حثنا الشرع الحنيف على الحفاظ على النعم التي وهبها الله لنا وطالبنا بالتعامل معها باعتدال، ويعتبر الماء من أكثر النعم التي تعدُّ سبباً في استمرار حياتنا وهو سر الوجود كله، وهو منحة ربانية ومعجزة إلهية تحفظ لنا البقاء، فعلى المجتمع أن يتفكر في هذه المعجزة وأن يحافظ على هذه النعمة الربانية. لذا دعا علماء الدين إلى اتباع تعاليم الإسلام في الحفاظ على الماء وترشيد استهلاكه، مستندين إلى ما جاء من القرآن والسنة من آيات وأحاديث تحث على الاعتدال في استخدامه وترشيد استهلاكه باعتباره من أهم وأغلى نعم الله علينا. يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق أن الماء نعمة من أعظم النعم التي خص الله سبحانه بها جميع الأحياء على وجه الأرض وجعله الله سببا في بقاء الحياة واستمرايتها. وأوضح عاشور أن حق الانتفاع بالماء مكفول للجميع دون إسراف أو احتكار أو منع أو تعطيل، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: »الناس شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار« وهذا يعني أن مصادر الماء لا يجوز لأحد أن يحتكرها أو يمنعها عن الآخرين وإنما يظل مشتركا بين الناس كل يأخذ حقه بقدر ما يحتاج، وألا يتصرف فيه بشيء من السفه، وأن نحافظ عليه بكل ما أوتينا من قوة، وأقر الإسلام مبدأ »لا ضرر ولا ضرار«، فكل ما يضر المسلمين في رزقهم ومأكلهم ومشربهم ينهي الإسلام عنه. ويضيف عاشور أن الإسلام أمرنا بالاعتدال في كل شي فيقول الله سبحانه وتعالى »وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ« الأعراف:31. ويضيف أن الاعتدال في أي شي يجعل الحياة مستقيمة لا يكدر صفوها شيء. ويقول الشيخ فرحات المنجي من علماء الأزهر الشريف إن الإسلام شدد على المحافظة على المياه لأنه سبب أساسي ورئيسي للحياة فيقول الله سبحانه وتعالى »وجعلنا من الماء كل شي حي« ويقول الرسول الكريم عندما مر بسعد وهو يتوضأ فقال: »ما هذا السرف؟« وقال سعد: أفي الوضوء سرف؟. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: »نعم، وإن كنت على نهر جار«. وأضاف المنجي أن الإسلام حث على إعمار الأرض وزرعها وإحيائها ولا يتم هذا بغير الماء، ومن النصوص السابقة نعلم أهمية الماء في حياة المسلم من الوجهة الشرعية وإن الماء هو سر الحياة وإن إهداره أمر يتنافي مع القرآن والسنة والمشرفة لأن قطرة الماء التي تذهب لن تعود مرة أخرى. وأوضح المنجي أن الوجود كله يتوقف بقاؤُه على نقطة الماء، لذا فإن الخلل في استخدام الماء يكون حراما وأمرا منهيا عنه، لأن الماء جعله الله سبحانه وتعالى نافعاً لكل البشر من جميع النواحي، أما الداعية الشيخ يوسف البدري فيقول: إن هذا الماء الذي جعله الله سر الحياة على الأرض يشترك فيه كل الناس ولا يخضع للتملك الفردي، فقد حدث أن بعض الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر فعطشوا فلما وجدوا البئر أصر أصحابه على أن يبيعوهم الماء واضطروا أن يشتروه ليشربوا، فلما وصلوا النبي وأعلموه قال عمر لهم: »هلا جالدتموهم بالسيف؟« أي لا تدفعوا لهم فالماء ملك للجميع فقال صلى الله عليه وسلم »الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار«. والماء انزله الله للعباد مسلمهم وكافرهم ولا يحق لعبد أيا كان أن يمنع عبدا أيا كان من الماء الذي جعله الله حقا للجميع مباحا لحياتهم وأمر كل من يصل إليه الماء ألا يبخل على أحد أبدا، لا ينظر إلى دين ولا إلى لون ولا إلى عرق ولا إلى جماعة ولا إلى طاعة ولا إلى معصية، وجعل هذا الماء مُحافظاً عليه ومنع الإسراف فيه حين قال تعالى »كلوا واشربوا ولا تسرفوا«.