الشيخ: راغب السرجاني التاريخ مرآة الأمم يعكس ماضيها ويُتَرْجِم حاضرها وتستلهم من خلاله مستقبلها لذلك كان الاهتمام به من الأهمية بمكان ووجب أن ننقله إلى الأجيال نقلاً صحيحًا فالشعوب بلا تاريخ أجساد بلا حياة وما أروع كلمات رفيق العظم حيث قال: وإن أمة لا تعرف تاريخها فأَحْرى بها أن يتنكر لها الزمان وتذري بها الشعوب لجهلها بماضيها وأن تنكرها الإنسانية وتنكرها السماء والأرض وإنه لمن الصعب علينا جدًّا أن نفهم أدوارنا في قضية فلسطين بدون دراسة واعية لتاريخها ولسنا نعني مجرَّد قراءة سريعة إنما نعني القراءة المتأنِّيَة التي تنقل أصحابها من صفوف القُرَّاء إلى صفوف العاملين فتصبح الرؤية واضحة ومن ثَمَّ يُصبح العمل مُرَتَّبًا منظَّمًا موجَّهًا في طريق لا عوج فيه ولا اضطراب.. ولذا فإن دراسة تاريخ فلسطين تُعَدُّ من ألزم أدوار المرحلة وفي هذا الإطار علينا من الأدوار ما يلي: التعرف على أهمية فلسطين : إذا أدرك المسلمون قيمة فلسطين في ميزان الله وفي عين رسول الله وكذلك في عيون الصالحين والعلماء من أبناء الأمة الإسلامية فإنهم لن يُفَرِّطُوا أبدًا في هذا البلد العظيم ويكفي أن الله قد اختارها من كل بقاع الدنيا لتكون موطنًا لمعظم أنبيائه كما جعل فيها أشرف دُورِ العبادة بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي وأسرى برسوله الكريم إلى أرضها وهناك صلَّى بالأنبياء جميعًا تلك الصلاة التاريخية المشهودة التي جمعت كل الأنبياء في الدنيا في لقاء واحد وكان هذا اللقاء في أرض فلسطين. إن إدراكنا قيمة هذا البلد الطيب يرفع جدًّا من درجة حماسنا ويُحَرِّك الحمية في قلوبنا ومن ثَمَّ يبحث كل مِنَّا عن دوره بمنتهى الجدِّ والإخلاص ولا نتعرَّض للفتور الذي نخشاه. ويمكن الاستفادة بالمصادر الكثيرة التي حفلت بها المكتبة الإسلامية والتي اهتمَّتْ بذكر مكانة فلسطين في الميزان الإسلامي ومنها على سبيل المثال: كتاب إسلامية الصراع حول القدسوفلسطين وكتاب فلسطين أرض الرسالات الإلهية وكتاب الطريق إلى بيت المقدس .. وغير ذلك من الكتب الكثيرة في هذا المجال. معرفة قصة فلسطين : يُعَدُّ تاريخ فلسطين أثرى تاريخ في الإنسانية وليس في هذا مبالغة لأن معظم القوى التي حكمت العالم مَرَّتْ بشكل أو بآخر على أرض فلسطين فقد شهدتْ هذه الأرض حكم البابليين والفرس والإغريق والرومان وشَهِدَتْ حكم اليهودية والنصرانية والإسلام ومَرَّتْ عليها كل الدول الإسلامية تقريبًا بَدْءًا من عند الخلفاء الراشدين ومرورًا بالخلافة الأموية فالعباسية فالدولة الطولونية والإخشيدية فالاحتلال العبيدي المسمَّى بالفاطمي وكذلك العصر الأيوبي فالمملوكي فالعثماني وانتهاءً بعصرنا الآن.. كما شهدت أرض فلسطين هجمة أوربا الغربية المتمثلة في الحروب الصليبية وشهدت كذلك هجمة آسيا الشرقية المتمثلة في التتار ولا شكَّ أن كل هذه الفصول من هذه القصة الطويلة تمتلئ بما لا يُحصى من الدروس والعبر كما أنها تُوَضِّح لنا جذور المشكلة وتطرح لنا الحلول المناسبة وتحفظنا من الوقوع في أخطاء السابقين وكل هذا يقود إلى ما نصبو إليه من تحرير للبلاد وعودة الحقوق إلى أصحابها. ولعله من أولى المشروعات التي أعتزم القيام بها -إن شاء الله- هو كتابة هذه القصة المثيرة بشكل يجمع بين الإيجاز والتفصيل حتى نجمع شتات هذه الرحلة الطويلة بين دفتي كتاب وأسأل الله التوفيق. دراسة قصة اليهود : اليهود قوم لهم طبيعة خاصة وصفات مُعَيَّنة ولقد حفل القرآن الكريم وكذلك السُّنَّة المطهرة بالشرح المسهب لهذه النفسيات وتناولت الآيات والأحاديث أخلاقهم بشكل مُفَصَّل. ولقد انعكست هذه الأخلاق على حياة اليهود في كل مراحلهم منذ وجودهم الأول وفي كل حلقات قصتهم ومن المؤكد أن دراسة هذه القصة يُفيد كثيرًا في تعاملنا مع اليهود الآن. دراسة نشأة الصهيونية العالمية : الحركة الصهيونية هي الحركة التي تهدف إلى تَوَجُّه اليهود من كل بلاد العالم إلى أرض فلسطين حيث جبل صهيون لإقامة وطن قومي لهم هناك وليست هذه الحركة في نطاق اليهود فقط بل إنها تشمل الكثير من النصارى ولعل النصارى الصهاينة أكثر تعصُّبًا من اليهود أنفسهم لهذا الأمر وخاصة البروتستانت الذين يعتقدون بحتمية إقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين حتى يعود المسيح ليحكم الدنيا. ومن هنا فإن دراسة هذه النشأة الخطيرة لهذه الحركة الصهيونية يُوَضِّح لنا الكثير من الأمور التي خفيت علينا ويُفَسِّر لنا سرَّ العلاقة الحميمة بين الإنجليز والأمريكان من ناحية واليهود من ناحية أخرى! دراسة مشروع تهويد فلسطين : مشروع تهويد فلسطين لكي يُحَوِّل اليهود الأراضي الفلسطينية إلى وطن قومي لهم مرُّوا بمراحل كثيرة في التاريخ تُعرف ب تهويد فلسطين وهذا كله وَفق خُطَّة مدروسة وقواعد معلومة وعندي يقين أنه لكي نقاوم هذا المشروع التهويدي الخطير لا بُدَّ لنا من معرفة أدقِّ تفصيلاته ولقد كانت وسائل التهويد كثيرة فمنها العسكري ومنها السياسي ومنها الاقتصادي ومنها الإعلامي ومنها الاجتماعي ومنها الرياضي والفني والأدبي.. إنها حركة شاملة قادت إلى الوضع الذي نحن فيه الآن وعلينا أن نسعى جاهدين لفهم دقائق المشروع الخطير كي نتمكن في النهاية من إحباطه والخروج من حبائله. دراسة قصة الدولة العثمانية : لا نستطيع أن نفهم الأحداث المعاصرة في فلسطين بل وفي الدول المجاورة كدول الشام ومصر وكذلك العراق وتركيا إلا بدراسة تاريخ الدولة العثمانية خاصة أن المشروع الصهيوني بدأ خلال فترة حكم الدولة العثمانية وكذلك الاحتلال الإنجليزي لفلسطين والذي سلَّمها بعد ذلك لليهود. وتاريخ الدولة العثمانية تاريخ طويل ومهم جدًّا وفيه فترات عزة إسلامية على أرقى مستوى كما أن فيه فترات ضعف أَدَّت إلى ضياع فلسطين ولذا فإن دراسة هذا التاريخ أمر محوري لمن أراد أن يفهم تاريخ فلسطين. دراسة الثورات السابقة في أرض فلسطين : يخطئ الكثيرون عندما يظنون أن الانتفاضات الفلسطينية الحديثة هي أول ثورات يقوم بها الشعب الفلسطيني فالشعب الفلسطيني يقوم بالثورات منذ عام 1919م ولم يكد يمرُّ به عام دون ثورة كبيرة ولعلَّ من أكبر هذه الثورات الثورة التي قامت بين عامي 1936- 1939م والتي كانت شرارة البدء لها حركة المجاهد الكبير الشهيد عز الدين القسام ثم استشهاده في نوفمبر 1935م وهذه الثورة شهدت استشهاد أكثر من اثني عشر ألف فلسطيني وهدم أكثر من خمسة آلاف بيت ولكنها في الوقت نفسه كبَّدت العدو خسائر هائلة فقد سقط فيها من الإنجليز عشرة آلاف قتيل ومن اليهود مثلهم! إن دراسة هذه الثورات تضع أيدينا على التضحيات التي بذلها الشعب الفلسطيني كما تعرفنا بالآليات الناجعة التي مارسها المسلمون قبل ذلك وفي الوقت نفسه تعرفنا على طرق العدو في مجابهة هذه الثورات ومن ثم كيفية التعامل مع هؤلاء الأعداء. دراسة تاريخ حركات المقاومة الفلسطينية : تذخر الأراضي الفلسطينية بالكثير من حركات المقاومة التي تبذل جهدًا كبيرًا في إخراج العدو من الأرض المباركة ولكن هذه الحركات ذات توجُّهَات كثيرة مختلفة فمنها الإسلامي ومنها القومي ومنها الوطني ومنها الاشتراكي ومنها العلماني. ولعله من العسير جدًّا أن نفهم الواقع الفلسطيني الآن وكيفية التعامل مع المتغيرات الكثيرة فيه دون الرجوع إلى جذور هذه الحركات وإلى تاريخهم التفصيلي وأنا أعتقد أن هذه الدراسة لهذا التاريخ المؤثِّر لمن أكثر الأشياء المُعِينَة على استيعاب قضية فلسطين ويستطيع المرء بعدها أن يقف إلى جوار حركة دون أخرى أو يتعاطف مع إحداها على حساب ثانية كما أننا في حال التوفيق بين الحركات المختلفة يصبح هذا التاريخ أمرًا لازمًا لتوحيد الاتجاه وتجميع الصفوف. دراسة الكتب التي تَرُدُّ على الشبهات : هناك الكثير من الشبهات التي يُثِيرها اليهود وأحيانًا الغربيون بل وأحيانًا فريق من المسلمين حول قضية فلسطين. وهذه الشبهات تُثير القلاقل الكثيرة في الصف المسلم وتوهن القُوى وتنحرف بالمسار ولذا فإن من ألزم أدوارنا في هذه المرحلة أن نقرأ في الكتب التي تَرُدُّ على هذه الشبهات المثارة وأن نتعلَّم هذه الردود ونُتْقِنُها وأن نُعَلِّمها لأبنائنا ومجتمعاتنا وأن نَرُدَّ بها على مَنْ يُهاجمنا. وهذه الشبهات كثيرة ومتعدِّدَة ومنها على سبيل المثال شبهة أن فلسطين تخصُّ الفلسطينيين ولا داعي للدول الإسلامية الأخرى أن تُهْدِرَ طاقاتها في الدفاع عنها ومنها شبهة أننا نُحَرِّر فلسطين لكونها عربية لا لكونها إسلامية ومنها شبهة أن الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود ومنها شبهة أن السلام أكثر فائدة من الجهاد في قضية فلسطين ومنها شبهة أن دولتين متجاورتين فلسطينية ويهودية أمر واقعي لا بُدَّ من السعي لتطبيقه.. وغير ذلك كثير من هذه الشبهات التي يسهل الردُّ عليها ولكن بعد توفُّر المعلومة الصحيحة والحُجَّة العقلية السليمة. دراسة تاريخ الأعلام الفلسطينيين المعاصرين : يحفل التاريخ الفلسطيني الحديث بأسماء عدد هائل من الأعلام النجباء الذين أسهموا إسهامًا مباشرًا في صياغة تاريخ مُشَرِّف لهذه الأرض ودراسةُ هذا التاريخ يضع أيدينا على سيرة المجدِّدِين وطرق تربيتهم ونشأتهم ومحطات حياتهم وخلفيات قراراتهم ونتائج أعمالهم وجهادهم وروعة آثارهم على المجتمع الفلسطيني بل وعلى المسلمين ككل ونذكر منهم على سبيل المثال أمين الحسيني وعز الدين القسام وعبد القادر الحسيني وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ويحيى عياش وإسماعيل أبو شنب وغيرهم ممن لا نستطيع بحال أن نحصيهم في هذا المقام. إننا نحتاج أن ندرس سيرة هؤلاء وأن ننقلها بأمانة إلى الأجيال المعاصرة وأن نُدَرِّسها لأولادنا وبناتنا بل وأن ننقلها إلى العالم كله ليَعْلَمَ هذا التاريخ المجيد لهذه العصبة المجاهدة.