قد يسأل سائل نفسه أو غيره فيقول: هل طالب الأمس الذي لبى النداء فوقف وناضل وضحى بكل ما يملك من أجل الوطن، يتساوى وطالب اليوم الذي لا يكاد يفرق بين تاريخ وقف إطلاق النار وعيد الاستقلال، ناهيك عن أن يعرف تاريخ الجزائر وكفاحها الطويل في سبيل استرجاع الاستقلال أو تأخذه تلك الأنفة والعزة من أجل البلد والشعب! وإن أمثال أولئك الأوائل اليوم هم قلة وليسوا بالحماس نفسه الذي كان عليه جيل نوفمبر رغم الأمية وقلة وسائل الاتصال في الأيام المظلمة التي ذاق فيها الشعب الجزائري كل أنواع الاضطهاد والحرمان!.. طلاب الأمس كانوا مضرب المثل في كل شيء رغم أنهم لم يكونوا في غالبيتهم إلا تلاميذ ثانوي لم يبلغ أكثرهم سن العشرين، وقلة منهم من عرف التعليم الجامعي وتجاوز هذا السن، ومع ذلك لبوا نداء الثورة التحريرية المباركة، فكانوا بالفعل سندا معنويا قويا للمجاهدين والثوار في الجبال وفي أماكن التدريب والقتال وإن كان بعد ذلك قام قواد النواحي العسكرية بإرسال الكثير منهم في بعثات بغرض الدراسة إلى تونس وسوريا ومصر والعراق والأردن وأيضا السعودية وليبيا وغيرها من البلدان الشرقية والغربية، فكان منهم بعد الاستقلال الإطارات في مختلف التخصصات التي أفادت الوطن في إعادة البناء والتشييد ووضع اللبنات الأولى على طريق بناء جزائر الكرامة والحرية!.. لكن ما بال طلاب اليوم الذين وفّرت لهم الدولة كل الوسائل وذللت لهم كل السبل من أجل الدراسة والبحث العلمي؟ ولكن مع ذلك نجد قد تسلل الملل والكسل إلى نفوس الكثيرين منهم، فلم يعدوا يبالون لا بدراسة ولا بنهضة الوطن، فكل ما يشغلهم اللهو واللعب، وخاصة الرياضة وأخبار نجومها، التي أصبحت شغلهم الشاغل، فضيّعتهم وضيعت دراستهم إلى حد كبير!.. ولولا القلة القليلة من طلابنا المثابرين والمجتهدين الذين أثلجوا صدورنا في الثانويات والمعاهد والجامعات لدب اليأس إلى نفوسنا، ولكن لا يخلو هذا الوطن العزيز من الرجال وأبناء الرجال، الذين صنعوا ملحمة أول نوفمبر الخالدة، ولبوا النداء الواجب، والذي كان برهانه التوقف عن الدراسة، خاصة بالمدارس الفرنسية، وبالتالي إحراج فرنسا والالتحاق بالثوار بالجبال يوم 19 ماي 1956!..