خَاطِئٌ من يعتقد أنّ سياسة اسرائيل للتهويد قد بدأت مع صدور قرار جويلية 2018 لأنّ بداية الفكر الصهيوني في انجلترا كان أساسها عنصريا منادٍ بعقيدة الاسترجاع التي تعني ضرورة الذهاب إلى فلسطين كشرط لتحقيق الخلاص ، لتصبح مهمة الحركة الصهيونية تغيير واقع اليهود إلى دولة قومية تجمع هذا الشتات من كل أنحاء العالم و تهوّد كل ما تجده في فلسطين من تراث حضاري سواء كان عربيا اسلاميا أو مسيحيا و محو أثره ، ليس هذا فحسب بل يعرف الجميع أنّ أطماع الحركة الصهيونية هو إحياء امبراطورية مزعومة تمتد من النهر إلى النهر. تقول وثيقة وعد بلفور في نسختها الأصلية والموجهة للمنظمة الصهيونية أنّه جاء اسم الأرض التي تعد بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود عليها بأنه (فلسطين). و لم يكن الوعد الخبيث يتعلّق باستعادة أو تحرير أرض يهودية أو العودة أو الهجرة إليها بل هو توطين لشتات يهودي تائه في كل الأرض خاصة في أوربا حيث حاول ذات الوعد تخليص القارة منه و أخذه إلى فلسطين ليقوم كيان على أنقاض ما بقي من الإمبراطورية العثمانية المتآكلة، و انتهجت المنظمة الصهيونية سبيل الهجرة بأعداد صغيرة و أنشأت صندوقا ماليا من أجل مساعدة اليهود للتسرّب إلى فلسطين ، و في محاولة لذر الرماد في العيون قال الوعد أنّه لا يمكن المساس بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها ما سمّها الوعد *الطوائف *غير اليهودية المقيمة في فلسطين، رغم أنّ الأمر كان يتعلّق بشعب يمارس حقوقه و واجباته في إطار الدولة العثمانية ثم انجلت عنه تلك الحماية و اسمه الشعب الفلسطيني ، و لكن الحركة الصهيونية التي عملت جنبا إلى جنب مع بلفور للوصول إلى الوعد كانت لديها نيّة التهويد و قمع كل عنصر غير يهودي في معتقده و تراثه و أرضه و وجوده ، مكرّسة الوصول إلى هدف التهويد لتصل بالأجيال بعد عديد السنوات إلى الاعتقاد بيهودية الكيان الناشئ و هو ما لا تزال الحركة الصهيونية مواصلة في تطبيقه مع تهجير العنصر العربي إلى دول الجوار فصار عدد اللاجئين اليوم يفوق أربعة ملايين ، لتصل في 2018 بعد مائة سنة على وعد بلفور إلى قرار العار الذي أباحت لنفسها من خلاله التلاعب بكل العناصر غير اليهودية في فلسطين رغم قولها بأنّها تشكّل عناصر الهويّة الإسرائيلية ، و توجهت إلى التهويد و محو العنصر العربي بصفة خاصة. فاللغة العربية التي كانت رسمية بعد العبرية أفقدها القرار الجديد مكانتها وألغها. و لا تسمح القوانين بانضمام العرب إلى الأحزاب السياسية الاسرائيلية مخافة تطورهم و تدرجهم في المسؤوليات . و قبل 1967 حاولت الأقلية العربية الموجود داخل *دولة * الكيان إقامة جمعيات و منظمات و هدفها كان دخول انتخابات المجمّع ( الكنيست ) ولكنها مُنعت وحلّت، فكل شيء هناك لابد أن يتنفّس صهيونية ً، و لا يخلو الكيان من يوميات التمييز ضد العرب و سحب الجنسية لأتفه الأسباب ، كما أنّه في الاحتفالات القومية لإسرائيل المحتلة صار ممنوعا ذكر العناصر الأخرى المكونة لهذا الكيان كالدروز و العرب ، ولا حتى على مستوى الديانة ، سواء من المسلمين أو المسيحيين . و أصبح كل التعامل سواء الإداري أو التجاري يتمّ باللغة العبرية فقط ، بالرغم من اعتبار العربية معترفًا بها كلغة رسمية في الدولة قبل صدور القرار . ف ش