صحيح أنّ التجارة هي عمل الهدف من ورائه ربح المال وجني قوت اليوم، لكن هذا لا يجعلها نشاطا دون أخلاقيات وضمير، بل بالعكس من ذلك، فللتجارة أحكام كثيرة لا بد أن يعرفها كل من أراد ممارستها، وهو الأمر الذي يجهله بعض التجار أو أشباه التجار، والذين لا هم لهم إلاّ الربح ولا شيء سواه، ولو كان ذلك عن طريق السرقة والاختلاس والتحايل. هذا ما يفعله البعض ممن يستأجرون محلات في مناطق نائية ويختارون ممارسة نشاط قد لا تتوفر عليه تلك المنطقة، لا لشيء إلاّ ليفرضوا قانونهم الخاص، ويحددوا الأسعار التي يريدونها، أمّا المواطن المغلوب على أمره فيضطّر إلى الشراء والرضوخ إلى حكم القوي. في درارية، وفي أحد الأحياء التي بنيت حديثا، والتي لم تُنشئ بها مرافق كثيرة، بل لا تكاد تجد بها كلّ المرافق الضرورية، والمحلات التي يحتاج إليها المواطنون في حياتهم اليومية، في هذا الحي تمكن السيد »ب« من فتح محل لبيع المواد الغذائية، ففرح السكان واستبشروا لأنها بداية تفتح الحيّ كله على النشاطات التجارية، وبالتالي نهاية معاناتهم، حيث كانوا يتنقلون أكثر من كيلومتر أو حتى كيلومترين لشراء بعض الأغراض، فهنأوا »ب« وهنأوا أنفسهم قبل أن يدركوا حقيقته، وأنه لص ليس إلاّ، حيث وبعد أيام من بداية نشاطه اكتشفوا أنه يبيعهم الأغراض بضعف الثمن، وكانوا في البداية يحسبون أنه يفعل ذلك لأنه يجهل الأسعار الأصلية للمواد التي يبيعها، لكنه ومع إصراره وعناده على تلك الأسعار أدركوا أنه كان يعي جيدا ما يفعل، وأنه يتعمد ذلك مستغلا وضع الحي الذي لا يوجد به أي محل للمواد الغذائية، وراح يتمادى في ذلك حتى قاطعه البعض، وصاروا يفضلون قطع مئات الأمتار على أن يرضخوا له، فيما استسلم الآخرون لحكم القوي، خاصّة المسنون والذين لا يستطيعون التنقل، وليس لديهم من يشتري لهم، ويقول إلياس (20 سنة) وهو ساكن بذات الحي عن الموضوع: »لقد بلغت الحقارة ببعض البشر الدرجة التي ترون، فهذا البائع يستغل المسنين والعاجزين عن المشي لكي يضمن ربحا سريعا، ويا ليته يزيد دينارا أو دنانير معدودات، بل إنه، وبكل وقاحة، يضاعف الثمن أحيانا، فعلبة عجائن لا يتجاوز سعرها عند غيره 35 دينارا يبيعها هو ب50 دينارا، وحتى أكياس الحليب يبيعها ب30 دينارا، بحجة أنّ الناقل الذي يجلبها له يطلب منه أن يزيد في أجرته، لأنه يقطع مسافة طويلة للوصول إلى حي لا يوجد به إلاّ هو. وفي حي آخر متواجد على مستوى بلدية بوزريعة، والذي ورغم أنه أنشئ منذ مدّة طويلة، إلاّ أن لا أحد أراد أن يستثمر فيه، أو بالأحرى قليلون هم من فتحوا به محلات، ومن بينهم شاب افتتح كشك هواتف عمومية، لكنّ نيّته لم تكن إبعاد العزلة عن أهل المنطقة ولكن استغلالهم عبر مضاعفة أسعار المكالمات، حيث ضبط عداد الهواتف على ضعف الثمن الذي يشتغل به الآخرون عادة، ولكنّ نهايته كانت على يد أحد سكان الحي، والذي افتتح بدوره كشكا ليمارس نفس النشاط، لكن بأسعار مقبولة ومعقولة، ورغم أنّ التاجر اللص عاد وخفض ثمن المكالمات، إلاّ أنه لا أحد صار يدخله وانتهى بأن أغلق محله، وربما ذهب ليستأجر محلا آخر، في منطقة نائية أخرى ليستغل مواطنين آخرين.