيقته وينفذ اعتداءه في حقهن. هذه الحادثة والتي ولحسن الحظ انتهت على خير ذكرتنا بأخرى وقعت لفتاة في محطة »سطاوالي«، حيث كانت تعمل بالقرب من المكان، وعلى الساعة السابعة راحت تنتظر حافلة تقلها إلى »شوفالي«، لكنها لم تعثر، وبقيت تنتظر ساعة ونصف الساعة، وكان المكان قد أظلم وحتى المسافرون الذين كانوا ينتظرون ذهبوا، ولم تبق إلاّ هي في المحطة، فاقتربت منها مجموعة من الشبان بالسيارة، وأقنعوها بأنهم يريدون مساعدتها وإيصالها إلى البيت، ولأنه لم يكن أمامها حل آخر فقد صدقتهم، لكنهم وفي طريق العودة عرجوا بها إلى غابة بوشاوي وقاموا باغتصابها. لكن النسوة لسن وحدهن من يتعرضن إلى مثل تلك الاعتداءات، بل حتى الرجال، فمراد مثلا، وفي محطة الحافلات ببوزريعة، تعرض هو الآخر لاعتداء، حيث كان قد قرر العودة إلى البيت مشيا على الأقدام، بعد أن يئس من أن يجد حافلة تقله، لكنه وما إن تحرك ليغادر حتى فاجأه شابان يحملان سكاكين وكان باديا على وجهيهما أنهما تناولا المخدرات، وأنهما على استعداد لأن يفعلا أي شيء مقابل النقود، فمنحهما ما كان يملك، ولم يكن مبلغا كبيرا، ثم طالباه بالهاتف، فحاول المقاومة، إلا أنّ السكين التي كان يحس بها ستنغرز في صدره، جعلته يعطيهما الهاتف كذلك، وفي النهاية ضرباه بالسكين وهربا.