بقلم: جمال نصرالله* كثير من الناس يقفز على ألسنتها هذا المصطلح (ديمقراطية) ويتردد حضوريا في الحياة العامة. لكنه للأسف لا تنطبق مزاياه..أو بتعبير آخر الغايات التي قيلت لأجله...وهذا لشيء وحيد فقط وهو الفهم الخاطيء منذ الوهلة الأولى...فالجميع يوظف مصطلح (ديمقراطي) في خانة احترام الآخرين... فيقول لك يجب عليّ أن أكون ديمقراطيا..وذاك ليس بديمقراطي ؟! وحسبي أن هذا يعتبر توظيفا أجوفا...لأن مصطلح ديمقراطي تاريخيا وجد لمبتغايات وسياقات سياسية صرفة (التداول على السلطة) والسماح للعموم باختيار من يحكمهم بطريقة علنية. وهنا يمكن القول بأن للديمقراطية ألوان وأذواق عدة....لأنها لو انتقلت للمفهوم الثقافي لتغيرت تطبيقاتها وحتى مناهج عملها..فتصبح بمعنى التعايش السلمي للأفكار جنبا لجنب والاستفادة من المتضادات ولا وجود لحكم أو مناصب وكراس بتاتا كما هو الحال في الشأن السياسي...ثم تنتقل للمفهوم الاجتماعي حيث تصبح أكثر دقة وفاعلية...فهي تعني تجنّب كل أنواع الانحياز والتعصب وكذلك الانفراد بالرأي أو فرضه بأي شكل من الأشكال....بل طرحه بطرق سلمية خالية من الغضب والنرفزة والضجيج؟! وهي لعمري الطرائق الحضارية في التعامل...من هنا وجب علينا التعريج على حوافي ومدى أثرها داخل المجتمع الجزائري والذي غالبا مايوصف عند المشارقة وحتى الأوروبيين بأنه مجتمع قاس وجاف ولاتوجد به ليونة أو طراوة ؟! حيث مظهريا يبدو لك المجتمع جاهزا للعنف ...من خلال نوعية الألفاظ أو حتى طرائق خروجها (أي في الشكل والمضمون) إلى درجة أنهم قالوا بأن الفرد الجزائري ليس برجل حوار يعمل على الأخذ والرد بل يتعنت مع فكرته ويظل متشبثا بها حتى يموت معها وتموت معه ؟! وأكيد أن لهذه الظاهرة أسباب جوهرية.....من أين جاءت ومتى وكيف وماهي الأسباب التي عملت على حضورها...بل كيف لها أن تظل ماركة مسجلة؟! هل هو الاستعمار أم الطبيعة القاسية أم الانغلاق أم هو شيء آخر ؟!... قد يكون المجتمع الجزائري هو أكبر مجتمع عربي ذاق ويلات الاستعمار وقساوة المحتل الفرنسي حتى وأن بعض الدول الأخرى كذلك مسها واقع الاستعمار لكن بنسبة أقل زمنيا وتغلغلا..أي من نواحي طول المدة والفظاعة وأنه أي المجتمع كان الأكثر استشرابا وتقبلا وخضوعا...فالبنية النفسية تربّت على أتعس اليوميات المليئة بالعنف الممارس والمفروض بقوة السلاح..وكان مباشرا ووجها لوجه من خلال مشاهد عاشها ورآها فترعرعت ذاته على الخوف والرهاب لتتشكل وتتبلور لديه نفسية نبضت على وقع الخوف والشك والصراخ الاستعمار حرم الجزائريين من التعليم.. وحط رحاله على ديارهم وهم خارج المدن (بيد أن التمدن في القرن التاسع عشر كان لفائدة الوجود العثماني)..فكان أغلبهم مجرد أهالي وفلاحين ريفيين فُرض عليهم التجهيل فرضا ورُكعوا..من خلال أساليب همجية شنيعة..فنزل هذا في نفوسهم منزلة هي بلا شك عكس الطمأنينة والفرح والسعادة والابتسامة...وعليه فقد عمل الاستعمار على إنتاج نموذج بشري يمتاز بالهلع والخفة والخوف من كل شيء حتى من ظله ؟! فعاش أغلب الجزائريين مهجّرين متباعدين عن بعضهم معزولين لاتواصل يجمعهم ولا تبادل لخبرات الحياة وبالتالي فقدوا تلك العلاقات الحميمية بين أفراد الأسرة الواحدة أي أنهم عاشوا تفكيكا أسريا منذ بداية رشدهم ؟! وكان لزاما أن تكون يوميات الفرد هي ردود فعل قاسية ضد من بدأ بالعنف والتشريد؟! فحدث أن تبلورت في المخيال الجمعي ردات فعل تاريخية وأخرى آنية بعدها خرج المستعمر وترك هذه العدوى بين الناس ليصعب عليهم فهمها لأن نسبة الوعي والتعليم كانتا منحطة...وإذ هم لا يفهمونها أكيد أنه لايستطيعون مواجهتها أو محاربتها والتخلص منها بل سرت في العروق سريان الدم...لتأتي المنظومتان التربوية والثقافية ويرسما طريقا جديدا لصناعة إنسان جديد..ونقولها صراحة لا هما استطاعتا لذلك ..ولا استطاعتا من جهة محو آثار الأجيال السابقة لكنها على أقل تقدير نفضتا الغبار وبشكل جزئي عن كثير من المسائل والمعركة لاتزال طويلة وتحتاج لإمكانيات ضخمة وأرمادة من الخبراء والجهابذة شريطة أن تتوفر الإرادة السياسية وذلك بيت القصيد لأنه أصعب المنال؟!