أكثر شيء يحزّ في نفوس اللاجئين السوريين في المخيّمات على الأراضي الأردنية، ليس صعوبة العيش فيما يصفونه ب"السجن" ولا الحنين إلى وطن "دمرته" الحرب، وإنّما وجودهم في مخيّمات لم يقبلوها (السوريين) للنازحين خلال حرب العراق سنة 2003 وسقوط بغداد، وأيضا الحرب على جنوبلبنان سنة 2006، فاستضافوا أشقائهم وجيرانهم في بيوتهم ورفضوا فكرة المخيمّات.. "الخبر" اقتربت من لاجئي مخيّم "الزعتري" السوريين ونقلت يومياتهم بتفاصيل المعاناة. اختيار مخيّم ”الزعتري” للوقوف على معاناة سوريين هربوا من جحيم الحرب، التي لا مؤشر على نهايتها، أولا كان لأنه الأكثر استضافة للاجئين بأزيد من 150 ألف لاجئ، من رجال ونساء وأطفال وشيوخ وذوي الاحتياجات الخاصة، وثانيا لكون مخيّم ”الزعتري” أول مخيّم يقام على الأراضي الأردنية، وأضحى يكتسي ”سمعة دولية” لكثرة المشاكل وقلّة الإمكانيات، وتصّور ”المعاناة” في شكل أجسام يسهل لمسها. ويقع مخيّم الزعتري بحوالي 20 كيلومترا شرقي محافظة المفرق، شمالي شرق الأردن، وأقيم بصفة رسمية شهر جويلية 2012 عقب الأحداث التي رافقت الثورة السورية سنتي 2011 و2012، ومعظم سكان المخيّم من محافظات الجنوب السوري ودمشق وريفها وحمص. لا تتصوّروا الحياة داخل مخيّم ”زعتري” ب”الكارثية” ولا هي مخيّمات 5 نجوم، وإنّما هو وضع يرتسم ب”معاناة” لسكان فقدوا بيوتهم ”الشامية التاريخية” التي تروي جدرانها قصصا وحكايات عن العروبة وتاريخ العرب وموطأ الأنبياء، وأصبحوا يسكنون خيّما بلاستيكية في معظمها، تتوفر على نسبة ضئيلة من متطلّبات العيش الكريم. هكذا يستقبل الأردن اللاجئين السوريين ينقل لاجئ سوري، تحدثت معه ”الخبر”، لنا وللرأي العام المحلي والدولي تفاصيل عيشهم داخل مخيّم الزعتري، وتحفظ عن ذكر اسمه بالكامل واكتفى بمناداته ب”شادي”، وسبب تحفظه هو رغبته في عدم معرفة أهله الذين لايزالون في سوريا مكانه الحقيقي، تفاديا لعودته إلى ”أجواء اللااستقرار”، لكنه فتح قلبه لنا وسرد لنا حياته وحياة أقرانه وبقية اللاجئين داخل المخيّم. يقول ”شادي” إنّه بعد تخطي الحاجز الحدودي (يسمونه في الأردن ب”الشيك” الحدودي)، تكون هناك مرافقة أمنية تشرف عليها قوات حرس الحدود الأردنية للتعامل مع اللاجئين السوريين الذين يعبرون من عدة نقاط حدودية على طول الحدود الأردنية السورية، التي تمتد لأكثر من 370 كيلومتر، وبطرق أحيانا غير رسمية. وبمجرد الوصول إلى ”مخيّم الزعتري”، بعد قطع مسافة قليلة، يضيف ”شادي”، يتسّلم اللاجئون السوريون من ممثلي السلطات الأردنية خيّما وأفرشة ومصابيح كهربائية، وفي الشتاء تتضاعف الإمدادات بأغطية إضافية يتم توزيعها باسم منظمة الأممالمتحدة وجمعيات خيرية أردنية، لكن المعاناة تزيد في فصل الشتاء، فاللاجئون يسلّمون أجهزة تدفئة صغيرة لا تكفي ل”تسخين” خيم كبيرة، لاسيما أن المخيّم متواجد في منطقة صحراوية معزولة وخالية من ”البشر” ولا يحدّها لا حجر ولا شجر. وتتفاقم المأساة بمجرد سقوط زخات من المطر، فبالنسبة للاجئين هي ”نقمة” لأنّها تحوّل الخيم إلى ”خيّم عائمة”، في ظل عدم وجود قنوات لصرف المياه، وكون التربة غير نفوذة ولا تمتص المياه الراكدة. الغذاء لسدّ الرمق فقط وحسب شهادة ”شادي”، المتحصّل على ماجستير في علم الفيزياء، فإن الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين تؤثر على مؤونة الغذاء نظرا ل”قلته”، ف”مهمته” الأساسية سدّ الرمق فقط، أو كما يصف محدثنا ب”الكفاف”، وتوزيع الغذاء يكون خلال فترات زمنية معيّنة ويحتوي على خبز وخضروات وأحيانا فواكه. والمحظوظ من بين اللاّجئين السوريين من دخل المخيم وكان بحوزته مبلغ مالي معتبر، يستثمره في إنشاء متجر صغير يبيع فيه مواد غذائية وخضروات، أمّا سيئو الحظ من الفقراء فيكتفون بالإعانات المقدّمة لهم في إطار مساعدات الأممالمتحدة والجمعيات الخيرية المحلية، فيما تعتمد فئة أخرى على الحوالات البريدية من أهل لها، وهناك عائلات هربّت من المخيّم ليشتغل أبناؤها ونساؤها في مهن أخرى، وآخرون خرجوا بكفالة، بينما تكفّلت بعض العائلات الأردنية بأطفال يتامى. الحجارة تعوّض ألعاب الأطفال.. وتسرّب مدرسي كبير وإذا كان للكبار قدرة التحمّل على الظروف القاسية، فللأطفال لهم وضعهم الخاص. وحسب شهادة اللاّجئ السوري ”شادي”، فهم محرمون من ساحات للعب، فعوّضت الحجارة والتراب أكوام الألعاب المختلفة الألوان والأشكال، فتجد الكآبة تملأ وجوههم وتعابير وجوههم تكشف الحنين إلى بيت دافئ، وهو أمر مختلف بالنسبة للكبار بحكم أنّهم مجبرون في ظرف ”طارئ”، لكن تتعقد الأمور بعدم السماح لهؤلاء الأطفال تخطي أسوار المخيّم، فتجدهم في شبه سجن، عكس بلادهم التي كانت تتوفر على المساحات الخضراء. أما التعليم فأقل ضررا، فيوضح محدثنا أن المشرفين على مخيّم ”الزعتري” يقومون بتأمين الكتب وتوفير مدرّسين متطوعين من مختلف الجنسيات، لكن ومع ذلك تبقى نسبة التسرّب وسط المتمدرسين كبيرة بحكم ”الاكتئاب” في ظل بعد المدارس بمسافات بعيدة عن الخيّم، فيمنع بعض الأولياء أولادهم من الذهاب إليها خوفا عليهم من الضياع. أعراس في المخيّمات.. لكن بطريقة مختلفة وعن الرعاية الصحية، توجد بمخيّم ”الزعتري” مستشفيات أوروبية من فرنسا والدنمارك، وعربية من الإمارات والسعودية، وأخرى تابعة لمنظمة ”أونروا”. ومشكلة المخيّم، حسب ”شادي”، أنه أنجز على ”السريع”، وهو حاليا يحتوي على أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، في ظل ضعف الإمكانيات المادية، فإذا جاءت الرياح يحس اللاجئون بعدم الأمان، فالخيّم لا تقيهم من البرد ولا من الحر. حياة اللاّجئين في المخيّمات، وبالخصوص في مخيّم ”الزعتري”، عنوانها ”الأمل والإشاعات”.. أمل بانتهاء الحرب والعودة إلى الوطن، وإشاعات تصنعها وسائل الإعلام عن قرب انتهاء الحرب. فكثير من السوريين رجعوا إلى ”درعا” السورية بعد تحرير الجيش الحرّ للمدينة، ففضّلوا صور الدمار بلا حرب، على البقاء في مخيّم أصبح فيه العيش ”لا يطاق” وصور ”العوز التام” تتجوّل ب”حرية” في المخيمات. كما يخلو مخيّم ”الزعتري” من صدامات، يقول ”شادي”، بين اللاّجئين السوريين وقوات الأمن، بسبب الضغط الذي يوّلد الانفجار، فتنشب لأمور تافهة، اشتباكات ومشاداة، فيتعرض لاجئون أحيانا إلى الضرب على أيدي رجال الدرك الأردني، فشكّلت وحدات أمن المخيّمات لاحتواء الاضطرابات، لاسيما بين معارضي ومؤيدي النظام، وأيضا في أعقاب ظهور شبكات لتهريب اللاجئين من داخل المخيم، وتزايد حوادث السرقة والاعتداءات وظهور مسيرات تندد بنقص المؤونة. المخيّمات تُسقط غلاء المهور عن ”فاتنات الشام” ورغم معاناة اللاجئين السوريين وشحّ المعونات، فلا يخلو مخيّم ”الزعتري” من الأفراح والأعراس، فممارسة ”الحق الطبيعي” وإكمال نصف الدين للشبان والفتيات لا يمنعه لا المخيّم ولا هم يحزنون. وتختلف طقوس الزواج، فغياب ”الدبكة” السورية عن زفّ العروس إلى ”خيّمة” زوجها يؤثر كثيرا على نفسية العرسان، فالعرس يقام على أضيق نطاق، فيكتفون بالزغاريد في حفل بسيط لا يدوم ساعتين، والرابط بين العريس وعروسته هو ”القران الشرعي”، أي بالفاتحة من دون العقد المدني. وتزّف العروس إلى زوجها وفي قلبها ”غصّة”، فكل فتاة تحلم بلبس ”الفستان الأبيض”، إلا اللاّجئة السورية فتعوّض ما يسمونه ب”الطرحة” بفستان جميل إن وجد المهم أن يكون نظيفا، فالوضع الراهن يحتّم تقديم تنازلات. معظم اللاّجئين السوريين من الشباب ”يستغلون” وضع ”اللّجوء” والمخيمات للظفر ب”فتاة أحلامهم”، فالجمال الشامي كالنار على العلم، فكل من يريد فتاة جميلة للزواج ما عليه سوى تحمّل دفع مهرها، فمن استطاع كسب، ومن خاب بحث عن فتاة تساوي المهر الذي يقدر على توفيره، لكنها قاعدة قلَبها وغيّرها المخيّم، فسقط المهر الغالي عن الفتاة الجميلة وعوَّضته العائلات ب”الستر”، وتقليل المصاريف، ودرء إشاعة انتشار الدعارة في مخيّم ”الزعتري”، فقال اللاجئ السوري ”شادي” إنّها صناعة إعلامية. 9 أمراض خطيرة تهدّد اللاجئين التحدّي الذي تواجهه الحكومة الأردنية، حاليا، هو الانتشار المخيف لعدد من الأمراض الخطيرة والمعدية التي أضحت تهديدا مباشرا لصحة اللاجئين السوريين، وأبرزها الكبد الوبائي والسرطان والسل والإيدز والإسهال المائي والجرب والحصبة وأنفلونزا الطيور والحصبة الألمانية، علما أن الأردن لم يشهد هذه الأمراض منذ عقود، كما تعتبر تهديدات مباشرة أيضا للمحافظات الأردنية وقد تشكل كارثة صحية لعدم وجود قنوات صرف للمياه داخل المخيّم واكتفاء اللاّجئين بالحفر الامتصاصية. وتوجد المراكز الصحية في حالة استنفار كبيرة، رغم توفر مستشفيات مغربية وفرنسية وأردنية وإيطالية وعيادات سعودية متنقلة ومركز صحي أردني شامل، وقد ظهر ”تحدّي صحي” جديد هو ظهور وباء شلل الأطفال، فاتخذت السلطات الأردنية بفحص كل لاجئ على مستوى المراكز الصحية المستحدثة، فلا يمكن السماح لكل لاجئ يحمل مرضا دخول الأراضي الأردنية، وذلك في إطار إجراءات احترازية. كما تزداد تعقيدا عمليات استقبال اللاجئين لما تتطلبه من جهود إضافية من قوات حرس الحدود، في ظل الأحوال الجوية الشديدة والأمطار الغزيرة، ما قد يؤدي إلى إغلاق عدد من منافذ العبور، لذلك يتجه اللاجئون إلى استخدام طرق بديلة صعبة واستعمال القوارب في مناطق تجمع المياه للوصول إلى المناطق الآمنة ضمن الحدود الأردنية. 5,3 مليار دولار كلفة استضافة اللاجئين في عامين وتواجه الحكومة الأردنية بسبب الأعداد البشرية الكبيرة للاجئين السورين تحديات أمنية وسياسية واقتصادية، وقدّرت منظمات الأمم المتحدّة التكلّفة السنوية لاستضافة الأردن للاجئين السوريين ب2,1 مليار دولار للسنة الجاري، و3,2 مليار دولار للعام المقبل، بإجمالي 5,3 مليار دولار. وتضغط الحكومة الأردنية على المجتمع الدولي والأممالمتحدة والدول المانحة من أجل الرفع من قيمة المساعدات الإنسانية، حيث قدرت المساعدات الممنوحة للأردن، تحت بند مساعدات لاستضافة اللاجئين السوريين، بحوالي 777 مليون دولار. وأصبح اللاجئون السوريون، حسب الأممالمتحدة، يشكّلون نصف مليون لاجئ، و8 بالمائة من سكان الأردن، فيما يتواجد 77 بالمائة من هؤلاء اللاجئين خارج المخيّمات المخصصة لهم، بينما أوضحت الهيئة ذاتها أن معظم اللاجئين يقطنون بمنازل بالإيجار، ويحصلون على تعليم وخدمات صحية مجانا. 300 ألف لاجئ في الأردن غير مسّجل وأفادت تقارير الأممالمتحدة أن الأردن يعاني من ارتفاع الأسعار وضغط على الخدمات العمومية نتيجة زيادة أعداد اللاجئين، في مقابل وجود نسبة 14 بالمائة من السكان (حوالي 900 ألف أردني) يعيشون تحت خط الفقر الرسمي، و320 ألف منهم يعيشون في مناطق خدمات ضعيفة، وأنّ السوريين يتركزون بنسب عالية في هذه المناطق. وبلغ عدد الطلاب السوريين في المدارس الأردنية 71 ألفا، علما أنّ اللاجئين السوريين منتشرين في المدن والقرى الأردنية ولا يتجاوز عددهم داخل المخيّمات 280 ألف، هذا يشكّل ضغطا الخدمات والبنى التحتية، فيما يوجد 600 ألف لاجئ سوري مسجّلون لدى مفوضية شؤون اللاجئين، وأكثر من 300 ألف غير مسجلين، ما يشكّل عبئا أكبر على المجتمع الأردني، لأنّهم لا يحصلون على بطاقات إعانة. مدير التعاون والعلاقات في مفوضية اللاجئين، علي بيبي، ل”الخبر” ”تحسّن الوضع الإنساني للاجئين مرتبط بدعم المجتمع الدولي” كشف مدير التعاون والعلاقات في مفوضية اللاجئين في الأردن، علي بيبي، في حوار ل”الخبر”، أن الأوضاع في مخيّم ”الزعتري” في تحسن مستمر، وربط المحافظة على التحسّن بمدى توفر المساعدات التي يقدّمها المجتمع المدني للاجئين السوريين. وقال بيبي إن التحدي في المخيّم يتعلّق باستبدال الخيّم بالبنايات الجاهزة والتحكم الصحي في الأمراض المنتشرة وسط اللاجئين. كيف تقيّم الأوضاع في مخيّم ”الزعتري”؟ المخيّم في تطوّر مستمر منذ إنشائه في جويلية 2012، وأي تطور معتمد على مدى استجابة المجتمع الدولي. ونحن من موقعنا ندرك أهمية التحديات التي تواجه الأردن، فيما ندعو المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى استكمال دورها، لأنّه يوجد ما يقارب 75 بالمائة من اللاجئين السوريين خارج المخيّم، وهو التحدي والعبء الكبيرين. كما نسجل تحسنا ملحوظا، فحوالي 4 مليون لتر تدخل، يوميا، إلى مخيّم ”الزعتري”، مقارنة ببعض المناطق الأردنية التي لا يصلها الماء سوى يوم واحد في ثلاثة أسابيع، والوضع الإنساني في مخيم ”الزعتري”، مقارنة بمخيمات أخرى، ”مقبول”. ما هي التقديرات عن حجم المساعدات الممنوحة للاجئين السوريين؟ طلبنا منذ بداية السنة الجارية مليار دولار، فلم تصلنا إلا 60 بالمائة من هذا المبلغ ونحن على مشارف انتهاء سنة 2013، رغم أن نداء الاستغاثة يكون مطلع السنة، وذلك في ظل توافد أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين. تنشر أمراض كثيرة وخطيرة بالمخّيم، ما هي طرق التحكم فيها؟ الحكومة الأردنية شريك أساسي في إدارة الشؤون الصحية داخل المخيّم. وتقوم الفرق الطبية بحملات التطعيم والتلقيح ضد الأمراض المنتشرة. ونذكر بأن كل لاجئ مسجّل يستفيد من العلاج المجاني، من خلال الحملات التوعوية والخطط الموضوعة لتنفيذ هذه البرامج. هل يرتقب تغيير داخل المخيّم؟ التغيير غير وارد حاليا. والطارئ اليوم هو إعادة توزيع المراكز الصحية والمدارس وتوفير البنايات الجاهزة، كما تعمل إدارة المخيّم على تسجيل اللاجئين السوريين بواسطة بصمة العين لتفادي التلاعب. كيف تجري تحضيرات موسم الشتاء بالنسبة لسكان المخيّم؟ بدورنا نتقاسم مع إخوانا اللاجئين معاناتهم مع موسم الشتاء، ولمساعدتهم طلبنا تزويد المخيّم بالبيانات الجاهزة، فوفرت الأممالمتحدة 17 ألف بناية فقط، فيما نحتاج إلى 12 ألفا أخرى، وهي عملية تتطلب أموالا ضخمة من أجل استبدال الخيّم بها. هناك حديث عن تسيّب أمني داخل مخيّم الزعتري، ما صحة ذلك؟ في أي مجتمع في العالم توجد سرقات واعتداءات. واحترام القانون واجب ويقع على مسؤولية اللاجئين السوريين. والحكومة الأردنية ما تزال تسخّر الإمكانيات لبسط السيطرة والأمن داخل مخيّم ”الزعتري”، لكن على النزلاء احترام القانون. رئيسة تحرير صحيفة ”الغد” الأردنية، جمانة غنيمات، ل”الخبر” ”50 بالمائة من اللاجئين لن يعودوا إلى وطنهم” ترى رئيس تحرير جريدة ”الغد” الأردنية، جمانة غنيمات، أن الأردن يواجه تحديات أمنية وسياسية واقتصادية كبيرة، بسبب استضافته لأكثر من 600 ألف لاجئ سوري في مخيّمات عديدة، أكبرها مخيّم ”الزعتري”. وتعتقد جمانة غنيمات أن 50 بالمائة من اللاجئين السورين لم يعودوا إلى وطنهم بل سيبقون بالأراضي الأردنية. في هذا الحوار، الذي جمعها ب”الخبر” بمكتبها في عمان، تتحدث جمانة غنيمات عن تفاصيل التحديات التي تواجه الأردن جراء أزمة اللاجئين وقضايا أخرى.. ما هي التقديرات المتوفرة حول وجود اللاجئين السوريين بالأراضي الأردنية؟ تقديرات متواضعة. وهناك تقرير للأمم المتحدة يقول إن تكلفة استضافة اللاجئين السوريين خلال العام الجاري والمقبل تقدر ب5,3 مليار دولار، فما بالك بتواصل استقبال وفود جديدة. فعدد اللاجئين وغير اللاجئين في الأردن وصل إلى 1,3 مليون سوري، واللاجئون يمثلون 8 بالمائة من سكان الأردن، ولك أن تتخيّل النمو السكاني بهذا الشكل الكبير مرة واحدة، ما يؤثر على تآكل النمو الاقتصادي، والتنافس على الموارد المائية والطاقة والبنية التحتية أضحى كبيرا، وله تأثير مباشر على السوري والأردني، وعلى الاقتصاد الأردني. ما هي تأثيرات قضية اللاجئين السوريين على الاقتصاد الأردني؟ العمالة السورية أصبحت اليوم أرخص بكثير وتنافس الأردنية والوافدة الأصلية وهي المصرية. وحاليا السوري والمصري يتنافسان على العمل في الأردن، وهو عامل يزيد من معدل البطالة، ووجود 77 بالمائة من السوريين خارج المخيّمات، يعني أنهم يستفيدون من خدمات المؤسسات الصحية الرسمية دون ورود أسمائهم كمسجّلين ك”لاجئين”، وهنا تكمن الخطورة. فلو كان كل اللاجئين مسجلين وبقوا في المخيمات ضمن ظروف معينة، والجهات المناحة والإغاثة تعطي الدعم المباشر لهؤلاء في مساحة معينة، لكان تأثيرهم على الاقتصاد أخف. والموجودون في الأردن وضعهم جيّد، والتواجد خارج المخيمات هو ما ينهك الاقتصاد الوطني، ويخلق منافسات بين المجتمعات المحلية داخل الأردن على فرص العمل، ووصل الأمر في بعض المدن الأردنية حدّ إلغاء حفلات زواج نظرا لعدم وجود منزل فارغ يمكن للأردنيين استئجاره، كمثال مدينة ”إربك”، نظرا للعدد الهائل للسوريين. ونحن نتحدث اليوم عن تنافس في كل شيء وكلفات إضافية، وفي رأيي الاقتصاد الأردني لا يستطيع أبدا مواجهة هذا التحدّي، لأنه في أصله يعاني من أزمة، بعيدا عن سوريا وأزمتها، نتيجة أزمة الطاقة وانقطاع الغاز المصري، وارتفاع الإنفاق الحكومي والمديونية، ووجود ”فظاعة” في العجز وستزيد، لأنّ ما يقدّم من الدعم الدولي لا يكفي مقارنة بما هو موجود. هل توجد خطة حكومية لمواجهة هذا التحدي الاقتصادي؟ لا توجد خطة معلنة، لكن الإمكانيات تحدّد تنفيذ الخطط. فلو كانت هناك موارد وإمكانيات ومنح ومساعدات كافية من المجتمع الدولي والدول المانحة لتغطية التكفل باللاجئين لقلنا نعم ستوضع خطة لتجاوز استيعاب كل هذا العدد الضخم من اللاجئين، لكن محدودية الموارد وعدم وجود مبالغ مالية كافية من المجتمع الدولي العربي، لاسيما الخليجي وأيضا الغربي، والرقم الذي يتأتى للأردن لا يزيد عن 50 بالمائة من الاحتياجات الحقيقية، وهي كلها ضغوطات وتحديات حقيقية على الاقتصاد الأردني. قال الملك عبد اللّه، مؤخرا، في خطاب العرش السامي إن المجتمع الدولي إذا لم يتحمّل أعباء الأزمة السورية، فسيتخذ الملك الإجراءات التي تحمي مصالح الشعب والبلد، على ماذا يؤشر هذا التهديد؟ هو تلويح غير مباشر لوقف المساعدات للاجئين السوريين. وعدد اللاجئين أصبح فوق قدرة تحمّل الأردن، والملك بعث رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي من أجل الانتباه إلى اللجوء في الأردن، خصوصا وأن السوريين ممن لجأوا إلى الأردن معظمهم فقراء، وبالتالي هم بحاجة إلى دعم إضافي والتفاتة كبيرة من المجتمع الدولي. ما هي تبعات وجود اللاجئين السوريين على الصعيد الأمني في الأردن؟ هو حديث يقودنا مباشرة إلى حركة الأسلحة ما بين الحدود، وقد تم ضبط أسلحة دخلت الأردن أو خرجت منها. وأن تدخل أسلحة الأردن هذا التحدي الأول، أما التحدي الثاني فيتعلق بالمجموعات الأصولية والجهادية الموجودة في سوريا بعد انتهاء الأزمة، والتي ستبحث عن مكان لتفرض أجندتها فيه وهذا خطر ثان يهدد الأردن، أما التحدي الثالث، فمع لجوء السوريين دخلت خلايا لها مصلحة لضرب الأمان في الأردن. وعلى الصعيد السياسي.. حسب تقديري الشخصي، فإن 50 بالمائة من اللاجئين السوريين في الأردن لن يعودوا إلى وطنهم، بل سيبقون في الأردن، وهذا يعني الحديث عن تغيير للتركيبة الديمغرافية للمجتمع الأردني، ما يتطلب تفكيرا معمّقا، خصوصا وأنه مؤخرا بدأ الحديث عن إنشاء بنيات تحتية بالمخيّمات، بمعنى أن هذه المخيمات ستتحوّل إلى مدن قائمة بذاتها، ومع الوقت سيحصل لاجئون على جنسية وحقوق أخرى، وهذه مسائل لها تأثير على المجتمع الأردني. والنقطة الثانية على الصعيد السياسي، تكمن في تحالفات الأردن، فالبلاد دخلت في تحالف. وبناء على موقف الأردن من سوريا، فمايزال متوازنا، بمعنى أنه يفتح قنوات مع النظام ومع المعارضة، وأقام تحالفا مع السعودية والإمارات اتجاه الضغط والتسليح وإسقاط النظام، وفي الوقت نفسه هو مستمر في التعاطي مع المعارضة، وهذا الموقف الذي أسميه ”رمادي”، وفي الأخير سيكون، حسب اعتقادي، له نتائج سلبية على الأردن، فلا يغضب طرف على حساب الطرف الآخر، لكن في المعركة هناك دائما طرف سينتصر، وحسب المنتصر ستكون النتائج السياسية للنظام الأردني. ويوجد أيضا تأثير آخر عدا التحالفات، فالمشهد السياسي الكلي المرتبط بإيران وإسرائيل والحلقة التي تفتح أينما كانت المرتبطة بالأزمة السورية، ستؤثر على الأردن سلبيا، خصوصا أن الأردن كان رافضا للتعامل مع إيران بسبب التحالفات السياسية. والآن تغيير المعادلة الدولية في التعامل الأمريكي الإيراني سيضرّ بالأردن وحلفائها، وكلها مسألة معقدة والحكم عليها بحاجة إلى وقت، وستحسم صورة التحالفات والاتفاقات السياسية ونتائجها في المنطقة. هل تستغل المعارضة اللاجئين السوريين كورقة ضغط على النظام لإحداث إصلاح؟ ورقة اللاّجئين ليست ورقة ضغط، وهي تتم بموافقة الحكومة، ولا تستعمل لفرض أجندة معينة على السلطات الأردنية.