بقلم: الطيب بن ابراهيم* نستقبل السنة الإسلامية الجديدة سنة 1439ه وحال المسلمين كما كان بل ازداد سوءا على ما كان ومستوى درجات الخطر فيه تتراوح مابين الخطير والمتوسط أخطرها الحروب الأهلية التي تسود عددا من دوله وأوسطها الفقر والجهل والتبعية والتشرذم وأخفَّها انعدام الديموقراطية وتسلط ديكتاتوريات عسكرية وملكيات مطلقة وكل ذلك نلخصه بكلمة التخلف المناقضة للتحضر. فواقع الانحطاط والتخلف هو عندما ينحط فكر المجتمع أو الأمة في التصور والمعرفة والفهم والرؤى والإبداع للتغلب على التحديات الحضارية الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي يعاني منها الفرد والمجتمع والنهوض يعني إخراج الأمة من دائرة التخلف . فالحضارة ليست هي قدرة الإنسان على الاستيراد والاستهلاك من سوق الحضارة كما أن التحضر ليس هو من يملك أحيانا الفيلات الأنيقة والقصور المنيفة والحدائق الغناءة والسيارات الفخمة والحسابات البنكية الطائلة فقد يكون ما تملكه بعض الجماعات من الشعوب المتخلفة من هذه العناصر ما لا تملكه نظيراتها في دولة مثل اليابان وهي على سدة قمة المجتمعات المتحضرة !!؟. تعرض المسلمون للغزو الحضاري الغربي بكل أبعاده الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والعلمية والعسكرية والسلوكية والنفسية منذ الانقلاب الحضاري الذي عرفه العالم بعد الكشوفات الجغرافية والثورة الصناعية بزعامة أوروبا وهزموا أمام الغرب حضاريا وأصيبوا بالقابلية للاستعمار كما قال ابن نبي قبل أن يعمهم الاستعمار الأوروبي من موريتانيا غربا إلى اندونيسيا شرقا. ورغم موجة التحرر التي سادت العالم الإسلامي بعد الحرب العالمية الثانية كالباكستان واندونيسيا... وبقية دول الاتحاد السوفييني لاحقا كأوزباكستان وكازاخستان....لكن التحرر كان سياسيا ولم يكن حضاريا لان الهزيمة أصلا كانت حضارية ولم تكن عسكرية فقط وإلا لتحررت بلداننا واستردت مكانتها بسرعة كما كان حال ألمانياواليابان المنهزمتين والمدمَّرتين عسكريا وليس حضاريا. إن واقع حال المسلمين يتناقض مع حقيقة دينهم فالمسلمون وَهَنُوا وشُلّت سواعدهم وتجمَّدت عقولهم فعمهم الفقر والجوع والجهل والتخلف وبدِّدت ثروات أثريائهم فهُزموا وانتُهِكت حرماتهم واستبيحت أراضيهم وسلبت سيادتهم وهزمت جيوشهم ودمِّرت أسلحتهم وانعدمت هيبتهم وسلبت إرادتهم وزالت قوتهم وأصبحوا رقما تافها لا يحسب له حساب رغم عددهم وعدتهم ولا يسمع لهم صوت وتخلى العالم عنهم في اتخاذ أي قرار بعد أن تخلوا عن أنفسهم. لقد استسلم كل نظير في العالم الإسلامي لنظيره في الغرب دولنا وشعوبنا وأنظمتنا وقوانيننا وجميع أنشطة حياتنا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فزراعتنا استسلمت لزراعة الغرب وأصبحنا لا نأكل مما نزرع من حبوب وخضر وفواكه بل لا نستورد من غيرنا إلا بشروطه وصناعتنا استسلمت لصناعة الغرب فلا نلبس مما ننسج ولا نركب مما ننتج فكل أدواتنا المنزلية والإدارية والصحية وكل وسائل اتصالنا وتواصلنا وعلاجنا كلها من الغرب أو الشرق واستسلمت تجارتنا لتجارة الغرب واقتصادنا لاقتصاده وعملتنا لعملته ولغتنا للغته وثقافتنا لثقافته وعلمنا لعلمه وأسلحتنا لأسلحته ومنتجنا لمنتجه ورداءتنا لجودته. وأصبح المسلمون تُبّعاٌ لغيرهم في مأكلهم ومشربهم وملبسهم ومركبهم وتسليحهم وتعليمهم وفي سلوكهم وفي كل شؤون حياتهم.غلبوا على أمرهم والمغلوب مولع بتقليد الغالب كما قال ابن خلدون فعمهم الاستلاب الحضاري والغزو الفكري والثقافي والانقياد النفسي والإحباط المعنوي وفقدان الثقة بالذات وبعد أن تخلصوا من الاستعمار والقابلية له لا زالوا لم يتخلصوا من حالة القابلية للغزو الحضاري. فزراعة الغرب وصناعته وتجارته وعملته وأسلحته وسياسته وثقافته وفنونه وكل ميادين هزيمته لنا هي نشاط وإنتاج بشري أرضي كان الإنسان الغربي وراءه فجودته ورداءته وقوته وضعفه تقاس بقوة أو ضعف منتجه وارتقائه أو انحطاطه الحضاري فالحضارة بكل فروعها وميادينها هي منتج بشري والإسلام عكس ذلك إنه دين سماوي. وإذا كان حال المسلمين هو التخلف والانحطاط لم يكن ذلك هو حال الإسلام فضعف المسلم أو خطأه ليس هو ضعف أو خطأ الإسلام فالإسلام ليس منتجا بشريا يرتبط بتطورات منتجه البشر فيتطور بتطور المسلمين أو ينحط بانحطاطهم هو دين سماوي سامي ثابت لا ينقص ولا يزيد لا يضعف ولا يقوى استثني عن قاعدة استسلم كل نظير لنظيره من المنتجات البشرية فهو ليس منتجا بشريا أرضيا ولا منتجا حضاريا ولم يستسلم لنظيره بل استسلم نظيره له رغم أن نظيره هو الغازي والمستعمِرُ والمالك للمال والسلاح والقرار!. واقع مرير ولم يصبح المسلمون يمثلون حقيقة الإسلام خاصة في عصور الضعف والانحطاط حيث ساد الجهل والتخلف وحلّت الخرافة والشعوذة والعادات والتقاليد الإقليمية والقبلية والقومية محل الدين وقاد المسلمين علماء جامدون وأشباه العلماء وأنصاف المتعلمين بل الجهلة والعوام وكان أبو حيان التوحيدي أكثر العلماء جرأة وهجوما وتصديا لأشباه العلماء وللعلماء على حد السواء وهو القائل : والعجب أنك أيها العالم الفقيه الأديب النحوي تتكلم في إعرابه وغريبه يقصد القرآن وتأويله وتنزيله وكيف ورد وبأي شيء تعلق وكيف حكمه فيما خص وعمّ ودلّ وشمل وكيف وجهه وكيف ظاهره وباطنه ومشتمله ورمزه وماذا أوله وآخره وأين صدره وعجزه وكتابته وإفصاحه وكيف حلاله وحرامه وبلاغته ونظامه وغايته ودرجته ومقامه ثم لا تجد في شيء مما ذكّرتك به ووصفتك فيه ذرة تدل على صفائك في حالك وإدراكك مالك بل لا تعرف حلاوة حرف منها فعلمك كله لفظ وروايتك حفظ وعملك كله رفض. وإذا كان هؤلاء الذين ينتقدهم أبو حيان يعرفون كل ذلك على القرآن حتى ولو كانت معرفتهم تلك شكلية فماذا كان يقول لو كان معنا اليوم أمام من لا يعرف أدنى ما كان يعرفه من انتقدهم أبو حيان !؟. وبعد استسلام المسلمين لم ولن يستسلم الإسلام وهو ما تطالعنا عليه الصحف الغربية نفسها بانتشار الإسلام الواسع في الغرب بين شعوبه ونخبه رغم الحملة الشرسة والدعاية المغرضة ضد الإسلام الاسلاموفوبيا . إنه الإسلام الذي يتحدى انتصر في بدايته على قريش في مكة وعلى اليهود والمنافقين في المدينة وانتصر خارج الجزيرة على الدولتين البيزنطية والفارسية وانتصر لاحقا على الصليبيين وعلى التتار وعلى الاستعمار الأوروبي الذي عمّ المسلمين من السنغال غربا إلى اندونيسيا شرقا. وانتصر على الفرنسيين في الجزائر خلال أكثر من قرن وثلاثين سنة من الممارسات الصليبية والجهود التنصيرية التي حوّلت المساجد لكنائس ومخازن وإسطبلات فكانت النتيجة أن عدد المسيحيين في الجزائر يقدر ببضعة آلاف وعدد المسلمين في فرنسا يقدر ببضعة ملايين وبعد أن كانت الجزائر أكبر مستعمرة فرنسية استيطانا فرنسيا وأوروبيا ومسيحيا ها هي اليوم فرنسا على العكس من ذلك بها احد أكبر التجمعات الإسلامية في أوروبا!. أما بريطانيا العظمى التي لم تغب الشمس عن مستعمراتها واكبر مستعمر لأكبر عدد من المسلمين فبقدر ما كانت اكبر غزاة العالم الإسلامي كانت اكبر من انتصر عليه الإسلام وليس المسلمون ولنتوقف قليلا عند الدراسة التي أصدرها مركز فيت مارتز البريطاني حيث اعد البحث الأكاديمي بجامعة سوانسي بريس كيفن وشملت الدراسة 5200 شخص اعتنقوا الإسلام خلال سنة 2010 ونشرت الدراسة صحيفة اندبندت البريطانية ومفاد الدراسة باختصار أن مئة ألف بريطاني من ذوي البشرة البيضاء اعتنقوا الإسلام خلال العشر سنوات الماضية وان أغلبيتهن من النساء وان مدينة لندن وحدها شهدت اعتناق حوالي 1400 شخص الإسلام وهذا رغم الحملة الإعلامية الشرسة التي يشنها الغرب ضد الإسلام. وخلاصة القول أنه لا هزيمة المسلمين العسكرية ولا تخلفهم وانحطاطهم الحضاري ولا حملات التشهير والتضليل الغربية أوقفت مدّ الإسلام فهو لا ينهزم بهزيمة المسلمين ولا ينحني أمام جيوش المنتصرين ولا يبالي بأقوال المغرضين ! .