إدماجهم الاجتماعي شعار في مهب الريح ظروف قاهرة يتخبط فيها آلاف المعاقين في الجزائر يقول كارل ماركس الفيلسوف الألماني الشهير: إن أردت أن تعرف مقدار تطور مجتمع من المجتمعات فانظر إلى مكانة المرأة فيه ونضيف على عبارة الفيلسوف الشهيرة عبارة .... وانظر إلى أوضاع الأشخاص من ذوي الإعاقة فيه فبمقدار ما تكون هذه الشريحة محترمة ولها مكانتها الصحيحة في المجتمع يكون هذا المجتمع حضارياً ومتقدماً ومدركاً لأهمية أن يكون لجميع أبنائه ذات الحقوق المتساوية وذات القدرة على العيش بكرامة في ظل قانون يحمي الجميع دون تمييز وبغض النظر عن مختلف الاعتبارات التي قد يسوقها البعض. خ.نسيمة /ق.م الإنسان سواء أكان معاقاً أم غير معاق له الحق في الحياة والتعليم والعمل وهذه الحقوق لا بد أن تكفلها الدولة وألا تسمح لأحد بالمساس بها فالأشخاص من ذوي الإعاقة قادرون على الانخراط في مجتمعهم وإثبات ذواتهم كجزء أصيل منه فالشخص المعاق من خلال دعمه ومساندته يستطيع أن يقدم لمجتمعه الكثير من التقدم والازدهار ولا يحتاج ذلك سوى الإيمان من قبل الأشخاص غير المعاقين بما يمكن لهذه الفئة أن تقدمه في حال توفرت لها الظروف الملائمة ولعل أبرز هذه الظروف يتعلق بعملية الدمج. وان نظرنا الى وضعية المعاق في الجزائر فنجد أنها وضعية صعبة رغم الشعارات التي ترفعها الجمعيات والمنظمات الفاعلة إلا أننا لا نجد لها تطبيق وتجسيد في ارض الواقع فمازال المعاق يتخبط في اوضاع مزرية لا تضمن له العيش الكريم في حياته اليومية ويشتكي الآلاف منهم من المنحة المتدنية وانعدام مناصب عمل رغم المؤهلات وحتى صعوبة التأقلم مع المرافق العامة التي لم يوضع لفئتهم فيها أدنى حساب ومازال المعاق عبئا على الآخرين لحمله والتنقل به هنا وهناك في ظل انعدام تهيئة بعض المرافق على غرار العمارات والسلالم والأسواق ومحطات النقل ومراكز البريد .... إنجاح عملية الإدماج دمج الأشخاص من ذوي الإعاقة في مجتمعهم ليس بالعملية البسيطة كما يتخيل البعض بل هو عملية تحتاج إلى الكثير من الدراسة والتجارب الميدانية على أرض الواقع كي لا يتم الوقوع في مطبات لا تحمد عقباها فدمج المعاقين لا بد أن تسبقه العديد من الدراسات والأبحاث والاستبيانات القائمة على الدقة والموضوعية والشفافية بهدف تهيئة البيئة الاجتماعية بشكل عام كي يكون الدمج فعالاً ومثمراً كما يراد له. ومن الأخطاء التي قد تقع فيها بعض الجهات التعليمية أوالمؤسسات الحكومية والخاصة القيام بدمج الشخص المعاق دون الأخذ بعين الاعتبار درجة الإعاقة وطبيعتها وما هي أفضل الظروف المواتية التي يمكن أن تساعد في العملية التعليمية أو تلك المتعلقة بالعمل وهنا تبرز أهمية الجانب التخصصي في هذا المجال ووجود فرق دراسات تقوم بواجبها في تحديد ماهية البيئة التي سيعمل بها أو يتعلم ضمنها الشخص من ذوي الإعاقة. وهذه الدراسات والاستبيانات الميدانية لا بد أن يقوم بها ويطلع عليها خبراء واختصاصيون في المجال يعرفون بدقة أفضل المعايير الواجب اتباعها لتهيئة البيئة الملائمة وما يجب القيام بها لذلك ولا ضير إن لم يكن لا بد أن يكون ضمن هذه الفرق التي ستقوم بهذه المهام أشخاص من ذوي الإعاقة فمن أقدر منهم على تحديد متطلباتهم ووضع الأطر اللازمة لتحقيق أفضل بيئة للدمج تمكنهم من تحصيل علمهم والارتقاء بإمكانياتهم صوب ميدان العمل بكل ثقة واقتدار. تهيئة الميادين للمعاق يستعجل البعض ممن يؤيدون فكرة الدمج في زج الأشخاص من ذوي الإعاقة في المدارس النظامية أو في أماكن العمل وهم على قناعة أن ما يقومون به صحيح ومفيد للأشخاص من ذوي الإعاقة وللمجتمع بشكل عام وللأسف تؤدي هذه الخطوات غير المدروسة إلى نتائج سلبية جداً سواء على الصعيد النفسي للأشخاص من ذوي الإعاقة أو على الصعيد الاجتماعي فالدمج غير المدروس يسبب العديد من المشاكل التي لا تحمد عقباها فمن هذه المشاكل التي تسببها عملية الدمج غير المدروس عدم التفاهم بين الشخص من ذوي الإعاقة وأقرانه من غير المعاقين الذين لم تتم تهيئتهم للتعامل مع هذه الشريحة من المجتمع بالشكل الصحيح كما تبرز مشكلة عدم قدرة الكادر التدريسي غير المهيأ في المدارس النظامية على التعامل مع الأشخاص من ذوي الإعاقة باحترافية وخبرة ما يؤدي إلى فشل العملية التعليمية كما يكون ميدان العمل غير المهيأ لاستقبال الأشخاص من ذوي الإعاقة بمثابة مكان قد يسبب الكثير من المشاكل للشخص المعاق وأقرانه من غير المعاقين. إن دمج الأشخاص من ذوي الإعاقة يحتاج إلى دراسة عملية وعلمية تعتمد التقييم الصحيح للبيئة الاجتماعية وإعدادها بشكل يلائم دمج الأشخاص المعاقين سواء أكان في المدرسة أو في مكان العمل للوصول إلى دمج حقيقي يخدم المجتمع ككل ويكون مبنياً على أسس متينة وراسخة تساعد في انخراط هذه الشريحة ضمن مجتمعها بالشكل الأمثل. الأطفال المعاقين ضحايا أن العديد من الآباء والأمهات يجهلون تماما ثقافة التعامل السليم مع طفلهم المعاق فيتعاملون معه وكأنه آفة حلت بهم وهو ما يتسبب في صراعهم الدائم مع المجتمع الذي ما يزال يجهل ولا يقدر مأساة الطفل المعاق فيدفعهم شعورهم بالخوف على مشاعر طفلهم والإشفاق عليه إلى إخفائه عن الجميع الأمر الذي يؤثر بشدة على نفسيته. هناك الكثير من الأطفال المعاقين الذين يعانون من اضطرابات نفسية شديدة بسبب عدم قدرتهم على الاندماج مع الآخرين وشعورهم بالتهميش بسبب نظرة المجتمع الدونية لهم والسخرية التي طالما تلاحقهم من الجميع وهو بالتأكيد ما يجعل حالتهم تسوء. فالطفل المعاق يحتاج إلى رعاية من نوع خاص حيث أن إدماجه صلب أفراد المجتمع يعتبر ضرورة ملحة لعلاجه فلا بد من زيادة توعية الوالدين وتوسيع مداركهما بخصوص الإعاقة إذ لا يمكن أن ننكر أن تلقي الخبر بأن الطفل المعاق يمثل صدمة حقيقية لهما لكن تبقى كيفية تجاوز هذه الأزمة والتعامل معها الأمر الأهم. أهمية دور الأسرة يشدد المختصون في علم النفس على أهمية دور الأسرة في توفير الحب والرعاية الكافية لطفلها وتشجيعه على التعامل مع المجتمع وعدم الخوف منه وضرورة تنمية مهاراته الاجتماعية والفكرية بأن يتدرب على اللعب مع أخوته وأقرانه ومن هم في سنه ويتعلم مشاركتهم اجتماعيا. فهذا الإدماج في حد ذاته ينمي مهاراته الفكرية ويساعده كثيرا في تحسّن حالته خاصة أن هناك الكثير من المعاقين ذهنيا يعانون نقصا في الذكاء وليس اختلالا في وظائف المخ. وعلى الأم تقبل الطفل كما هو حيث أن أولى خطوات العلاج تبدأ بتقبل الأمر الواقع بل والتعامل معه إذ أنه عليها التحلي بمزيد من الصبر وألا تخجل أبدا من طفلها مهما حدث بل يجب أن تنظر إليه من منظور إنساني على أنه طفلها ولا ذنب له كما أن له حقوق الأطفال الطبيعيين وعلى الأم أيضا أن تزرع بداخل طفلها الثقة في النفس وأن تساعده على ألا يشعر بأنه ينقصه شيء ما فهذه الفرصة في حد ذاتها تساعده على إخراج كل ما لديه من قدرات ومواهب بل أن هناك الكثير من المعاقين ذهنيا ومع ذلك يملكون من الطاقة والموهبة ما يفوق أحيانا طاقة البشر العاديين. منح الفرصة وزرع الثقة يتوجب على الأسرة عموما والأم خصوصا أن تعطي الفرصة للطفل المعاق بأن يعتمد على نفسه وألا تبادر إلى مساعدته إلا بعد إعطائه الفرصة كاملة وأن تقوم دائما بالثناء عليه كلما أبلى حسنا الأمر الذي سيزيد من ثقته بنفسه وقدراته ويشجعه على الاستمرار كما أنه من الضروري أن تقوم الأم بالحوار المباشر معه والكلام بطريقة عادية جدا كي يشعر بأنه شخص عادي وقادر على التواصل مثل بقية البشر. لان مشكلة المعاق والإعاقة تكمن في الظروف والسياقات الاجتماعية المختلفة وهو ما ترتب عليه استبعاد الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من مسار الحياة الطبيعية. تغيير نظرة المجتمع ولإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة داخل المجتمع أكد علماء الاجتماع على ضرورة تغيير الثقافة السائدة عن الإعاقة من خلال تحديد الأدوار التي يمكن لأفراد المجتمع ومؤسساته أن يسهموا فيها لتحقيق التطبيع الاجتماعي مع هذه الفئة وقبولها وذلك بغرض الوصول إلى وضع سياسات وآليات تعمل على إدماجهم في كافة قضايا التنمية. وبالإضافة إلى إكساب ذوي الاحتياجات الخاصة مختلف المعارف والاتجاهات والقيم والمهارات التي تؤهلهم للمشاركة الإيجابية والفعالة في مختلف أنشطة وفعاليات الحياة الإنسانية إلى أقصى حد تسمح به إمكانياتهم وقدراتهم إضافة إلى تغيير نظرة المجتمع للإعاقة والمعاقين من ثقافة التهميش إلى ثقافة التمكين. وأوضح مختصون أن الدمج الاجتماعي يكتسي معاني مختلفة فهو يعني وجود أطفال معوقين داخل فصول مدرسية عادية يتابعون تعليمهم في ظروف الأسوياء نفسها أو وجود أطفال معوقين داخل فصول مدرسية عادية مع تحوير جزئي في وسائل وظروف التعليم أو استفادة المعاقين من بعض المواد المدرسية المدرجة ضمن الفصول العادية كالأشغال اليدوية والرسم مع مواصلة تعليمهم بمراكز التربية الخاصة أو وجود فصول للمعوقين داخل المدارس العادية لها مربوها المختصون ووسائلها المناسبة ولا يختلط المعاقون بالأسوياء إلا في فناء المدرسة أو في بعض المناسبات. دمج المعاق في الحياة العامة ويرى باحثون أن دمج الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة يعتبر من الموضوعات الهامة التي ينتج عنها تغير النظرة التقليدية لعملية التعليم والتي كانت تتم في مدارس خاصة بهم بما لا يسمح للمعوق بالتعامل أو التفاعل مع المجتمع العادي وهو ما دفع المهتمين بشؤون تعليم وتأهيل المعاق لإعادة النظر في الأسلوب المتبع في رعايته وتربيته. وشدّدوا على أن توفير كافة أشكال المساندة الاجتماعية والخدمات الصحية لأسر ذوي الاحتياجات الخاصة لخفض مستويات الضغوط النفسية الواقعة عليها يعد من أهم متطلبات تمكينهم. مع الأخذ بعين الاعتبار أن قضية تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجهم في المجتمع اندماجا كليا تعد قضية إنسانية تتعلق بالمجتمع ككل وهي تحتاج إلى مجهود حتى يتحقق الوعي بها وإزالة المعوقات والاتجاهات السائدة التي تعزز المفاهيم الاجتماعية الخاطئة التي ترى أن الإعاقة مصدر من مصادر النقص التي تحط من قدر صاحبها. ثقافة تمكين لا تهميش هي ليست أمنية صعبة التحقيق والمنال ولكنها تحتاج إلى تكاتف الجهود من قبل الجميع إنها أمنية أن تتحقق عملية الدمج في مجتمعاتنا على أوسع نطاق ممكن وفي مختلف الميادين نظراً لما ستحققه من انعكاسات طيبة تعود بالفائدة على الأشخاص من ذوي الإعاقة وغير المعاقين ونظراً لما ستترك من آثار إيجابية على زيادة الوعي العام بعيداً عن الأفكار السلبية والمسبقة تجاه فئة مهمة من فئات المجتمع ولنجعلها ثقافة تمكين لا تهميش.