تغزو أسواق ولاية أم البواقي، على غرار باقي ولايات الوطن، أنواع عديدة ومختلفة وبكميات كبيرة من المواد الغذائية المعلبة ذات ماركات غريبة وأشكال مغرية، تسر الناظرين وخاصة الفضوليين. هذه المواد الغذائية معظمها غير موضح عليها بلد الصنع والمنشأ، ولا حتى تاريخ الصلاحية، أو تحمل تاريخ صلاحية مزور على الرغم من أن هذه المواد الغذائية في أغلب الاحتمالات فاسدة وتشكّل خطرًا كبيرًا على صحة مستهلكيها، إلاّ أن المستهلك يقبل عليها بشراسة وشراهة، نظراً لرخص أسعارها لا غير وتلك هي مصيبة الجزائريين العظيمة وكما يقول المثل الشعبي المأثور “تبّع رخصه يضيع نصفه”..!! ويصدق المواطن الجزائري المستهلك والمغلوب على أمره أولاً لأنه لا يوجد لديه ثقافة استهلاكية تجعله يميز بين الغث والسمين من السلع وثانياً غلاء الأسعار، الأمر الذي يدفعه لشراء هذه المواد المغشوشة تحت إغراء رخص سعرها.. هذا في ظل وجود بعض التجار والمستوردين البارعين في الغش والتزوير الذين يستوردون ويروجون للسلع والمواد المزورة، مستغلين جهل وظروف المستهلك المعيشية الصعبة وكذا غياب تفعيل الرقابة على دخول هذه السلع إلى الوطن. السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف تدخل هذه السلع والمنتجات إلى السوق الوطنية، فالشواهد الحية في أسواقنا المحلية لا تحتاج إلى دليل، فهناك المئات بل الآلاف من السلع والأغذية المغشوشة التي تباع في عرض الجزائر وطولها دون رقيب أو حسيب.. الأمر الذي يؤكد أن هناك قصوراً حقيقياً في الرقابة على دخول هذه السلع والمنتجات إلى بلادنا. ويضاف إلى هذا غياب الوعي الاستهلاكي لدى المواطن، حيث يؤكد المعنيون في المديرية الولائية للتجارة بأم البواقي أن من العوامل التي تقوّض وتحد من فاعلية أسس الرقابة على الأغذية وتعيق تنفيذها تتمثل في ضعف التشريعات وعدم اتساقها وازدواجية المهام وتضارب الاختصاصات بين الجهات ذات العلاقة، بالإضافة إلى الافتقار للكثير من وسائل الإشراف والرصد وتهاون سلطات القضاء أو الجهات المنفذة للأحكام في القيام بدورها كما ينبغي في فرض سلطة وهيبة القانون. هذه المواد الغذائية التي تغزو الأسواق في معظم مدن الولاية، تدخل عن طريق التهريب، ورغم التحذير من خطورتها على صحة المواطن وعلى الاقتصاد، إلاّ أن هذه الظاهرة تتكرر بشكل دائم بل إنها تزداد عاماً بعد عام نظرًا لنقص الرقابة والإقبال الواسع على اقتنائها من طرف المستهلك المحلي. عبد العالي سرور(مواطن)، أبدى استغرابه الشديد من كيفية دخول مثل هذه المنتجات إلى الولاية، معتبراً ذلك استخفافاً واستهتاراً بصحة المواطن، خصوصاً وأنها أصبحت ظاهرة تتكرر باستمرار وبشكل علني. مضيفاً “للأسف بعض المستهلكين يشترون هذه المنتجات بحجة أن هذه السلع باقي لها مدة محدودة حتى تنتهي وهذا بسبب الجهل، دون أن يعلموا أن إدخالها للولاية وبيعها في الأسواق المحلية يتم عن طريق التهريب براً وأن هذا قد يفسدها حتى ولو بقي من الزمن المحدد لصلاحيتها سنة، نتيجة تعرضها لحرارة الشمس وغيرها من الظروف الطبيعية الأخرى”. عندما تنام عيون أجهزة المراقبة.. أما عمر سعداني (أستاذ ثانوي) فيقول “لا أتعامل مع هذه المنتجات ولا أنصح الناس حتى بالتفكير في شرائها، ذلك لأنها منتهية الصلاحية حتى لو لم تنته طبقاً للتاريخ المكتوب عليها، فهي بين احتمالين الأول أن تكون قد انتهت صلاحيتها تماماً ولكن بعض التجار ضعاف النفوس والذين لا تهمهم حياة المواطن وإنما ينظرون إلى جني الأرباح فقط، يتلاعبون بتاريخ الصلاحية والانتهاء. أما الاحتمال الثاني فهو أن يكون فعلاً بحسب التاريخ هناك زمن باق من فترة صلاحيتها ولكنها تفسد عند تهريبها إلى بلادنا”. وأضاف أن الأغرب أن هذه المنتجات ما تزال تدخل إلى بلادنا بشكل دائم ومستمر فأين الرقابة؟ منتجات خطيرة بأسعار رخيصة يقول (علاوة.ج) صاحب محل لبيع المواد الغذائية بعين البيضاء إن الكثير من الناس يقبلون على شراء هذه المنتجات والتي تبدو مغرية لأشكالها الجذابة، بالإضافة إلى أنها غير متوفرة إلا عندنا، فهي ليست منتهية الصلاحية وإنما بقي لها أشهر حتى تنتهي صلاحيتها ويمكن التأكد من ذلك، مضيفا “ّنشتريها بسعر رخيص من تجار الجملة وبأسلوبنا نروجها للناس ونقنعهم بشرائها”. أما (الهامل.ك) صاحب محل تجاري بمسكيانة فيقول إن المواطنين يبدون تخوفهم للمرة الأولى من هذه المنتجات وذلك لأنها غريبة، ولكني أقنعهم ببعض العبارات ومنها (الناس كلهم يشترونها، فرّح أولادك ودلل عائلتك فسعرها رخيص ومدهش)”. وأكد أن المنتجات التي يعرضها ليست منتهية ومكتوب عليها ما يدل على وجود أشهر عديدة على الانتهاء وسعرها رخيص، إضافة إلى أنه يبيعها أمام الناس ّولو كانت منتهية فليس من المعقول أن نبيعها علناً”. تهريب مقنن وفي ذات السياق يقول رشيد بن ذيب، مسؤول بالجمعية المحلية لحماية المستهلك بولاية أم البواقي إن هذه المنتجات تصل الجزائر منتهية الصلاحية أو يكون متبقياً من زمن صلاحيتها بضعة أشهر، من خلال التهريب عبر الحدود أو بالتواطؤ وهو ما يمكن أن نسميه “التهريب شبه الرسمي”. وأضاف أنها تدخل الجزائر من كل بقاع الدنيا وخصوصاً دول الجوار كتونس وليبيا والمغرب ومصر، ودول آسيوية كالصين وتايوان وتايلاندا. وأشار إلى أن المعنيين بالتهريب هم من يظهرون بشكل مفاجئ بحثاً عن الربح السريع والسهل مهما كانت النتائج، وبعدها يعملون على تغيير بيانات الصلاحية من خلال وضع بيانات مزورة ضاربين بذلك صحة وحياة المستهلك عرض الحائط. وأضاف أن بعض هذه المنتجات تفسد أو تنتهي صلاحيتها بسبب تعرضها لظروف سيئة عند إدخالها خصوصاً عن طريق البر، أما عن الرقابة فيقول بن ذيب إنها غير موجودة في كل المنافذ “ونحن بحاجة إلى الجيش الوطني الشعبي كاملاً لحراسة الحدود. ولأن الرقابة في بلادنا متخصصة بالمحلات التجارية، تباع هذه المنتجات على الأرصفة حيث تكون الرقابة بعيدة”. حلوى فاسدة للأطفال!؟ ووصل جشع بعض التجار الفجار إلى استيراد كميات معتبرة من حلوى موجهة خصيصًا للأطفال، حيث قام بعض التجار من عين الفكرون بتهريب حوالي 3 أطنان من حلوى مختلفة الأشكال والأحجام والألوان والمذاق من الصين وثبت بعد تناولها من طرف أطفالنا المساكين أنها تحتوي على مواد كيمائية سامة أفضت إلى تسجيل عدد من حالات التسمم الغذائي بلغت ال60 حالة في ظرف يومين مع تسجيل وفاة طفلين، صادف أن كانا من أقارب التاجر الذي استورد هذه الحلوى، فما كان عليه بعد علمه بالموضوع إلا المسارعة بسحب تلك الكميات من الحلوى وإتلافها بعيدًا عن أعين الرقابة ومصالح الأمن وانتهى الأمر وكأن شيئًا لم يكن. حتى حليب الرضع... فاسد..!! أصبحت أرواح الأبرياء لا تساوي شيئًا عند بعض أشباه البشر، الذين لا يتوانون لحظة في إبادة أمم كاملة من أجل الربح السريع، ولكن أن تصل الوقاحة ببعض التجار ورجال الأعمال إلى استيراد وتهريب حليب البودرة الموجه خصيصًا للرضع فتلك هي الكارثة. وسجلت مصالح الجمارك على مستوى ولاية أم البواقي حجز حوالي 4 أطنان من حليب الرضع تمكّن بعض التجار من تهريبها من تونس وتوزيعها في الأسواق المحلية، لكن لحسن الحظ وبفضل يقظة رجال الجمارك وحرس الحدود تم إحباط عملية توزيع هذه السموم القاتلة في الأسواق بعد أن تم حجزها في عملية نوعية أنقذت أطفالنا الرضع من موت محقق. مصيدة غياب الوعي لدى المستهلك أما بخصوص غياب الوعي لدى المستهلك وهو الفخ الذي يجعل المستهلك دائماً يقع ضحية الغش والتزوير التجاري، فإن المواطن أصبح بحاجة ماسة للوعي الاستهلاكي في ظل تعدد أساليب التحايل من قبل بعض ضعفاء النفوس من ذوي المصالح الضيقة، الذين يجعلون الربح هدفهم الأول بغض النظر عن الوسيلة ويحتالون على الجهات الرقابية. فهناك من يلجأ إلى التهريب كأسلوب يحتال فيه على الجهات الرقابية، وهناك من يعمل على تزوير البيانات الإيضاحية للسلع في الغرف المظلمة وهذه الفئة أشد ضرراً على المجتمع، كونها تتسبب في تهديد حياته بالمخاطر الصحية، وهناك من يتحايل عن طريق التلاعب بالأوزان وغير ذلك من أساليب الإغراء والتحايل. المتاجرة بأرواح المستهلكين وأكّد مسؤول جمعية حماية المستهلك بأم البواقي أن هذه الظاهرة مزمنة وستظلّ مستمرة، فما يدخل من هذه المنتجات إلى بلادنا يقدر بمئات الآلاف من الأطنان، منها ما تمّ إتلافه والباقي ما زال في الأسواق. وأضاف أنه في 2009 تم إتلاف ما يقارب 90 ألف طن من هذه السلع، مع تسجيل 150 حالة تسمم غذائي بسبب تناول مواد غذائية مهربة ومجهولة المنشأ، أفضت إلى وفاة حوالي 10 أشخاص من بينهم 4 أطفال تتراوح أعمارهم ما بين سنة و6 سنوات ما يدل على خطورة هذه الظاهرة. ودعا المتحدث إلى تفعيل دور أجهزة الرقابة في وزارة الصحة والسكان ووزارة التجارة والجمارك وغيرها من الجهات المعنية والشّرطة وحرس الحدود على وجه الأخص، إضافة إلى دعوة وسائل الإعلام مختلف أنواعها للقيام بمهامها في توعية المواطنين وحثّهم على عدم شراء مثل هذه المنتجات لأنها خطيرة وتهدد صحتهم وحياتهم. وعلى اعتبار أن ضمان السلامة والجودة في الغذاء وغيره مسؤولية وطنية في الأصل، فإن هناك الكثير من المنظمات الدولية تهتم بالشأن الغذائي، وأصدرت الكثير من التشريعات والأنظمة التي ينبغي على الجهات المعنية عن الرقابة في بلادنا الاسترشاد بها والاستفادة من خبراتها في وضع الأنظمة الوطنية الخاصة بالرقابة والتفتيش على الأغذية والتي تعطي كل الاهتمام للسلسلة الغذائية بآلية سليمة لارتباطها بأغلى شيء يملكه الإنسان وهو الصحة. وتطبيق هذه الأنظمة بالتأكيد يتطلب إيجاد إعداد إطارات مؤهلة فنياً وإدارياً من قبل الجهات المعنية عن الرقابة في بلادنا ابتداءً من إطارات الأمن والجمارك الذين يقفون في المنافذ البرية والبحرية والجوية وانتهاءً بالكوادر المعنية بصحة البيئة وكوادر المواصفات والمقاييس وضبط الجودة وقمع الغش وذلك حتى يتمكّنوا من التعامل مع أنظمة السلامة الغذائية والرقابة على المواد والسلع التي تدخل البلاد بثقة واقتدار.