بقلم: عميرة أيسر* سدُ النهضة الإثيوبي والذي شرعت الحكومة في (أديسا بابا) في بنائه وانطلقت الأشغال به رسمياً بتاريخ فيفري 2011 وذلك من أجل رفع احتياطاتهاً من المياه المُخزنة والتي تعتبر عاملاً هاماً وسلاحاً استراتيجيًا في مواجهة الدولة المصرية فإثيوبيا التي تربطها علاقات سياسية واقتصادية مع إسرائيل تحاول بشتى الطرق والوسائل ضرب استقرار مصر والنيل من سيادتها واستخدمت سلاحاً حيوياَ يعتبر شريان الاقتصاد المصري وهو نهر النيل الذي يعتبر السودان التي يقام السد على حدودها الجنوبية فمصر تعتبر أهم دول المصبّ فيه حيث أنه ينبع من غابات إفريقيا الاستوائية وخاصة النيل الأزرق وحسب تقديرات الخبراء في إثيوبيا فإن سعة السدّ كانت في المخطط ما بين 11و24 مليار متر مكعب من المياه لترتفع وتصبح 74مليار متر مكعب وستستعمل في إنتاج ما يربو عن 500كيلو واط من الكهرباء أي ما يعادل 3 أضعاف الإنتاج الحالي وستكون تكلفة إنجازه في حدود 4.8مليار دولار وسينتهي في سنة 2017-2018 أما ارتفاعه فسيصل إلى 145متر عوض 85 مترا وهذا السد ستقع تكلفة إنجازه في أكثر من 90بالمئة منها على عاتق الحكومة الإثيوبية بعد أن رفض البنك الدولي تمويل جزء من المشروع لعدم جدواه الاقتصادية وعدم اتفاق دول المصب على كيفية الإنجاز واعتراض شرائح واسعة من الخبراء والسياسيين في كل من القاهرة والخرطوم على عملية إنجازه. فهذا يخالف حسب رأيهم بنود آخر اتفاقية وقعت من أجلِ تقاسم مياه النيل بين الدول الثلاثة وكانت أهمها اتفاقية سنة 1929 والتي تعطي لمصر حق الاعتراض على أي سدّ تبنيه إثيوبيا أو كينيا على نهر النيل أو أي من روافده دون موافقة القاهرة. ووقعت بين مصر وبريطانيا التي كانت تمثل كلاً من كينيا والسودان وتنزانيا وأوغندا ونصت على أنَ لمصر حق الاستفادة من مياه بحيرة فيكتوريا. فتمَّ تخصيص نسبة 7.7من التدفق لصالح السودان وحوالي 92 لمصر وتقول إثيوبيا إن مصر ستكون لها استفادة مهمة هي والسودان من عملية بناء السد حيث من المفروض أنَ السدّ سيقوم بجمع طمي النيل الأزرق مما يطيل عمر السدود السودانية والسد العالي المصري وزد على ذلك أنهُ سيقوم بتخفيف حمل وزن المياه المخزنة عند بحيرة السد العالي والتي تسبب بعض الزلازل الضعيفة في منطقة أسوان ولكن من آثاره السلبية أن كلاَ الدولتين ستفقدان كمية مياه تعادل سعة تخزين المياه بالسد في المرة الأولى وهناك عدة خبراء عرب وأفارقة كالأستاذ أحمد الفقي العضو المستقيل من اللجنة الدولية لسدِّ النهضة مجمعون على أن اتفاق المبادئ الذي وقع بين مصر وإثيوبيا في العاصمة أديسا بيبا وبحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لا يعطي للقاهرة نقطة مياه واحدة وستكون له نتائج كارثية على الاقتصاد المصري مستقبلاً. تفاصيل الأزمة فمصر تعاني أصلا من عجزًا في المياه يصل سنويًا إلى أزيد من 30مليار متر مكعب إضافة إلى أنَ أزيد من 80 بالمئة من السكان لا تصلهم المياه الصالحة للشرب وحوالي 50بالمئة من القرى مَحرومة منها مماَ سيؤدي إلى تهديد أراضي كفر الشيخ مثلا بالبوار التام. ولا ننسى بأنَ أزيد من 170ألف فدان من الأراضي الواقعة شرق قناة السويس تعاني العطش وقلة المياه الصالحة للرَّي والزراعة وأمام كل هذه الأخطار التي تهدد الاقتصاد الزراعي المصري وأمنه المائي شكلت الحكومة المصرية بالتعاون مع السودان ومكتب دراسات - هولندي وفرنسي لجنة من أجل دراسة الوضع وتقييمه ولكن الشيء الذي يثير الاستغراب هو صمت الحكومة المصرية منذ 2011 وإلى الآن وعجزهاَ عن اتخَاذ إجراءات ردعية حازمة من أجل إلجام إثيوبيا ووقفها عند حدهاَ. فرغم أنَ الأزمة السياسية التي تمر بها القاهرة حاليا وتردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية والإرهاب الذي يضرب سيناء منذ مدة ليست إلا نتيجة للسلسة من التراكمات الأمنية والاجتماعية وعجز الدولة عن إيجاد حل ناجع وشامل للأزمات التي تتخبط فيها الدولة. فأزمة الحكم وفقدان الشرعية للرئيس الحالي وهذا ما يراه قطاع من الشعب فضلاً عن النخب المصرية وامتداداتها في دول إقليمية أخرى مهمة كتركيا وحتى قطر يجعل الرئيس وحكومته يتريثون قبل اتخاذ قرارات مصيرية قد تكون لها نتائج عكسية على الأوضاع الداخلية للبلاد وتجعل دولا لها مصالح مهمة في مصر تسعى لاستعمال هذه الأوراق مجتمعة من أجل الضغط على صناع القرار فيها لتقديم تنازلات في قضايا محورية في المنطقة. فمصر تحيط بها الأخطار من كل جانب فالأوضاع الأمنية في ليبيا غير مستقرة وكذلك في السودان مرورًا بسيناء والصحراء الكبرى وتلعب تل أبيب دوراً رئيسيًا في التحريض ضدَّ القاهرة ومحاولة إضعافها أكثر لأن الجيش المصري يشكل تهديدَا مباشرَا لوجود الكيان الصهيوني رغم الاتفاقيات الأمنية والسياسية التي عقدت بين البلدين ولكن نظرة فاحصة على الحركة الاجتماعية في إسرائيل وقراءة في عقول صناع القرار فيه تعكس كرهَا ومقتَا لهذه الدولة العربية المحورية ومحاولة تحطيمها عن طريق الدسَائس والمؤامرات حتى ولو كانت حكومتهَا موالية لإسرائيل وتخدم نفس مشروعها في المنطقة كما يتهمهَا بذلك أعداؤهَا. ورغم كل الضمانَات التي قدمتها إثيوبيا إلا أن بناءها لسدود أخرى على حدودها مع مصر كسد جيلجل1وجيلجل 2 وجيلجل3 وسدّ تانا وبيليس وكل هذه السدود بنتها الحكومة السودانية في ظرف قياسي ولكن محاولتها التغطية على أهدافها الحقيقية والإدعاء في كل مرة أنَ هدفها الأساسي هو إنهاء أزمة الطاقة الكهربائية التي تعانيها البلاد منذ سنوات أصبحت محل شك مريب ومزمن. وهذا ما دفع الدكتور المصري والخبير في الشؤون الإفريقية وعضو مركز الأهرام - للدراسات الدولية والإستراتيجية هاني أرسلان إلى التَّأكيد من خلال دراسة معمَّقة قام بها إنه في حال الانتهاء من إنجاز مشروع سد النهضة فإن كل 5مليار متر مكعب منَ المياه ستؤدي إلى بوار 1 مليون فدَّان من أراضي مصر الزراعية وهذا ما سيحيل 2 مليون شخص على البطالة ويدفع بهم إلى النزوح لأطراف المدن الكبرى وسيخلق أزمة تنموية كبرى ستتحمل تكاليفها الدولة المصرية وستكون لها آثار مدمرة على تركيبة النسيج الاجتماعي المصري وتناسقه وستشكل عبئا اقتصاديا سيرهق كاهل الدولة وسيثقله فالدكتور هاني يرى أن الهدف الرئيسي من بناء سدّ بهذا الحجم هو تهديد للمصالح القومية المائية العليا لدول المصب وتحول أثيوبيا إلى دولة تعمل في تجارة المياه وتستعملها كسلاح اقتصادي هام ومورد دخل لها بالعملة الصعبة. فالمَعروف بأنَ هناك العديد من الدول في القارة الإفريقية تعاني من موجات جفاف شديدة وهي بحاجة ماسة إلى شراء كميات معتبرة من المياه الصالحة للشرب وأعمال الزراعة وهذا ما ستستغله إثيوبيا لصالحها وتتحول بفضل سد النهضة إلى أكبر بلد في إفريقيا به مخزونات إستراتيجية من المياه قد تستعملها حتَّى في عملية التأثير السياسي على صناع القرار في تلك الدول العضوة بطبيعة الحال في الاتحاد الإفريقي مما سيجعلها قوة إقليمية عظمى في غرب القارة السمراء ويعطي لها حجما أكبرَ من إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية بكثير ورغم كل هذه التحذيرات والدراسات إلا أن الأخطر في الأمر والأنكى حسب رأي الدكتور ووزير الري - السابق محمد مهدي علاَّم أن إثيوبيا تتبرأ وتتنصَّل من كل الاتفاقيات الموقعة مع الجانب المصري بخصوص تقاسم المياه أنهار النيل كاتفاقية عنتيبي وتضرب بعرض الحائط كل مقررات الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في هذا الجانب. حلول عقيمة فمصر التي تريد الحلَّ السياسي السلمي لا ترى الأبعاد الأخرى الأشدَّ خطورة لهذا المشروع. فدول كبرى كالصين التي تنافس مصر بشدَّة في موضوع النفوذ على القارة من خلال أذرعها وشركاتها الاقتصادية المنتشرة في معظم الدول الإفريقية إن لم تكن كلها فبكين أبدت استعدادها لدعم المشروع الإثيوبي ودعمه مالياً وتقنياً وبالتالي سيكون لها إنْ حصل ذلك أسهم في السدّ وتأثير على إثيوبيا وهذا ما سيفقد مصر تدريجيَا دورها الحيوي في منطقة غرب القارة الإفريقية ويضيق عليها الخناق فكل الخطوات المصرية لحد الآن غير ذات جدوى حسب رأي الخبراء ستسَاهم في ازدياد التعنُّت الإثيوبي وستدفع دولا أخرى ككينيا مثلاً إلى القيام بخطوات مشابهة لما قامت به إثيوبيا من أجل ضمان حصتها من المياه واستخدامها للتنمية الاقتصادية والزراعية وهذا إن حدث سيكون له تبعات خطيرة جدًا على أمن مصر واستقرارها كبلد يعتمد على مياه النيل من أجل ضمان أمنه الغذائي إلى حد بعيد. مما قد يشعل حرب مياه إقليميةً كبرى في المنطقة ستشارك فيها عدة دول من أجل الظفر بحصص مهمة من مياه نهر النيل وحتى حلفاء مصر التقليديين كالسعودية التي لها استثمارات زراعية ضخمة في إثيوبيا عن طريق مؤسسة ألراجحي وغيرها من المؤسسات المقربة من القصر الملكي ستقف إلى الجانب الإثيوبي من أجلِ ضمان مصالحها في هذه الدولة أو ستقرب وجهات النظر بين البلدين وستضع المصلحة الإثيوبية في المقدمة من أجل ضمان سماح الحكومة الإثيوبية لهَا بتوسيع نفوذ ها الاقتصادي في هذا البلد. وجعله قاعدة للتوغُّل في إفريقيا وتحويلها إلى أحد قواعد النفوذ والتأثير السعودي فيها ورغم أن هناك من يطالب القاهرة بالقيام بضربة جوية خاطفة على السدِّ من أجل إزالته من الوجود قبل انتهائه لأن كل الدراسات الجادة والأكاديمية من خبراء مصريين وعرب وأجانب تؤكد بما لا يدع أدنى مجال للخطأ العلمي أو الإحصائي أنَ مصر ستتضرر بشكل مهول من عملية بناءه وهذا الأمر سيضع القيادة المصرية مستقبلاً في حرج شديد داخليًا وإقليميًا ودوليًا فهل ستأخذ القيادة في القاهرة برأي كل هؤلاء وتعيد المارد الإثيوبي إلا قمقمه قبل يتحولَ إلى قوة فتاكة في المنطقة أم أن اللغة الديبلوماسة والضغوط الإقليمية والدولية ستحول دون ذلك وتحول مصر. بالتالي إلى بلد ضعيف ومنهك ومهددٌ في أمنه المَائي.