قد يكون الفقر، وقد تكون الحاجة، أو ربما الطمع، أو كل هذه الأمور مجتمعة تدفع بعض الأشخاص إلى العمل ك»كلوندستان«، ثمّ المجازفة بالتنقل إلى الشوارع وأحياء مشبوهة ونائية، قد لا يخرج منها الفرد إلاّ ميتا أو مسروقا. مهنة »الكلوندستان« وبقدر ما هي مربحة، فإن فيها من المجازفة بالحياة ما يجعل الكثيرون يتهربون من ممارستها، فبالإضافة إلى كونها ممنوعة ولا يتسامح معها القانون، حيث تسحب الرخصة والسيارة من السائق، ويضطر حينها إلى دفع غرامات مالية قد تفوق ما ربحه لمدة أشهر كاملة، بالإضافة إلى ذلك كله فإن مُمتهنَها قد يتعرض إلى الاعتداء والسرقة، وبل القتل أحيانا، وهو ما حدث ويحدث في كثير من الشوارع والأحياء العاصمية، خاصّة تلك النائية، وبتخطيط مسبق تشكل بعض جماعات أشرار ويتربصون ب»الكلوندستانات«، الذين قد يدفعهم الفقر وأحيانا الطمع إلى الخوض في مغامرة لا يعرفون حتى ماذا تكون نهايتها. وقد انتقلت »أخبار اليوم« إلى بعض الأحياء التي يقصدها »الكلوندستانات« لمزاولة نشاطهم، والذين يختارون عادة ساعات الليل أو عندما تظلم المدينة، كأنهم يحتمون بالعتمة التي قد تسترهم، ولكنها قد تتواطىء مع بعض الأشخاص للاعتداء عليهم. القبة أو بن عمار وأمام محطة البنزين، يصطف »الكلوندستانات« في انتظار الزبائن، وقد يحدث العكس، حيث يكثر الزبائن، فيمُر »الكلوندستانات« بسياراتهم، يملأون أربعة مقاعد، قبل أن ينطلقوا إلى عين النعجة، باش جراح، وحتى براقي، كلها أحياء ينقل إليها الكلوندستانات زبائنهم، ولا يعلمون أو يتناسون أنهم بذلك يعرضون حياتهم للخطر، أو يقدمون أنفسهم لقمة سائغة للصوص وقطاع الطرق. وهو ما حدث مع ربيع، الذي ورغم أنه ومنذ ممارسته لنشاط »الكلوندستان« قرر ألاّ يخاطر بنفسه، وألاّ يعمل إلاّ في الأماكن المفتوحة والتي تكون مكتظة ومليئة بالناس، أمّا المناطق والأحياء الخالية فلا يطأها حتى لو مُنح له ضعف المبلغ الذي يتقاضاه عادة، لكنّ ربيع لم يحسب حساب هؤلاء اللصوص الذين يخططون لسيناريوهات طويلة عريضة للانقضاض على ضحيتهم، ومنهم فتاة في السابعة والعشرين من العمر، جاءت لربيع في ثياب محترمة، وخاطبته بكل احترام طالبة منه أن يوصلها إلى حي عين النعجة، وألاّ ينقل معها شخصاً آخر، ذلك خشية أن يتبعها أحد منهم ويعتدي عليها، خاصّة وأنّ الوقت كان متأخرا، كما وعدته بأن تدفع له ثمن المقاعد الثلاثة الباقية، فلم يستطع ربيع أن يرفض طلبها، خاصّة وأنه لم يظهر منها ما يريب، أو تصرف من شأنه أن يدخل الشك إليه، فوافق ونقلها إلى حيث أرادت، لكنها ترددت في النزول، حيث وصل بها إلى محطة الحافلات بعين النعجة، وهو أقصى مكان يبلغه »الكلوندستان« وطلبت منه أن يوصلها إلى حي 520 حيث تسكن، وأنه ليس بإمكانها الذهاب مشيا على الأقدام أمام اللصوص الذين يترصدون ضحاياهم في الطريق، ورغم أنّ ربيع تردد في البداية، غير أنه ضعُف أمامها وقادها إلى حيث أرادت، لكنه وما إن استدار ليأخذ منها الثمن حتى شعر بيد تدخل من النافذة وتقبض على يده اليسرى، فيما دخل من الناحية اليمنى شاب بقبعة، وتهجموا عليه، وجردوه من ماله وهاتفه النقال والأشياء الصغيرة التي تتوفر عليها سيارته: راديو، أشرطة، قبل أن يضربوه على رأسه، ويلوذوا بالفرار. كما حدثنا نجيم عن صديقه الذي فقد حياته دفاعا عن نفسه، وذلك عندما كان يمارس نشاطه ك»كلوندستان« في محطة سطاوالي، وتقدم نحوه شاب في الثلاثين طلب منه أن يوصله إلى بني مسوس، واتفقا على السعر وانطلق به، لكن بدأت نوايا الزبون تظهر، حيث راح يتماطل في دفع الثمن، كما لو كان ينتظر حدوث شيء ما، أمّا صديق »نجيم« فقد ارتاب للأمر، لكنه لم يحرك ساكنا، إلى أن جاءت سيارة ثانية قطعت أمامه الطريق، وتهجم عليه ثلاثة شبان، راح أحدهم يحاول أخذ مفاتيح السيارة منه، إلاّ أنه قاوم بضراوة، فلم يجد هؤلاء إلاّ أن يضربوه بالسكين في بطنه، ولم يفق على إثرها إلا في المستشفى، وبقي مريضاً مدة ثلاثة أشهر قبل أن يموت متأثرا بإصابته.