شنت الصحف التركية هجوما عنيفا وغير مسبوق ضد إسرائيل على خلفية المجزرة البشعة التي ارتكبها جنود الاحتلال فجر الاثنين ضد نشطاء »أسطول الحرية«. فقد انفردت صحيفة »يني شفق«، المقربة من حزب العدالة والتنمية، في عنوان ضخم غير مسبوق في الصحافة التركية بوصفها الإسرائيليين بأنهم »أبناء هتلر«. وحسب ما ذكرت صحيفة »السفير« اللبنانية، جاءت عناوين الصحف الرئيسية في تركيا على الشكل الآتي: »إرهاب إسرائيل« في صحيفة »بركون«، و»إرهاب الدولة« في صحف »ميللييت« و»بوكون« و»خبر تورك« و»تركيا«، و»العالم ينتفض« في صحيفة »حرييت«، و»تركيا تنتفض« في »كونش«، و»رصاص على الإنسانية« في "راديكال"، و»رصاص على المساعدات« في "ريفرانس"، و»سيدفعون الثمن« في "ستار"، و»انتفاضة عالمية ضد المجزرة الإسرائيلية« في "صباح"، و»أرسلوهم ليَقتلوا عن عمد« في "سوزجي" و»إسرائيل تنتحر« في "ترجمان"، و»السفلة« في "وطن"، و»إسرائيل تضرب الإنسانية« في "جمهورييت"، و»كلاب الصهيونية» في »وقت«. ولم يبق قلم كاتب إلا وسطر غضبه على الوحشية الإسرائيلية، تساوى في ذلك الجميع الذين هبوا هبة واحدة دفاعا عن السيادة والكرامة والهيبة التركية. وتساءل الكاتب احمد طاش غيتيرين عما يمكن أن يوصف به هذا العمل البربري »هل هو قرصنة ضد الإنسانية، هل هو الجنون بحد ذاته، أم أنه عمل قطاع الطرق؟«. وقال إن أيدي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته افيجدور ليبرمان »لا تشبع من الدم«، مخاطبا »أيا كلينتون ويا أوباما أنظرا ماذا فعلت إسرائيلكما؟«. وأضاف إن »سفينة مرمرة الزرقاء تحولت إلى غزة بذاتها. وما كان يقوله اردوغان من أن إسرائيل رأس الأخطار في المنطقة هو الصواب بعينه«، مختصرا بالقول إن إسرائيل هي »اسم الوحشية«. من جانبه، قال طه اقيول إن إسرائيل لم تعد تلك الدولة المظلومة كما حاولت أن تسوق عبر تاريخها، بل أصبحت تنتج الإرهاب والغدر. وشدد على أن ما قامت به يعكس أنها دولة مارقة ومتمردة. وحذر »أوباما من استخدام حق النقض لمصلحة إسرائيل، لأنه سيجر إلى سلسلة من المواقف العنيفة. وإذا بقي الفاشي نتنياهو من دون عقاب فسينتشر التطرف في المنطقة، وسيصبح أوباما، جورج بوش آخر. ويجب أن يعطي أوباما جوابا واحدا عمن يدير الولايات المتحدة«. ورأت النائبة السابقة نازلي ايليجاق، في مقال، أن العدوان الإسرائيلي قد يكون الخطوة الأولى في مسيرة انتصار غزة. وقالت إن »البشرية جمعاء من مسلمين ومسيحيين وبوذيين وملحدين وغيرهم اتحدوا لنصرة غزة والتنديد بالوحشية الإسرائيلية«. وأضافت إن »العدوان هو القطرة التي بها فاضت الكأس، وقد تكون الشرارة الأولى في طريق نصر الغزاويين«. وكتب إبراهيم قره غول قائلا إن »الإسرائيليين يخطئون إذا ظنوا أن الأتراك يمكن أن ينسوا أو يتجاوزوا ما حصل. بل إن إسرائيل ستدفع الثمن غاليا، فتركيا بلد لا ينسى«. وقال للإسرائيليين »إنكم تنسون أن الأرض التي تمشون عليها مروية بدماء الجنود الأتراك في العام 1917 ونحن لم ننسهم. ومنذ الخمسينيات وأنتم تعربدون وتركيا ساكتة. لكن الأمر اليوم مختلف. ولن يبقى شيء على ما هو، وهذه الأزمة لن تجد حلا لها. وستحاسبون على ما اقترفت أيديكم«. وكتب محمد ألتان أن »صورة إسرائيل التي عندنا هي ذلك الجندي الذي يكسّر عظام الأطفال بالحجارة، واليوم هذه الصورة لم تتغير، وإسرائيل تعامل تركيا اليوم كما تعامل حركة حماس«. وقال إن »ما قامت به إسرائيل هو العنصرية التي تتجاوز كل جنون، وإسرائيل ليست سوى دولة الإرهاب الدموي«، لكنه اعتبر أن »ردود الفعل الدولية لم تكن بحجم الإرهاب الذي حصل«. في هذه الأثناء، قررت إسرائيل مساء أمس عودة العشرات من أبناء عائلات دبلوماسييها من أنقرة في أعقاب الأزمة مع تركيا جراء العملية الاسرائيلية ضد »أسطول الحرية«. وذكرت وسائل إعلام إسرائيل أن عدة عائلات وصلت إسرائيل وأن البقية ستصل اليوم. وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن قرار عودة عائلات الدبلوماسيين هو إجراء اعتيادي وحفاظاً على سلامة العائلات. وقد حاصر المئات من الأتراك مبنى القنصلية الاسرائيلية في أسطنبول ومنزل السفير الاسرائيلي، جابي ليفي. وقررت إسرائيل في ختام إجتماع المجلس الوزراي المصغر، عدم تصعيد الأزمة مع تركيا، فيما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن اتصالات هاتفية تجريها إسرائيل مع السلطات التركية، لترتيب عودة 350 ناشطا تركيا في »أسطول الحرية«. تدهور متوقع في سياق متصل، شدد خبراء أمنيون واقتصاديون على أن الأزمة السياسية الحادة القائمة بين إسرائيل وتركيا لن تمر من دون أن تترك آثارها على العلاقات العسكرية والاقتصادية بينهما. ومن المؤكد أن هذين الجانبين اتسما بدرجة عالية من الأهمية للطرفين حيث كانت تركيا، إلى وقت قريب، الحليف الاستراتيجي الثاني في أهميته بعد الولايات المتحدة. كما أن العلاقات الاقتصادية بينهما سواء السياحية أو التجارية كان حجمُها كبيراً ويقدر بعدة مليارات من الدولارات سنويا. وذكرت صحيفة »هآرتس« العبرية، أن تدهور العلاقات الأمنية بين تركيا وإسرائيل لم يبدأ بالمجزرة البحرية في سفينة »مرمرة« التركية. فالتدهور بدأ منذ وقت أبعد وظهرت تجلياته واضحة أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة ووقف المناورات الجوية والتدريبات المشتركة. وأضافت: الجيش التركي قد لا يكون معنيا بقطع العلاقات مع إسرائيل، لكن من المشكوك فيه أن القوات المسلحة التركية باتت تملك القدرة على صد الضغوط التي تتعرض لها من الحكومة الإسلامية. وتابعت، فرئيس الحكومة رجب طيب أردوغان يحاول بشكل منهجي، منذ الحرب على غزة، تقليص العلاقات والعمل على إلغاء التحالف الاستراتيجي بين الدولتين. في غضون ذلك، أشارت النشرة الاقتصادية لصحيفة »معاريف« العبرية إلى احتمال خسارة التجارة بين الدولتين سنويا 2.5 مليار دولار. وأوضحت أن الخشية تتزايد في الأوساط الاقتصادية من أن العلاقات الأمنية والسياسية التي تلقت ضربة بالمجزرة البحرية سوف تلحق الأذى بالجانب الاقتصادي أيضا. وأعرب رئيس اتحاد الصناعيين الإسرائيليين، شرغا بروش، عن قلقه من الضرر الذي سوف يقع على العلاقات مع تركيا التي تعتبر شريكا تجاريا مهما. وسارع شرغا إلى إجراء اتصالات مع نظرائه الأتراك لمنع تدهور العلاقات الاقتصادية. كما أن رئيس اتحاد الغرف الاقتصادية الإسرائيلية أورييل لين توجه بمسعى مشابه إلى نظيره التركي في محاولة لتقليص الأضرار الكامنة في التوتر بين الدولتين. وطوال عقود كان الأتراك معنيين، ليس فقط بالتجارة مع إسرائيل، وإنما أيضا باستقطاب استثمارات إسرائيلية في مجالي الصناعة والبنوك. وقد أنشأ مصنع الورق الإسرائيلي في الخضيرة مصنعا للمنتجات الورقية في تركيا باسم كيمبرلي كلارك وهو أحد المزودين الرئيسيين للورق في تركيا والدول المجاورة. لكن في العام الأخير ضعفت العلاقات بين الجيشين الإسرائيلي والتركي وطرأ تقليص على المشتريات العسكرية من إسرائيل. ومع ذلك فإن حجم التجارة بين إسرائيل وتركيا بلغ العام 2009 حوالى 2.5 مليار دولار وذلك بعد أن هبط بنسبة 28 في المائة مقارنة بالعام 2008 جراء الأزمة العالمية.