المساجد التي ذكرت في القرآن الكريم هي ثلاثة: المسجد الحرام، المسجد الأقصى والمسجد النبوي الشريف، الأولان ذُكرا في سورة الإسراء، قال تعالى "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنَ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"، والمسجد الثالث على أحد قولين؛ المسجد النبوي الشريف "لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ"، وها هو القدس الشريف داخلٌ ضمن البركة التي أودعها الله عز وجل في المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى، وها هي بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجال المرابطين حول بيت المقدس وعلى أكنافه، إنهم هم الذين سيقاتلون المسيح الدجال وإنهم أهل للرباط وأهل للنصر بإذن الله، والقضية ليست فقط أماكن وتاريخ ولكنها دين وعقيدة وقرآن وسنة وأمانة ومسئولية، أعد الله لها أهلها، ويختارهم لها في كل جيل، وإن كان هناك من يتخلى عن الأمانة ويفرِّط في المسؤولية فنَكثُه على نفسه "فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ"، وإذا نظرنا إلى كل صفة من هذه الصفات فسوف نجدها لم تتحقق أو يتحقق عكسها في هؤلاء الذين ينكثون عهدهم مع الله وسنجدها هي المتحققة بإذن الله أو التي يجب أن يتربى عليها جيل النصر المنشود "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَن الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِين"، وإذا غفلت الأمة ونسيت أو تناست بعض قياداتها معركة وجودها مع عدوِّها وعدوِّ دينها، جاءتها الأحداث لتذكرها أو قام عدوُّها بما يزلزلها من اقتحام المسجد الأقصى أو حرب إبادة خسيسة أو جدار عنصري أو مستعمرات جديدة أو تهويد لكل ماله أصلٌ عربيٌّ أو مسلم في القدس وشوارعها وأحيائها، أو جاءتها الشهور عندما يدور الزمان ليحدثها شهر رجب، شهر الإسراء والمعراج بما يجب عليها، حتى لا تكون من المغضوب عليهم ولا من الضالين. يأتي شهر رجب ويزداد ضوء آيات سورة «الإسراء» ودرس صراع الصهاينة مع الأمة العربية والإسلامية لتنبِّه الغافل وتحذِّر المخدوع الذي يداري هزيمته الداخلية وتخاذله وعجزه بأن يلوي نصوص القرآن القاطعة فيقول "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"، وهم لم يجنحوا للسلم ولا لحظة إلا قهرا أو هدنة، والتاريخ شاهد عليهم، ويكفي أن غدرهم ونقضهم العهد كان مع «محمد» صلى الله عليه وسلم، وإلا لما كان إجلاء «بني النضير»، إجلاء «بني قينقاع»، إجلاء يهود خيبر، إجلاء «بني قريظة»، منذ أن نزلت سورة «الإسراء» وعلمت اليهود بحقيقة تسليم الراية إلى «محمد» صلى الله عليه وسلم من آلاف أنبياء بني إسرائيل طاعةً لله ووفاء منهم بعهدهم مع الله "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ"، أما رد الفعل على بني إسرائيل فقد تملَّك الحقد قلوبهم، لأن انتقال الراية ل«محمد» صلى الله عليه وسلم وصلاته إمامًا بالأنبياء والمرسلين جميعا في المسجد الأقصى إنما هو دلالة على أن الأمة الإسلامية هي الخاتمة وهي التي ستنال شرف الإمامة، قال تعالى "لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"، وهي التي ستكون شهيدة على الناس، وتأكيدًا لذلك سيُصلي سيدُنا «عيسى» عليه السلام مأمومًا خلف إمام المسلمين عند نزوله آخر الزمان، ولقد تأجَّج الحقد أكثر عندما أكرمَنا الله عز وجل بيوم الجمعة، وهو اليوم المبارك في الأسبوع، بعد أن تاهت الأمم السابقة في معرفته. يعتبر درس الإسراء وحده منبِّهًا إلى هذا الصراع برواية معجزة الإسراء العظيمة في آية واحدة، ثم باقي الآيات عن بني إسرائيل والوصايا العشر، أي ثوابت العقيدة والقيم والأخلاق في كل النبوات والرسالات، وكذلك سورة «الجمعة» التي تبيِّن بوضوح أن القضية المحورية في صراع الصهاينة معنا أن الله هدانا لما اختلفوا فيه وحذَّرَنا مما وقعوا فيه وأكرمنا بما حرمهم منه، فسورة «الجمعة» فيها ذكر أجيال هذه الأمة وإكرام الله لنا بالنعمة الربانية، حبيبنا «محمد» صلى الله عليه وسلم، ثم حديث عن بني إسرائيل وصفاتهم وعقاب الله لهم، ثم حديث عن يوم الجمعة وصلاة الجمعة وشمولية الإسلام لأمور الدنيا والآخرة والعبادات والمعاملات، بل إن جهاد أعداء الله بكل صوره سيكون الفيصل في تفاضل الناس وتمايزهم يوم القيامة، ولعل نقل درس المعراج إلى سورة «النجم» فيه بعض الحكمة التي نفهمها من إفراد درس الإسراء لعلاقتنا ببني إسرائيل فقط.