بقلم: عميرة أيسر* بعد موجة الهجرة المتزايدة للمهاجرين السُّوريين والعراقيين من أراضيهم نتيجة المعارك الضارية الدائرة في أوطانهم التي تسيطر الجماعات الإرهابية على أجزاء مهمة منها وهذا ما زاد من حجم الأعباء الإنسانية والاقتصادية والمالية.التي باتت ترزح تحتها المفوضية السَّامية لحقوق اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والتي لم تعد تمتلك الموارد المالية الكافية من أجل توفير كل الاحتياجات الحياتية اللازمة لهؤلاء الذين تجاوز عددهم في سوريا أكثر من 4.5 مليون لاجئ خارجها وأزيد من13.5مليون لاجئ داخل سوريا وتطالب المفوضية بمساعدات مالية عاجلة. وهذا ما أكده السيِّد محمد أبو عساكر الناطق الرسمي باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إذ أن هناك أزيد من 53بالمئة من الميزانية المتعهد بها من طرف الدول المانحة لم تصل بعد وأطلقت المفوضية في ديسمبر من العام الفارط نداء استغاثة عاجل لتوفير حوالي 4.6مليار دولار ولكن الدُّول التي تعهدت بتوفير هذا المبلغ بقيت متفرجة لحدِّ اليوم. فطرق تمويل هذه المفوضية وآليات ذلك هي العقبة الرئيسية في طريق تحقيقها الاكتفاء الذاتي ماليا. إذ حسب دراسة الأستاذ أحمد بن سعادة الباحث والأكاديمي الجزائري فإنَّ المفوضية السَّامية لشؤون اللاجئين يَتمُّ تمويلها بنسبة تُقدر بحوالي 86بالمئة من الحكومات و6بالمئة من التمويل يأتي عن طريق المنظمات الحكومية و6 بالمئة من القطاع الخاص أما الأممالمتحدة فلا يتجاوز حجم تمويلها 2بالمئة منَ الميزانية العامة لها. سياسات فاشلة وفي سنة 2014 بلغ حجم تمويل الدُّول للمفوضية 82بالمئة علماً بأنَّ هذه الأموال وفرتها 12دولة فقط وبالتالي فإنَّ الدول وخاصة الغربية من تفرض سياساتهَا على هذه المنظمة لأنَّ الأرقام تأكد بأنها من يَتحكم بالتمويل المالي داخلها فالأممالمتحدة التي رفعت منذ حوالي 20سنة شعار التنمية المستدامة وكان عدد الفقراء في العالم حوالي 400 مليون وعدد المليارديرات فيه لا يتعدى10فقط انقلبت الآية في الوقت الراهن وهذا ما يعكس فشل كل السّياسات الإنمائية. والأعمال التطوعية للمنظمات التَّابعة لها حيث أنَ العمل التطوعي أخذ أبعاداً أخرى مُرتبطة باقتصاد السّوق اتَجهت أكثر إلى المهَنية والتقنية والانفتاح على الرأسمالية المتوحشة. وهذا رفع عدد الفقراء في العالم إلى أزيد من 2مليار شخص ورفع عدد المليارديرات فيه إلى550ملياردير ويشيرالكاتب والطبيب والخبير في العمل التطوعي الدَّولي الأستاذ كامل مهنا رئيس مؤسسة عامل التطوعية في لبنان إلى أنَ1بالمئة من السُّكان في العالم يمتلكون حوالي50بالمئة من ثرواته وحتىَّ في لبنان فإنَ 0.03 من الأشخاص أي 8 آلاف شخص يمتلكون نصف ثروات البلد الاقتصادية ويتحكمون بمداخليه المالية وبالتالي فإنَّ هؤلاء يستطيعون إن أرادوا دفع كُل تكاليف المُنظمات المعنية بإغاثة اللاجئين وتشغيلهم كالمفوضية السَّامية لشؤون اللاجئين ومدارس الأونروا في كل من مُخيمات اللجوء السُّوري والعراقي في الأردنولبنانوسوريا وكذلك المُخيمات الفلسطينية التي يعيش فيها اللاَّجئون أوضاعا صعبة مُنذ سنوات طوال في مخيمات الشَّتات في دول الجوار وخاصة لبنان. تباين في الأوضاع ويقول القيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فؤاد عثمان منسق عمل لجان حقّ العودة فيها بأنَ مُخيمات اللاجئين هناك تزداد الأوضاع الإنسانية فيها سوءاً ونريد رفع حصتنا من العلاج والتَّعليم والرعاية الصحية كلاجئين فالأونوروا التي كانت تعطي اللاجئ الفلسطيني30 دولارا في الشَّهر للفرد دون عائلته انخفض هذا الرقم إلى 11دولارا شهرياً ثمَّ استقر عند حدود21 دولاراً وهذا ما يثير استياء اللاجئين في المخيمات الفلسطينية لأنه مبلغ زهيد ولا يغطي حتىَّ أبسط احتياجاتهم اليومية ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للاجئين السُّوريين وهم الأكبر من حيث العدد نظراً لأنَّ معظمهم أجبروا على العيش خارج أراضيهم الأصلية أو النزوح عنها قصريًا. ففي دراسة لبرنامج الأغذية العالمي أكد فيه بأنَّ هناك أزيد من1.4مليون لاجئ سوري يعيشون في الأردن وأضاف بأنَّ 1.6بالمئة من الأسر في مخيم الزعترى تحظى بمعدل استهلاك غذائي معتبر فيما تعاني بالمئة من الأسر السُّورية في المخيم من انعدامه وفي حصيلة إجمالية فإنَّ 52بالمئة من اللاجئين في الأردن يتمتعون بالأمن الغذائي فيما يعاني أزيد من 42بالمئة منهم من انعدامه التَّام وكان برنامج الأغذية التابع للأمم المُتحدة قد حذَّر من كارثة إنسانية كبرى قبل شهر رمضان الفارط قد تصيب اللاجئين السُّوريين في الأردن وتفيد مصادر وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية بأنَّ هناك أكثر من80بالمئة من اللاجئين السُّوريين المسجلين في سجلات المفوضية يتمركزون في المدن والبلدات الأكثر فقراً في الأردن وقد أكد المتحدث باسم المفوضية السَّامية لشؤون اللاجئين في الأردن السيِّد علي بيبي بأنهم ملتزمون بدعم اللاجئين في الأردن ودول الجوار والتحدي الأكبر بالنسبة لنا يكمن في أن الاهتمام الدولي بهم قد قلَّ في العام الماضي والذي قبله ونعول على مؤتمر لندن لدعم الدُّول التي تحتضن اللاجئين في طبعته لهذا العام بأن يساعدنا فالأردن قد قدم كل مَوارده وسخر بُناه التحتية من أجل دعمهم وهو بلد ضعيف الإمكانيات والموارد الاقتصادية أصلاً. أرقام مخيفة ويضم مخيم الزعتري والأزرق أزيد من9 بالمائة من عدد اللاجئين فيه فالبلد بحاجة ماسَّة لحوالي43بالمئة من الأموال لتكفل بانشغالاتهم وظروفهم الإنسانية المتفاقمة أي ما يقدر بأزيد من1.7مليار دولار لم يتمَّ توفيرها من العام الماضي وهذا ما يدخل حكومات البلدان المستضيفة لهؤلاء في أزمات اقتصادية تجعل هؤلاء اللاجئين عبئًاَ إضافياَ على كاهل هذه الدول وتضطر إلى أن تُعدل منظومتها القانونية والتشريعية أوتغضَّ الطرف عنها من أَجل السَّماح لهم بتدبر شؤون حياتهم فإن أخذنا لبنان كمثال فإنَّ القانون فيه لا يسمح للاجئ السُّوري بالعمل إلا في ثلاث قطاعات: وهي قطاع الزراعة والبناء والتنظيف ولكن القوانين في هذا البلد تتساهل في تطبيق القانون حفاظاً على هؤلاء لأنهَا تعلم بأنَ مصيرهم سيكون الموت الأكيد.إن تمت عودتهم إلى سوريا فالقانون هناك يمنع التوطين تشريعاً ولكن هناك فراغ قانوني قاَتل إذ ليس هناك قانون واضح يضمن حقوق اللاجئ ويبينها بشكل دقيق في الترسانة القانونية للدولة هذا هو وضع اللاجئين عموماً في الوطن العربي ولكن الأمر مختلف كلياً في أوروبا والتي تشهد موجة غضب واحتجاجات من طرف اليمين المتطرف لطردهم إذ دعا هؤلاء في ألمانيا إلى إحراقهم في أفرَان الغاز وتمَّ طرد 70 ألف لاجئ سوري من السُّويد وفي بلدان أوروبية كذلك وهذا مخالف لبنود اتفاقية جنيف 4 والتي تمنع أي دولة من رفض استقبال اللاجئين وكذلك فإن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في بندها الثاني تُؤكد بأنه يجب حماية أي شخص ضمن نطاق الحدود الإقليمية البرية أو البحرية لهذه الدُّول والذي يكون في حالة خطر يهدد حياته وهذا ما دفع محامين أوروبيين وعلى رأسهم الأستاذ جيل دوبار ومندس فانون إلى استجواب أهالي الضحايا ال3900 الذين غرقوا في المياه الأوروبية الإقليمية من أجل رفع دعاوي قضائية ضدَّ حكومات الدُّول الأوروبية التي ترفض استقبال اللاجئين وتعويض هؤلاء الضحايا مادياً ومعنوياً وربما الاستثناء الوحيدُ أوروبيا هو رَئيسة الوزراء الألمانية أنجلا مار كيل والتي تعتبر الوحيدة من زعماء الغرب حيث فتحت الأبواب على مصراعيها من أجل استقطاب أزيد من1.8مليون لاجئ سوري معظمهم منَ الأيادي العاملة المؤهلة والشَّابة وممَن يحملون شهادات عليا وفي تخصصات مطلوبة كثيراً في سوق الشغل المحلي والأوروبي إذ يقدر عديد القوى العَاملة في ألمانيا بما يزيد على46مَليون شخص ومن المرجح أنْ يتقلص هذا العدد إلى النصف سنة2020 وذلك نظراً لازدياد شيخوخة المجتمع وعزوف الشباب الألماني عن الزواج وقد ارتفعت حاجة البلاد إلى اليد العاملة من391 ألف سنة2010 إلى589 ألف عام 2014 وتشير إحصاءات المنظمات الاقتصادية أنه في عام 2020 أي بعد 3 سنوات سينخفض عدد العاملين في الاقتصاد الألماني إلى أقل من1.8مليون شخص وفي عام 2014 كان العدد يقارب 3.9مليون وإذا تَمَّ رفع سنِّ التقاعد في ألمانيا إلى70 سنة بالتساوي بين الرجال والنساء فإنَ عدد العاملين سيتراجع إلى ما يقارب 5 ملايين فقط. حقائق فألمانيا تدفع سنويًا أزيد من00 12.5ألف يورو للفرد الواحد من هؤلاء اللاجئين على أراضيها كتكاليف فالبلاد أنفقت أزيد من10مليارات يورو العام الماضي من أجل إيوائهم فهذا البلد الصناعي الأكبر في أوروبا سيتقدم على اليابان في انخفاض عدد الولادات حيث أنَ عدد سكان ألمانيا البالغ 80.8 مليون نسمة سينحصر ليصبح67 مليون نسمة عام 2020 وحتىَّ عدد الأطفال المسجلين في المدارس الأهلية الألمانية انخفض بنسبة10بالمئة في غضون العشر سنوات الماضية ومن هُنا نفهم الرَغبة الألمانية الملحة في استقبال أكبر عدد من طالبي اللجوء والتركيز على فئة الشباب والعمال ذوي الخبرة والمهارات التقنية على وجه التحديد نظراً لطابع البلاد الصناعي التطوري وهذه الدُّول هي من قام بإنشاء المفوضية السَّامية لشؤون اللاجئين سنة1951وتعاقب عليها منذ تلك الفترة11مفوضاً ساميا منهم 9 من أوروبا وواحد من إيران والآخر من اليابان بالإضافة إلى امرأة واحدة تمَّ إقصاؤها سياسياً فيما بعد وكلهم شَغلوا مناصب سياسية سامية في بلدانهم قبل أن يصبحوا على رأس المفوضية ومنهم المفوض الدنماركي بول هارلينكن والذي شغل منصب رئيس وزراء الدنمارك سابقاً وكذلك تونوارد ستنبارق الذي كان وزير دفاع ووزير خارجية النرويج رُوت لوبارد الذي كان مرشحاً لإدارة حلف الناتو ما بين سنوات 2001-2005 كان وزير أول في هولا ندا سنة 1994 وانطونيو كوتيراز الذي كان وزير أول في البرتغال سنة2015 ودور هؤلاء المفوضين سياسي أكثر منه توعوي أو إنساني أو تطوعي واجتماعي فالمفوضية السَّامية لحقوق اللاجئين هدفها خدمة مصالح هذه الدول وجعل قضية اللاجئين مطية لهم من أجل فرض إرادتها السِّياسية على دولهم فحتىَّ المنظمات غير الحُكومية التابعة لها والتي تقدر بأزيد من500 منظمة تتلقى تمويلها من هذه المفوضية. وفي اجتماع المفوضية بهذه المنظمات في العاصمة البلجيكية جنيف حضرت منظمات معروفة كهيومن رايس ووتش وكذلك مندوب عن المعهد الديمقراطي الأمريكي ومنظمة أوبن ساسيوتي انستيوتد والتي تلقت حوالي100مليون دولار أمريكي عام 2010 من الملياردير الصهيوني الأمريكي جورج سورس وهو كذلك من يُمول منظمة هيومن رايس واتش الحقوقية وبالتالي فإنَّ العلاقة بين هذه المنظمات الحقوقية والمنظمات غير الحكومية التابعة للمفوضية السَّامية لشؤون اللاجئين تبيِّن لنا مَدى عمق الارتباط الوثيق بينها عضوياً ومصلحياً وتجعل هذه المنظمة ومن يَرتبط بها من اللاجئين عبارة عنْ فزاعة فارغة تخفي أطماع هذه الدُّول ومن يديرهَا ويُمولها وإشعال الحروب والأزمات هي من أهمِّ الوسائل التي يستعملها هؤلاء من أجل تهجير البشر والاستفادة القصوى من كوادر الدُّول وكفاءاتهَا المُؤهلة في ظلِّ موجة شيخوخة تهدد بزوال مجتمعات أوروبية بكاملها إن لمْ تضخ إليها دماءٌ شابة واللاجئون هم حَجر الزاوية وركنها المتين في إستراتيجيتهم للمحافظة على بقاء هذه المُجتمعات وتطورهاَ.