أيها المهاجر : أخشى أن يصيب الوجدان الرقيق الجفاف.. فتذبل الأشواق.. وتتصحر القلوب.. وتجف التحايا.. والغربة أشد وأنكى من الجفاف : إن قلبًا ينسى الرفاق لقلبٌ بوداد الرفاق غير زعيم لكن أشواقنا لن تذبل نحوك.. وقلوبنا لن تتصحر تجاهك.. وتحايانا لن تنقطع عنك.. ما بقي شوق يعصف بنا.. وذكرى تختزنها الذاكرة تطربنا.. وبسمة رقيقة تلوح في نواظرها.. ووالله إن أحدنا ليتذكر فيحن.. ويشتاق فيئن.. ولن يحن أكثر من الإبل إلى مرابعها إلا الإنسان.. ولن يئن أكثر من المفجوع في حبيب إلى الغريب عن الأوطان.. ماذا نكتب ؟ أوراق يصقلها العتب.. تتآكل كلما أغراها الابتسام.. حديث يتصاعد من أرض تبتسم بورود ورياحين.. وخزامى وعرار. الكلمة ذاتها مهما تكن مخلصة لن تفعل شيئًا.. قبل أن تتحول إلى حركة.. وأن تتقمص إنسانًا.. والناس هم الكلمات الحية التي تؤدي معانيها أبلغ أداء . أيها المغترب : احذر فلتات الشباب.. كلما أورثك النبذ.. وخدعك السراب.. فإنه إن يعظم بعدها شأنك.. يشتد على ذلك ندمك.. ولن أوصيك بشيء أنت أهله . وأنت في الغربة وحيدًا.. ومثلك لا يعيش وحيدًا.. فأنت صاحب رسالة.. وصاحب عقيدة.. وأنت من النخوة والشرف في سامقها ومرتقاها.. قد يكون ذلك تدخلًا في شئونك.. وقد يكون من باب: ومن الحب ما قتل .. لكن التقوى عماد الإنسان وشرفه.. وأنى لمثلك أن تخدش صفحته.. أو تثلم مروءته.. والغربة نار لا يدافعها إلا رجل ذو تقوى.. وورع.. يخشى الله ويرعاه . أيها المهاجر : قبل أن تفعل شيئًا تردد فيه.. اسأل نفسك : ما عاقبته ؟ ما الأثر المترتب عليه ؟ ما موقف الخلق منك ؟ ما مردوده على نفسك ؟ وقبل ذلك كله : كيف تتوارى من خالقك ؟ فإن أحسست في نفسك حسرة وندمًا.. فلا تفعل و الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطَّلع عليه الناس . إن وجدت خيرًا فالزمه.. وإن لم تجد فاحمد الله على نعمة العقل.. فإنها منحة ربانية يهبها سبحانه لمن يشاء من عباده . أخي المغترب : سؤال محير أقض مضجعي.. وهز كياني: ما بال النسور بدأت تطمئن إلى أعشاش العصافير؟! النسور بكبريائها.. وقوتها.. بدأت تنحو منحًى يؤلم كل محب لها ؟! ورغم فجاعة التساؤل.. إلا أنه يتضاءل أمام تساؤل لا يقل عظمة عن سابقه : كيف يرتكس في حمأة الرذيلة من قضى سني شبابه في معاقل الطهر والفضيلة ؟! ذات مساء قمت مفزوعًا من حلم أقض مضجعي..صاحبي يرتكس في حمأة الرذيلة ؟! إنه حلم مزعج ومخيف.. لكنه مجرد حلم لا غير.. ولم يكن رؤيا صادقة.. استيقظت فزعًا.. فبصقت عن يساري. ودعوت.. ثم رجوت.. ثم كتبت لأقول : إن الدنيا قد تسلب منا القيم التي تربينا عليها.. قيم كانت لا تغيب.. واليوم تكاد ألا تذكر.. ومبادئ لا تفارق.. وإذا بها اليوم مجهولة النسب . ويح الإنسان عندما يتنكر.. قبيح بالمرء أن يعيش من سقط المتاع.. إنها معادلة مؤلمة ومحزنة