م. سعيد طالعت مداخلتها الطويلة على أحد المواقع الشهيرة التي يتشارك الناس فيها إبداعاتهم الفنية والأدبية، لفت انتباهي صورتها بالحجاب، وهي من النوادر في هذا الموقع، صافحت المداخلة التي حملت عنوان "خبرة اجتماعية" والتي تحكي فيه لون المعاملة الاجتماعية التي تعرضت لها حينما فكرت يوما في أن ترتدي حجابا وتختبر ردود أفعال الناس في المجتمع الذي تعيش فيه حينما دخلت إلى أحد المراكز التجارية، ثم إلى أحد المطاعم التي كانت تعمل فيها. دوافع المشاركة الصورة التي صاحبت الموضوع لا تجعلك تشك للوهلة الأولى أنها لفتاة مسلمة، لكن قراءة الخبرة التي شاركت بها "ماجدالينا أنجيلا" قراء الموقع يخبرك بالحقيقة، إنها شابة أمريكية عادية، غير مسلمة تعرف نفسها بأنها رسامة، وصانعة بانرات إعلانية، تقول إن خبرتها هذه التي دونتها يوم 22 يناير 2011 أرادت في البداية أن تحتفظ بها لنفسها وأن تطلع عليها بعض الأصدقاء المقربين فقط، لكن ما حدث مؤخرا قرب المركز الإسلامي لأمريكا حفزها على مشاركة ما كتبته مع القراء، فبعد أسبوع واحد من زيارتها له من محاولة أحد الأشخاص تفجير المركز، ثم حدث خلال الأيام الماضية أن تجسم القس "تيري جونز" عناء السفر من فلوريدا إلى ديربورن بميتشجان ليقوم بحرق نسخة من القرآن أمام المركز، وهو نفس القس الذي أراد حرق مئات النسخ من القرآن في أعقاب هجمات 11 سبتمبر. خبرة لدرس الاجتماع في مداخلتها ذكرت "ماجدالينا" أنها حينما دلفت يوم 21 يناير إلى المركز الإسلامي شعرت للوهلة الأولى بعدم الانتماء لهذا المكان كونها غير مسلمة ولا ترتدي الحجاب، و شعرت بالكثير من التوتر، مما جعلها تحاول إخفاء شعرها بجذب ياقة المعطف الذي كانت ترتديه إلى أعلى، لكن ما جعلها تشعر بالراحة هو الاستقبال الحسن الذي لقيتها به موظفة المركز التي أجابت عن أسئلتها حول المسجد وأماكن شراء الحجاب، الذي عثرت على رجل يبيعه في أحد ردهات المركز، فما كان منها إلا أن عادت لحجرة الموظفة لتضعه على رأسها، فما كان منها إلا أن قابلت إحدى الفتيات ذات ال27 ربيعا والتي تحولت منذ فترة قريبة إلى الإسلام فساعدتها على حسن ارتداء الحجاب، وبعد أن تحدثتا قليلا وتبادلتا أرقام الهواتف، افترقتا، وفي طريقها إلى المنزل قفزت الفكرة إلى ذهنها، لماذا لا تقوم بتلك التجربة الاجتماعية لتقدمها في فصل علم الاجتماع في المدرسة العليا التي تدرس فيها، ومن ثم قررت أن تزور ثلاثة أماكن عامة: مكتبة لبيع الكتب، ومركزا تجاريا ومطعما. التمييز بالتجاهل في المكتبة كانت التجربة لا بأس بها، إذ لم يلتفت إليها رواد المكتبة، ربما لانهماك كل منهم في التطلع إلى الكتب، وهو ما يفسر لماذا لم يلتفت أحد إليها، لكن إحدى السيدات التي تعمل هناك سألتها إن كانت تريد مساعدة، وأشارت لها إلى الأرفف التي تتواجد عليها نسخ القرآن، وكانت الموظفة تتعامل بشكل عام بطريقة لطيفة. أما في المركز التجاري والمطعم فقد كانت التجربة مختلفة تماما، ففي المركز التجاري حينما دلفت إليه لتستعرض المحال التجارية بداخله لاحظت اختلافا في المعاملة عما اعتادت مقابلته قبل ذلك، أول ما لاحظته أن العمال الواقفين على أبواب المحال لا يحيونها كما فعلوا مع غيرها من الزبائن الذين دلفوا إلى المحلات، وعادة عندما يقوم أحد الزبائن باستعراض البضائع يقوم أحد الموظفين بالاقتراب منه وسؤاله إن كان يريد مساعدة في العثور على ما يبحث عنه لكن هذا لم يحدث، حتى عندما نظرت في عيني إحدى الموظفات التي تذهب معها للمدرسة والتي لم تتعرف عليها تقول "ماجدالينا" معلقة: إنني لا ألومها إذ أنها لم تر في إلا الحجاب، ناهيك على أنها لم تنظر إليها كإحدى الزبائن، ولم تختلف المعاملة من محل إلى آخر، غير أن بعض الموظفين قال لها كلمة واحدة، لكن أحدا لم يقل لها كالمعتاد "نتمنى رؤيتك مجددا" أو "طاب يومك" حينما كنت أغادر المحلات، وكما تقول ماجدالينا "لا يشعرني ذلك غير أنهم كانوا سعداء لمغادرتي المحل، ولا يتمنون رؤيتي مجددا"، وكما لاحظت فإنها تصرفت بطبيعتها وهي في المركز التجاري، فصارت تبتسم ابتسامة اجتماعية في وجوه الناس وتداعب أطفالهم، لكنها لم تلق إلا الإهمال والتجاهل، لكن الأمر الذي لفت انتباهها وآلمها هو أنها لاحظت أن موظف أمن معين بالمركز يتتبعها ويسير خلفها أينما سارت بالمركز، ولم يحاول الحارس أن يجعل الأمر سريا بل إنه حرص على أن يظهر مراقبته لها أينما ذهبت. وتعلق ماجدالينا على ما حدث بقولها "إنني لم أكن أرتدي برقعا أو شادورا إيرانيا ولا نقابا، وأنها تفهم أن هذا النمط من اللباس اعتبر بعد 11 سبتمبر مبررا للشك في صاحبته، لكنها تستغرب لأنها لم تكن ترتدي أيا من تلك الملابس، وأن كل ما قمت به أنها غطت شعرها. المطعم..التمييز الأكبر تقول ماجدالينا أن التمييز الأكبر الذي شعرت به كان في المطعم الذي كانت تعمل به سابقا، والذي كان لا يزال عدد من زملائها السابقين يعملون به، تقول أن أول شيء لاحظته حينما دخلت إلى المطعم، أنه لم يتعرف عليها أحد من زملائها السابقين، بل إن إحدى أقرب زميلاتها بدت مذهولة: ما هذه المرأة المسلمة التي تدخل إلى المطعم، لكنها على كل حال ساقتها إلى المنضدة التي ينبغي أن تجلس عليها، لكن كان على ماجدالينا أن تنتظر ما بين 5 – 10 دقائق حتى تأتيها إحدى المضيفات لتسألها إن كانت ترغب في شرب سيء، وهو أمر غير معتاد، إذ أن المضيفات يأتين فور دخول الزبون إلى المحل لسؤاله، لكن الأدهى أنه لم يأت أحد لسؤالها عما تطلب، ولم يسألها أحد إن كانت ترغب في إعادة ملء كأس الماء الموجود أمامها، ولم يسألها أحد إن كان كل شيء على ما يرام أو إن كانت ترغب في شيء آخر. ولما انتظرت بعض الوقت ولم يأتها أحد أشارت إلى أحد مديريها السابقين، الذي أتى وتعرف عليها، ومن ثم تعرفت عليها إحدى زميلاتها السابقات، فما كان منها إلا أنها حكت لها ما حدث معها اليوم، مما أصابها بالصدمة. وتعلق ماجدالينا: إذا كانت المضيفات هكذا يتعاملن مع فتاة لمجرد أنها غطت شعرها، فبكل تأكيد سوف يتعاملن بنفس الطريقة مع أي امرأة مسلمة حقيقية. انعدام التفاهم في نهاية القصة تعلق ماجدالينا: إذا كانت هذه هي الطريقة التي نعامل بها المسلمين في بلدنا فلن يكون هناك سلام أبدا، ولن يكون هناك تفاهم بين أهل الأديان والثقافات المختلفة، إذا هجرناهم، وتجاهلناهم وجعلناهم يشعرون بكل وضوح أننا لا نريدهم بيننا هنا، فإننا بذلك نفعل عكس كل القيم التي يستند إليها هذا الوطن، وإذا حملنا هذه الأيديولوجيا التي تقول ضمنا: نحن لا نريدهم بيننا هنا، لا نريدكم أن تعودا إلى هنا مجددا، أو إنه من الأفضل أن لو لم تكونوا هنا من الأصل، كيف لكل هذا أن يجعلنا مختلفين عن القاعدة، أو النازي أو كوكلوكس كلان أو غيرها من مجموعات الكراهية المختلفة في العالم؟ إن هذا التجاهل وهذا النمط من التفكير هو الذي يقود إلى الهولوكوست، وتختتم ماجدالينا أنجيلا مداخلتها قائلة بقول بليغ: فلتنظروا إلى ما وراء الحجاب..