لطالما اعتبرت المرأة وأطفالها أكبر ضحايا للانفصال الزوجي، هذا على الرغم من أن التغيير الأخير الذي مس قانون الأسرة كفل لها ولأطفالها حق المسكن والنفقة، وأوقف نوعاً ما مظاهر تشرد النساء المطلقات رفقة أطفالهن في الشوارع، مع أن ذلك لم يمنع أيضا وجود نسبة لا بأس بها من المطلقات ينتظرن الكثير من المساعدات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية وغيرها بعد أن ألقى بهن أزواجُهن إلى المجهول، لاسيما وأن حمل لقب مطلقة ليس بالأمر الهين في مجتمع جزائري محافظ ومتمسك جدا بعاداته وتقاليده. بالجهة المقابلة هنالك مطلقات قلبن المعادلة، فلم تكن المعاناة من نصيبهن بل كانت من نصيب أزواجهن _ السابقين- حيث فضلت تلك النساء النفاذ بجلودهن والالتفات إلى ما بقي من حياتهن، وإلقاء أطفالهن إلى جهة آبائهن، بعد أن رفضن التكفل بهم، والإبقاء عليهم لديهن، طواعية غير مكرهات ولا مجبرات على ذلك، حيث توجد الكثير من العائلات ترفض إيواء بناتهن المطلقات رفقة أطفالهن ويطالبنهن بالتخلي عنهم وتركهم لدى آبائهم، وهو ما قد ترفضه بعضهن فيجدن أنفسهن في الشارع أو يضطررن إلى تحمل مسؤولية إيجاد مسكن وعمل يضمن حياة مستقرة لأبنائهن، أو يستسلمن له، ويعدن الأطفال إلى آبائهم، ومنهم أيضا من لا يقبلهم آباؤُهم فيكون مصيرهم الضياع أو مراكز الرعاية وحتى الإصلاحيات أو السجون. نتحدث هنا عن المرأة التي رفضت أن تمارس دورها كأم بعد طلاقها، وتخلت بكل برودة عن أطفالها للوالد، والتفتت إلى حياتها تبحث عن السبل الكفيلة لإعادة بنائها مرة أخرى، سواء عبر الزواج من جديد، أو الانسياق وراء الملذات والمسرات وغيرها. هي عينات استقيناها من شريط وثائقي عرضته الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل »ندى« خلال تنظيمها اليوم الذي تمحور حول موضوع »وضعية الطفل أثناء النزاعات العائلية«، وبطبيعة الحال فقد تضمن الشريط شهادات لسيدات مطلقات وما يعانينه من عجز في التكفل بأبنائهن بعد الطلاق، وكذا حرمان بعضهن من النفقة والمسكن وغيرها، في حين كانت العينة التي شدت إليها انتباه الحضور على وجه الخصوص شهادة رجل مطلق رفقة ابنته البالغة من العمر 15 سنة وشقيقها البالغ من العمر 9 سنوات تقريباً، وقد رفضت والدتهما التكفل بهما، على الرغم من أن الحضانة في البداية كانت من حقها، وتقول الفتاة أثناء إدلائها بشهادتها في الشريط الوثائقي، إن والدتهما أعادتهما إلى أبيهما وأنها لم تكن تهتم بهما مطلقا وكانت تنفق أغلب مبالغ النفقة التي كان يدفعها والدها على زينتها وعلى شراء الهواتف النقالة وتغييرها من حين إلى آخر، وكذا بالخروج والنزهات لا غير، كما أظهر الشريط في الوقت ذاته الأب وهو يقوم بالطبخ وتنظيف المنزل والسهر على راحة ابنيه بمساعدة من ابنته الكبرى التي توقفت عن الدراسة في السنة السادسة ابتدائي، وقال الأب إنه يلعب دور الرجل والمرأة معا، وإنه لا يستطيع التخلي عن ابنيه بعد أن تخلت عنهما والدتهما، في صورة تؤكد أيضا أن الرجال قد يكونون ضحايا للطلاق أيضا. في نفس الإطار تروي إحداهن قصة رجل مطلق آخر تركته زوجته ورفضت الاحتفاظ بابنيها منه، بعد أن اختارت الزواج من رجل ثان رفض أن تنقل معها ابنيها إلى منزلها الجديد، وتحت ضغط أهلها، استسلمت للأمر وأرجعت ابنيها إلى والدهما، الذي رفض إعادة الزواج مجددا، إلى أن يشب ولداه ويصبحا قادرين على تحمل مسؤولياتهما. فمن قال إن الطلاق لا يحمل معه المعاناة للرجل أيضا، مع أن الضحية الفعلي والوحيد في النهاية على كافة الأصعدة والمستويات هو الطفل الذي يكون ثمرة تلك العلاقة الزوجية المنهارة، ممن تتوحد الجهود وتتظافر لأجل الحفاظ على حقوقه والدفاع عنها، خاصة في ظل المخاطر الكبيرة المتربصة بالأطفال خارج إطار العائلة. تجدر الإشارة إلى أن الإحصائيات الأخيرة التي قدمتها الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل قد أشارت إلى أن أكبر نسبة من الأطفال الذين يحتاجون إلى تدخل عاجل من طرف الهيئة هم الأطفال ضحايا الانفصال الزوجي.