في الوقت الذي استفادت فيه المئات من العائلات من برامج إعادة الإسكان التي جعلها رئيس الجمهورية على رأس أولوياته منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد، وتخلص الكثيرون من معاناتهم الطويلة مع أزمة السكن أو البيوت الهشة والفوضوية وغيرها، فإن عشرات العائلات الأخرى تم حرمانها من هذا الحق بعد أن ظلت تتمتع به طويلا لتجد نفسها بين ليلة وضحاها ملقاة في الشارع بحكم قضائي يقتضي طردها من المنازل التي شغلتها طويلا، قد تختلف الأسباب وإن بدت قانونية في مجملها، ما بين الخلافات حول ملكية المسكن أو بين الشركاء في هذا المسكن أو لكونه مسكنا وظيفيا، استيقظت الجهة التي يعد المسكن تابعا لها وقدمته ذات يوم عن طيب خاطر لأحد موظفيها ليشغله على أحقيتها في استرداده، ولا يهم بعد ذلك مصير هذا الموظف ولا عائلته التي قضت ما قد يقارب العشرين سنة أو أكثر في هذا المسكن، لتكون مكافأة نهاية خدمته هي الطرد من مسكنه، وعليه أن يدبر حاله وحال أسرته، ويجد مكانا آخر يذهب إليه. هو حال الكثير من العائلات الجزائرية التي وجدت نفسها فجأة بدون مأوى، خاصة بالنسبة للذين كانوا يقطنون في سكنات وظيفية، تم استصدار أحكام بالطرد في حقهم نظرا لأنهم أصبحوا غريبين عن المؤسسة التي يقع المسكن الوظيفي في محيطها، سواء بعد انتهاء خدمتهم أو إحالتهم على التقاعد، وعليه يصبح مصير هؤلاء إما الشارع وإما تأجير منزل ما أو التوجه إلى الأهل والأقارب. هذا ما حدث لعائلة السيد »قناد رابح« الذي طُرد من المسكن الموجود على مستوى مصلحة الولادة حسان بادي بالحراش والذي أقام فيه 20 سنة تقريبا، حيث اشتغل المعني بقطاع الصحة منذ سنة 1960، وتم تسليمه السكن الوظيفي الواقع بمحيط مصلحة الولادة بحسان بادي أو »بلفور« سابقا، ليقيم فيه سنة 1991، حسب ما صرحت به الحاجة زوجته ل»أخبار اليوم« لدى انتقالنا إلى المكان الذي نصبت فيه خيمتها بالشارع وعلى الرصيف الذي لا يبعد إلا بأمتار قليلة عن المدخل الرئيسي لمصلحة الولادة، وتم تنفيذ القرار بتاريخ 18 ماي الفارط، بواسطة القوة العمومية، بناء على القرار الصادر عن الغرفة الإدارية الاستعجالية بمجلس قضاء الجزائر بتاريخ 31 /08/2009 والقاضي بطرد المدعى عليه السيد »قناد رابح« وكل شاغل بإذنه من الشقة المذكورة. ولم يجد المعني غير الشارع مأوى له رفقة ثلاث عائلات، عائلته المتكونة من زوجته وشقيقته الأرملة وبناته، وعائلة ابنه المتزوج رفقة زوجته وابنيه، وابنه الثاني المتزوج بدوره رفقة زوجته الحامل وابنته، أي أن حوالي 12 فردا وجدوا أنفسهم وأثاثهم وكل أغراضهم ملقاة في الشارع، وعلى بعد خطوات قليلة من مسكنهم السابق. وتتواصل معاناة العائلة تحت الخيمة التي نصبتها عبر الاستعانة بغطاء بلاستيكي في ظروف أقل ما يقال عنها إنها لا إنسانية، فبالإضافة إلى تواجدهم بالشارع وعلى قارعة الطريق، أي بمحاذاة السيارات والكثير من المركبات المارة من هناك يوميا، فإن أغلب أفراد العائلة حرموا من النوم بسبب كثرة الضجيج والحرارة المرتفعة تحت غطاء تلك الخيمة، أو »الباش« مثلما هو معروف، وكذا تكاثر الحشرات وغيرها، هذا ناهيك عن الضغط النفسي والعصبي الرهيب الذي يعشيه كافة أفراد العائلة وبصفة خاصة الأب »قناد رابح« البالغ من العمر حوالي 67 سنة، مع العلم أن هنالك مرسوما صريحا هو المرسوم 507 مكرر من القانون المدني الذي يمنع طرد المسنين من بيوتهم لأن لهم الحق في البقاء بها إلى حين وفاتهم. وتشير زوجة السيد »قناد رابح« التي تحدثت إلينا بعيون حائرة يملأها الأسى، وقلب يعتصر ألما، أنهم لا يجدون حتى مكانا يقضون فيه حاجاتهم الطبيعية، ويلجأون إلى منازل الجيران الذين أثنت على شهامتهم ووقوفهم إلى جنب عائلتها منذ تاريخ طردها إلى اليوم، حيث لا زالوا فاتحين أبوابهم ومنازلهم لهم في كل وقت، ويقدمون لهم يد المساعدة دائما، ولكنها تتساءل عن مصيرها ومصير زوجها بعد بلوغهما هذه السن وهل سيكملان حياتهما في الشارع؟ وكذا عن مصير بناتها وأبنائها وزوجاتهم وأطفالهم؟ مطالبة السلطات المحلية والمعنية بالتدخل العاجل لأجل إنقاذهم من هذه الوضعية المزرية واللانسانية، وختم »عمي رابح« حديثه إلينا بالقول »بعد أكثر من 35 سنة خدمة وتفان أجد نفسي في الشارع".... ربما ما تحمله هذه العبارة من معان أكبر بكثير من أي تعقيب أو تعليق قد يضاف.