** أنا متزوج منذ تسع سنوات وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة اضطررت إلى قبول فرصة عمل بمدينة تبعد عن موطن إقامتي بمسافة أقطعها في تسع ساعات، وفوجئت بأن زوجتي ترفض انتقالها معي حيث مصدر رزقي بحجة أنها لا تريد أن تعيش بعيدا عن أهلها وخوفها من "الغربة"، فهل يجوز لي أن أجبر زوجتي على الانتقال معي؟ وإذا أصرت على موقفها فهل تكون ناشزا؟ * يقول الشيخ عصام الشعار مجيبا على هذا السؤال: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.. فيجب على الزوجة طاعة زوجها في غير معصية الله، وقد حثها الشارع على ذلك وأعد لها من عظيم الأجر والمثوبة ما لا يعلمه إلا الله، ففي المسند وصحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، و أطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت". فمن حق الزوج على زوجته السفر والانتقال بها من بلد إلى بلد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون بنسائهم. واشترط الحنفية للسفر بالزوجة أن يكون الزوج مأمونا عليها. فلا يجوز للزوجة أن تمتنع عن السفر مع زوجها، بل يجب عليها طاعته، وإذا امتنعت عن السفر معه كانت ناشزا. واشترط الفقهاء لوجوب سفر الزوجة مع زوجها ألا يقصد الزوج بسفرها معه الإضرار بها، وألا يلحقها بسفرها معه ضرر نفسي أو معنوي. وبناء على ما سبق فلا يجوز للزوج أن يجبر زوجته على الانتقال معه إذا كان الطريق بين البلدين لا تأمن فيه الزوجة على نفسها وعرضها ومالها. ولا يجب على الزوجة الانتقال مع الزوج إذا كان المكان الذي ستنتقل إليه منبعا للأوبئة والأمراض، أو تكثر فيه القلاقل والفتن، أو يكون الاختلاف بين البلدين في الحرارة والبرودة مما لا تحتمله الأمزجة والطباع، أو أن يكون المكان الذي ستنتقل إليه فيه ضرر أدبي، ففي كل ما سبق إما ضرر مادي أو ضرر معنوي يلحق بالزوجة ومتى كان الحال كذلك فلا يجوز إجبار الزوجة على الانتقال مع الزوج في هذه الحالة، ولا يجب عليها طاعته، ولا تكون الزوجة ناشزا حينئذ. يقول الشيخ سيد سابق –رحمه الله- في فقه السنة: من حق الزوج أن ينتقل وزوجته حيث يشاء؛ لقول الله تعالى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) الطلاق: 6. والنهي عن المضارة يقتضي ألا يكون القصد من الانتقال بالزوجة المضارة بها، بل يجب أن يكون القصد هو المعايشة، وما يقصد بالزواج، فإن كان يقصد المضارة والتضييق عليها في طلبه نقلها، كأن تهبه شيئا من المهر أو تترك له شيئا من النفقة الواجبة عليه لها، أو لا يكون مأمونا عليها، فلها الحق في الامتناع وللقاضي أن يحكم لها بعدم استجابتها له. وقيد الفقهاء استعمال هذا الحق أيضا بألا يكون في الانتقال بها خوف الضرر عليها، كأن يكون الطريق غير آمن، أو يشق عليها مشقة شديدة لا تحتمل في العادة، أو يخاف فيه من عدو، فإذا خافت الزوجة شيئا من ذلك فلها أن تمتنع عن السفر.