مع اقتراب احتواء القدس وعزلها تماماً عن محيطها العربي بالجدار الإسرائيلي العنصري واحاطتها بالعديد من المستعمرات الاستيطانية فإن أكثر من 250.000 مقدسياً عربياً مسلماً ومسيحياً قد صاروا رهائن ومعزولين داخل مدينتهم التاريخية، إنهم المرابطون الجدد في التاريخ العربي وهم الصامدون الأقوياء الذين لن يبرحوا المدينة المقدسة والمدافعون عن الحرم القدسي الشريف بكل أكنافه وأروقته وقبابه.. وهم الأمناء على تراث الأمة الإسلامي والمسيحي في القدس الشريف. إن المقدسيين العرب المحاصرين داخل القدس جيلاً وراء جيل قد واجهوا منذ البداية مخططاً لفرض غالبية ديموجرافية يهودية في قسمي المدينة منذ صدور أول قرار للكنيست الإسرائيلي الذي أعلن فيه أن القدس عاصمة "إسرائيل"، حيث منح الحكومة صلاحيات فرض قوانينها على القدسالشرقية وكان من أبرز الإجراءات الإسرائيلية بعد حرب1967، عملية الإخلاء والطرد بالقوة لأكثر من (6000) فلسطيني من البلدة القديمة، خاصة حارة المغاربة وهدم حوالي (135) منزلاً وذلك لتوفير مساحة ممتدة أمام حائط البراق (المبكى). ومع توسيع أرض بلدية القدسالمحتلة لجأت "إسرائيل" إلى تغليب السكان اليهود على أصحاب الأرض المقدسيين العرب وقامت الحكومة الإسرائيلية بإجراء إحصاء للسكان فور إحتلالها للقدس عام 1967، وسجل التعداد السكاني أن (66.000) فلسطيني يقيمون في القدسالشرقية ضمن الحدود البلدية الجديدة (44.000) في حدود القدسالشرقية عام 1967 و22.000 في المناطق التي ضمت لحدود بلدية القدس وقد اعتبرت "إسرائيل" هؤلاء المقدسيين مقيمين دائمين في القدس حسب قانون دخول "إسرائيل" لعام 1952 ونظام دخول "إسرائيل" لعام 1974، أما بالنسبة لأولئك الذين لم يشملهم الإحصاء السكاني بسبب غيابهم إما للدراسة أو العلاج أو الزيارة في الخارج أو غيرها من الأسباب فقد إضطروا للتقدم بطلبات لوزارة الداخلية للعودة والاقامة ضمن نظام إسرائيلي، يعرف باسم لم شمل العائلات. لقد شجعت الحكومة الإسرائيلية المواطنين اليهود على الانتقال والإقامة في القدسالشرقية ومنحتهم تسهيلات في شراء الشقق السكنية والاعفاءات من الضرائب البلدية لفترات من الزمن ونتيجة لذلك، فقد تراوحت نسبة المستوطنين اليهود في القدسالشرقية 75% - 80% من الزيادة السكانية لليهود في القدس منذ 1967، وقد أعلنت بلدية القدسالغربية في (يونيو) 1993 ولأول مرة عن أغلبية إسرائيلية في القدسالشرقية، بارتفاع تعداد المستوطنين اليهود إلي (160.000) متقدمين على العدد الفلسطيني والذي كان يومها حوالي (155.000) فلسطيني. وسجل كتاب الإحصاء السنوي الإسرائيلي للقدس منذ عامين عدد السكان العرب في القدس حوالي (208.700) والذي يشكل ما نسبته 31.7% من المجموع الكلي لسكان المدينة، في حين كانت النسبة عام 1990 -(27.9%)، وعام 1999-(31.1%)، ولكن أرقام الإحصاءات الفلسطينية تبين ارتفاعاً مغايراً في الأرقام، ويقدر أن حوالي ثلث الفلسطينيين الذين يحملون بطاقات هوية مقدسية يقيمون خارج حدود البلدية في مدن الضفة الغربية المجاورة ويقدر مركز الاحصاء الفلسطيني المركزي أن نحو (238.561) فلسطينياً يعيشون في القدس التي ضمت لإسرائيل في عام 2001 في حين أن نحو (373.713) فلسطينياً يعيشون في محافظة القدس في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية. وتبقي الحقيقة، التي تعمل اسرائيل علي اخفائها، ان النمو السكاني العربي في القدس ارتفع إلى 4% عام 1999 في حين سجل النمو السكاني اليهودي 1.1% وهو أقل حتى عن النمو السكاني اليهودي في "إسرائيل" وقد شهد عام 1998 مغادرة نحو 6.300 من السكان اليهود المدينة بسبب ارتفاع نفقات السكن في المدينة، وقد نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية في27 سبتمبر 2000 ملخصاً لدراسة أعدها باحثون إسرائيليون في معهد القدس للدراسات الإسرائيلية أن نحو (56%) من سكان القدس يقيمون في الجزء الذي جري ضمه عام 1967 وأن نحو (46%) من سكان القدسالشرقية هم من اليهود ويشكلون مانسبته 38% من المجموع الكلي لسكان القدس. * * * هذا وتواصل "إسرائيل" ممارساتها لتكريس تهويد القدس ومن الممارسات الإسرائيلية نذكر ما يلي: * زيادة البؤر الاستيطانية داخل الأحياء الفلسطينية واسكانها بالمستوطنين ومنها إقامة وحدات سكنية في رأس العمود وإقامة حي استيطاني في جبل المبكر. * محاصرة القدس بشبكة واسعة من المستعمرات والجدران والحواجز والطرق الالتفافية للحد بصورة كبيرة من الوجود الفلسطيني في القدس وقدرة السكان العرب من الوصول إليها وقد تحددت المستعمرات اليهودية المقامة خارج القدس بصورة كبيرة لتلتحم مع التكتل السكاني بالقدس وتعيد رسم خريطة ديموغرافية جديدة للمدينة. وتستهدف مثل تلك الممارسات الإسرائيلية الصارخة إقامة قدس كبرى تضم مليون يهودي في المستقبل القريب. وفي مواجهة هذا المخطط الإسرائيلي لا نملك إلا التعبير عن وفائنا للقدس، قلب فلسطين منذ أن بناها الكنعانيون العرب ومنذ أن وثق عمر بن الخطاب في عهدته العمرية التاريخية عروبتها وتعايشها الإسلامي والمسيحي ومنذ أن دافع عنها الأجداد جيلاً وراء جيل في مواجهة كل صنوف الاحتلال. إن القدس.. أرضها وسماءها وهواءها وماءها وشجرها وحجرها، ماضيها ومستقبلها هي كما يؤكد كل مقدسي الأمانة الكبرى لدينا جميعاً.. فلنكن جميعاً مرابطين مع المقدسيين العرب حتى ساعة استردادها وإن طال الزمن.