كان الرّيح مزمجرا في الخارج والأمطار تغسل الطرقات، أخذ لوحة المفاتيح·· فتح صفحته على "الفايس بوك" وأمطرها بوابل من الرّصاص انتقاما من قناة "الجزيرة" العميلة والمتصيهنة والمحرّضة على الثورات والمهدّدة للسلم والسلام في المجتمعات العربية، عندما عاد إلى شاشته اكتشف أن الرّيح والمطر عبثا بصحنه الهوائي، فلبس كلّ ما عنده ووضع كيسا بلاستيكيا على رأسه وصعد إلى سطح المنزل وطلب من ابنه أن يقول له بأعلى صوته: "صااافي" عندما تظهر له "الجزيرة"· هكذا كتبت مثقّفة عربية اسمها مريم تيجي، وهي تصف الطريقة التي بات يتعامل بها كثير من العرب اليوم مع القناة القطرية الشهيرة التي توصف حينا ب "الحقيرة" وب "المتأمركة والعميلة والمضلّلة" أحيانا، وقد صنعت الحدث والجدل معا منذ تأسيسها وصارت أهمّ وسيلة إعلامية عربية على الإطلاق في السنوات الأخيرة وتحوّلت منذ بدء الثورات الشعبية في عدد من البلدان العربية إلى "غول إعلامي فضائي" يرعب الأنظمة العربية بعد أن نصّبت نفسها ناطقا باسم الثوّار، بصرف النّظر عن عددهم، فالعدد غالبا ما يصبح أضعافا مضاعفة حين يصل إلى "منبر من لا منبر له"· ورغم ذلك كلّه وجب القول إن أساليب التهويل والتحريض والتسخين الإعلامي الممارسة من طرف "الجزيرة" لم تؤثّر كثيرا على شعبيتها، حيث حافظت على صدارتها ومازالت تعدّ القناة الأكثر شعبية في الوطن العربي، وهي من القنوات الإخبارية الرّائدة عالميا على الرغم من أن كثيرين يعترفون بأن "الجزيرة" تبثّ الكثير من الأكاذيب وبعض الحقائق· حيث يفضّل كثيرون "الاستمتاع" بمتابعة أكاذيب "الجزيرة" على مشاهدة "حقائق" بعض القنوات الأخرى التي عجزت عن الوصول إلى ربع النّجاح الجماهيري الذي بلغته القناة القطرية التي ملأت فراغا إعلاميا عربيا رهيبا، وإذا كانت تلام اليوم على أكاذيبها فلا يقدّم اللاّئمون عنها للمشاهد بديلا، وإذا كان مناوئوها يصرخون في وجهها "الجزيرة حقيرة" فهم لا يقدّمون قناة "شريفة" في مستوى قوّتها الإعلامية· وفي انتظار تجسيد هذا الحلم سنكتفي بمتابعة "الجزيرة" التي يهتف البعض قائلين لها "بالرّوح بالدم نفديك يا جزيرة"، ويهتف آخرون "يا جزيرة يا حقيرة"!