بعد أن ودّعنا أمس بلاد »الأزتيك« مكسيكو وعشنا سويا أفراح البرازيليين بتتويجهم بالتاج العالمي للمرة الثالثة في تاريخ المونديال، سنحط رحالنا في عدد هذا اليوم ببلد الجرمان، ألمانياالغربية، ألمانيا الحالية الموحدة، لنتعرف على حكاية المونديال العاشر، الذي جرى في ظروف سياسية، بالنظر إلى الحرب الباردة التي كانت على أشدها بين المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي والمعسكر الغربي بزعامة الولاياتالمتحدةالأمريكية. زد على ذلك أن المونديال العاشر لعب في زمن حرب »البترول«، وهو ما جعل الكثيرين يتخوفون من فشل هذا المونديال. تُرى، كيف كان الطريق إلى ألمانيا؟ ومن هي المنتخبات التي تمكنت من بلوغ الأدوار النهائية لكأس العالم؟ ومن هو المنتخب الذي مثل القارة الإفريقية؟ ولماذا رفض المنتخب السوفياتي خوض اللقاء الفاصل أمام منتخب الشيلي؟ تلكم من بين الأسئلة العديدة التي سنتعرف على إجابتها. كما سنتوقف مطولا عند حكاية لقاء الإخوة الأعداء التي لم يتكرر مثلها بعد، فلنبدأ من حيث فرقت السياسة الرياضة. السياسة فوق في الرياضة لعبت السياسة دورا في اختيار ألمانيا لتنظيم تلك البطولة، فبعد عملية ميونخ عام 1972 أثناء دورة الأولمبياد هناك، وكان الهدف من ذلك إيصال رسالة أن عملية ميونخ لم تؤثر في استقرار تلك الدول، فيما عزّى البعض اختيار ألمانيا لاستضافة هذه البطولة إلى نجاح ألمانيا في تنظيم دورة الألعاب الأولمبية بميونيخ عام 1972. كأس عالمية جديدة و99 منتخبا في التصفيات تم صناعة كأس جديدة بعد احتفاظ البرازيل بالأولى لفوزها بها 3 مرات. وتم توكيل مهمة صناعة الكأس الجديدة للفنان الإيطالي (سلفيو زانغا)، التي بلغ وزنها 5 كيلوغرام، وطولها 36 سنتيميتر، ووصل سعرها إلى 30 ألف دولار، وعاد اسمها إلى (كأس الاتحاد الدولي لكرة القدم). لأول مرة في تاريخ تصفيات كأس العالم شارك في المونديال العاشر 99 دولة في التصفيات؛ سعيا وراء المشاركة في النهائيات، وهذا من أجل 14 تأشيرة فقط. مفاجأة مدوية في التصفيات ومرة أخرى ضربت المفاجآت بقوة خلال مراحل التصفيات فلم تتمكن إنجلترا وفرنسا والمجر من التأهل للنهائيات عن القارة الأوروبية. وفي تصفيات وسط وشمال أمريكا تمكنت هايتي إحدى جزر الكاريبي، من التأهل بدلا من المكسيك التي اعتادت الظهور في النهائيات السابقة. ووضعت أستراليا أوقيانوسيا على خريطة كرة القدم العالمية عندما تأهلت للنهائيات للمرة الأولى بعد تغلبها على كوريا الجنوبية في مباراة فاصلة. لهذا السبب غاب المنتخب الروسي سجلت نهائيات 1974 غياب كل من المنتخب الإنجليزي والروسي بعد أن فشل الأول في التأهل إلى النهائيات لأول مرة في تاريخه، بينما رفض الثاني الرحيل إلى شيلي لإجراء مباراة فاصلة لأسباب سياسية. ومن بين الوافدين الجدد على البطولة فجرت ألمانياالشرقية. انتخاب هافلانج رئيسا للفيفا قبل انطلاق النهائيات تم انتخاب البرازيلي خوان أنطونيو هافيلانج في قيادة الاتحاد الدولي خلفا للإنجليزي ستانلي روس، وبذلك أصبح هافلالنج أول رئيس من خارج القارة الأوروبية يرأس »الفيفا«، ودامت عهدته إلى غاية مونديال الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث انتُخب بدلا عنه السويسري سيب بلاتير. تركيبة المجموعات قُسمت المنتخبات 16 المشاركة في البطولة العاشرة على أربع مجموعات. وجاءت عملية القرعة وفق البرنامج التالي: المجموعة الأولى: ألمانياالشرقيةألمانياالغربية (المستضيفة ) تشيلي أستراليا. المجموعة الثانية: يوغسلافيا البرازيل (حامل اللقب) اسكتلندا زائير. المجموعة الثالثة: هولنداالسويد بلغاريا الأورغواي. المجموعة الرابعة: بولندا الأرجنتين إيطاليا هاييتي. الانطلاقة جمعت مباراة الافتتاح بين المنتخبين البرازيلي واليوغسلافي. وتعادل الفريقان سلباً في مواجهة خلت من الإثارة والتنافس، إلى درجة أن الكثيرين شبّهوا اللقاء بالمباراة الودية. في أولى مباريات الدور الأول لبطولة كأس العالم عام 1974 واجه المنتخب الألماني لكرة القدم المنتخب التشيلي. وبدأت المباراة بداية قوية من الجانبين. وبتسديدة قوية من خارج منطقة الجزاء استطاع اللاعب الألماني باول براتنر تسجيل الهدف الأول لألمانيا في الدقيقة السابعة عشرة، إلاّ أن المنتخب التشيلي ظل محاصراً لمرماه طوال بقية المباراة، وذلك بأسلوب دفاعي أغلق كل المنافذ على المنتخب الألماني، لتنتهي هذه المباراة بهدف نظيف لألمانيا. ولم تكن نتائج المنتخب الألماني مخيبة للآمال، حيث استطاع المنتخب الألماني تخطي المرحلة الأولى بنجاح. كما تألق في هذه الجولة كل من منتخبات بولندا وهولندا وبلغاريا ويوغوسلافيا. أما نتائج المنتخب البرازيلي فكانت غير متوقعة خصوصا بعد النتائج المتواضعة أمام منتخب زائير ب 3 0، وتعادله مع المنتخب الاسكتلندي ب 1 1. كما جاءت كذلك نتائج المنتخب الإيطالي مخيبة للآمال عندما تعادل أمام المنتخب الأرجنتيني ب1 1، وهُزم أمام هولندا ب 0 2، وكان فوزه اليتيم على منتخب هاييتي ب3 1، والذي جاء في غاية الصعوبة، ليحل في المركز الثالث متخلفا عن الجولة الثانية بفارق نقطة واحدة. الزائير أضحوكة العالم! تميزت الدورة بمشاركة منتخب الزائير، الذي أصبح أول فريق من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء يتأهل إلى نهائيات كأس العالم. وجاءت أكثر اللحظات طرافة في البطولة عندما أقدم المدافع الزائيري إلونغا ميوبي على ترك حائط الصد والتوجه لإبعاد الكرة قبل أن يلمسها لاعب الفريق المنافس، في المباراة التي جمعت ممثل القارة الإفريقية بالمنتخب البرازيلي. وقبل هذا اللقاء مُني المنتخب الزائيري بهزيمة ساحقة ومذلة أمام يوغسلافيا بتسعة أهداف لصفر، وهي واحدة من بين أثقل ما شهدته مباريات كأس العالم في التاريخ. أول لقاء بين عملاقي القارة الأمريكية في المونديال في أول لقاء من نوعه بين عملاقي أمريكا الجنوبية في تاريخ كأس العالم، جمع في المونديال العاشر ألمانيا 1974، بين المنتخبين البرازيلي والأرجنتيني، وحسمه البرازيليون لمصلحتهم بهدفين لواحد. افتتح باب التسجيل البرازيلي رفيلينهو في الدقيقة 32. وبعدها بثلاث دقائق عدّل المنتخب الأرجنتيني النتيجة بواسطة ميغيل برينيديسي. وبعد فترة الراحة، تمكن المنتخب البرازيلي في الدقيقة الرابعة من الشوط الثاني من إضافة الهدف الثاني بواسطة جايرزينهو. وبوقع هدفين كسب البرازيليون اللقاء، لكن هذا الانتصار لم يجد البرازيليون في بلوغهم النهائي، كما سنتعرف عليه بعد قليل. الدور الثاني... سقوط الكبار! كانت أولى مفاجآت المجموعة الأولى من هذه الجولة قوية جدا على الجماهير الأرجنتينية، والتي لقيت ضربة موجعة من المنتخب الهولندي، الذي أحرز أربعة أهداف نظيفة، كان لنجم المنتخب الهولندي يوهان كرويف نصيب الأسد فيها، حيث نجح في إحراز هدفين بمفرده في هذه المباراة، لتبدأ أولى خطوات الهولنديين لتحقيق حلمهم في الوصول إلى المباراة النهائية؛ حيث فازت على يوغسلافيا بهدفين نظيفين، وتغلبت على السويد ب 4 2. واستطاع بعد هذه الجولة المليئة بالإثارة كل من فرق البرازيل وهولنداوألمانياالشرقية والأرجنتين أن يتأهل إلى المرحلة القادمة من المجموعة الأولى، وكل من فرق هولندا ويوغسلافيا والسويدوألمانياالغربية من المجموعة الثانية. أما الجولة الثالثة فقد شهدت سقوط كبار الفرق في نتائج لم تكن في الحسبان، حيث أقصيت كل من منتخبات الأرجنتين وألمانياالشرقيةوالسويد ويوغسلافيا من هذه الجولة. واستطاع راقصو السامبا كعادتهم التأهل إلى دور نصف النهائي إلى جانب الماكينات الألمانية وهولندا وبولندا. مباراة المركز الثالث... بولونيا تهزم البرازيل وتحل ثالثة بعد نتائج مباريات الدور نصف النهائي لم يتمكن المنتخب البولندي والمنتخب البرازيلي من الزحف نحو اللقب، حيث تقابل المنتخبان في مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع، إلا أن المنتخب البولندي الذي ظهر بمستوى رائع في هذه البطولة لم يتمكن من الصمود أمام الخبرة البرازيلية، حيث استطاع المنتخب البرازيلي حفظ ماء وجهه بحلوله ثالثا في هذه البطولة بعد أن فشل في الحصول على اللقب. النهائي.. مواجهة بين الفن الهولندي الرفيع والماكينة الألمانية النهائي ... ألمانيا 2 هولندا 1 أقيمت المباراة النهائية على ملعب ميونيخ الأولمبي الذي شيد حديثا قبل ستين سنة، عندما استضاف دورة الألعاب الأولمبية الصيفية. ومنذ أن أطلق الحكم الإنجليزي جاك تايلور صافرة البداية استلم كرويف الكرة وسار بها مسافة طويلة في اتجاه منطقة الجزاء الألمانية. وقبل أن يلمسها أي لاعب ألماني تعرض كرويف لعرقلة من أولي هونيس، فلم يتردد الحكم في احتساب ركلة جزاء وسط صدمة الجمهور المحلي، علما بأنها كانت المرة الأولى التي تحتسب فيها ركلة ممثالة في مباراة نهائية منذ البطولة الأولى عام 1930. وبرهن تايلور على شجاعة كبيرة لاحتساب الركلة، خصوصا في الدقيقة الأولى وأمام الجمهور المحلي. وانبرى يوهان نيسكينز للركلة بنجاح خادعا الحارس العملاق سيب ماير، مسجلا أسرع هدف في المباريات النهائية أيضا. وسيطر المنتخب الهولندي على مجريات اللعب في ربع الساعة الأول قبل أن يبدأ المنتخب الألماني يخرج من الصدمة ويدخل أجواء المباراة جديا. ومن إحدى الهجمات المرتدة تعرّض برند هولتسنباين إلى عرقلة داخل المنطقة من قبل فيم سانسن، فمنح الحكم ركلة جزاء لألمانيا سددها بول برايتنر مدركا التعادل (21). وقبل نهاية الشوط الأول بدقيقتين نجح »المدفعجي« غيرد مولر في اقتناص هدف الفوز لألمانيا عندما استدار على نفسه داخل المنطقة، وسدد كرة زاحفة في الزاوية البعيدة للحارس يونغبلويد. ولم تتغير النتيجة خلال الشوط الثاني، والتي انتهت بفوز ألمانيا بهدفين لواحد. قصة المونديال (الحلقة الثامنة عشرة) إعداد: كريم مادي