أوجب الله تعالى على المرأة الحجاب صونًا لعفافها، وحفاظًا على شرفها، وعنوانًا لإيمانها، من أجل ذلك كان المجتمع الذي يبتعد عن منهج الله ويتنكب طريقه المستقيم، مجتمعًا مريضًا يحتاج إلى العلاج الذي يقوده إلى الشفاء والسعادة، ومن الصور المؤلمة: تفشي ظاهرة السفور والتبرج بين الفتيات، وهذه الظاهرة نجد أنها أصبحت للأسف من سمات المجتمع الإسلامي، رغم انتشار الزي الإسلامي فيه، فما الأسباب التي أدت إلى هذا الانحراف؟ للإجابة عن هذا السؤال كانت الحصيلة: عشرة أعذار رئيسة، وعند الفحص والتمحيص، بدا لنا كم هي واهية تلك الأعذار! معًا نتصفح هذه السطور، لنتعرف من خلالها على أسباب الإعراض عن الحجاب، ونناقشها كلاً على حدة.. العذر الأول قالت الأولى: "أنا لم أقتنع بعد بالحجاب".. مع العلم أن هذا الكلام شرك. نسألها سؤالين: الأول: هل هي مقتنعة أصلاً بصحة دين الإسلام؟ إجابتها بالطبع: نعم. مقتنعة، فهي تقول: "لا إله إلا الله"، ويعتبر هذا اقتناعها بالعقيدة، وهي تقول: "محمد رسول الله"، ويعد هذا اقتناعها بالشريعة، فهي مقتنعة بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهجًا للحياة. الثاني: هل الحجاب من شريعة الإسلام وواجباته؟ لو أخلصت هذه الأخت وبحثت في الأمر بحثَ من يريد الحقيقة لقالت: نعم. فالله سبحانه وتعالى الذي تؤمن بألوهيته أمر بالحجاب في كتابه، والرسول الكريم الذي تؤمن برسالته أمر بالحجاب في سنته. العذر الثاني قالت الثانية: أنا مقتنعة بوجوب الزي الشرعي، ولكن والدتي تمنعني من لبسه، وإذا عصيتها دخلت النار. يجيب عن عذرها أكرم خلق الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول وجيز حكيم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". فمكانة الوالدين في الإسلام وبخاصة الأم سامية رفيعة، بل الله تعالى قرنها بأعظم الأمور وهي عبادته وتوحيده في كثير من الآيات كما قال تعالى: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً" النساء .6 وطاعة الوالدين لا يحد منها إلا أمر واحد هو: أمرهما بمعصية الله؟، قال تعالى: "وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا" لقمان.5 ولا يمنع عدم طاعتهما في المعصية من الإحسان إليهما وبرهما قال تعالى: "وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً" لقمان.5 العذر الثالث جاء دور الثالثة، فقالت: الجو حار في بلادنا، وأنا لا أتحمله، فكيف إذا لبست الحجاب. لمثل هذه يقول الله تعالى: "قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ" التوبة .1 فكيف تقارنين حر بلادك بحر نار جهنم؟ اعلمي أن الشيطان قد اصطادك بأحد حبائله الواهية ليخرجك من حر الدنيا إلى نار جنهم، فأنقذي نفسك من شباكه، واجعلي من حر الشمس نعمة لا نقمة، إذ هو يذكرك بشدة عذاب الله تعالى، يوم يفوق هذا الحر أضعافا مضاعفة. العذر الرابع أما عذر الرابعة فقد كان: أخاف إذا التزمت بالحجاب أن أخلعه مرة أخرى، فقد رأيت كثيرات يفعلن ذلك!! وإليها أقول: لو كان كل الناس يفكرون بمنطقك هذا، لتركوا الدين جملة وتفصيلاً، ولتركوا الصلاة؛ لأن بعضهم يخاف تركها، ولتركوا الصيام لأن كثيرين يخافون تركه إلخ.. أرأيت كيف نصب الشيطان حبائله مرة أخرى فصدك عن الهدى؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل" لماذا لم تبحثي عن الأسباب التي أدت بهؤلاء إلى ترك الحجاب، حتى تجتنبيها وتعملي على تفاديها؟ العذر الخامس وقالت الخامسة: أخشى إن التزمت بالزي الشرعي أن يطلق علي اسم جماعة معينة، وأنا أكره التحزب. إن في الحياة حزبين فقط لا غير، ذكرهما الله في كتابه الكريم: الحزب الأول: هو حزب الله، الذي ينصره الله تعالى بطاعة أوامره واجتناب نواهيه واجتناب معاصيه، والحزب الثاني: هو حزب الشيطان، الذي يعصي الرحمن ويكثر من في الأرض الفساد، وأنت حين تلتزمين أوامر الله، ومن بينها الحجاب، تصيرين مع حزب الله المفلحين، وحين تتبرجين وتبدين مفاتنك، تركبين سفينة الشيطان وأوليائه من المنافقين والكفار. وبئس أولئك رفيقًا. العذر السادس ها هي السادسة: فما قولها؟ قالت: قيل لي: إذا لبست الحجاب فلن يتزوجك أحد، لذلك سأترك هذا الأمر حتى أتزوج؟ إن زوجًا يريدك سافرة متبرجة عاصية لله، هو زوج غير جدير بك، زوج لا يغار على محارم الله، ولا يغار عليك، ولا يعينك على دخول الجنة والنجاة من النار. إن بيتًا بني من أساسه على معصية الله وإغضابه، حق على الله تعالى أن يكتب له الشقاء في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" طه .24 وبعد، فإن الزواج نعمة من الله يعطيها من يشاء، فكم من متحجبة تزوجت، وكم من سافرة لم تتزوج، وإذا قلت: إن تبرجي وسفوري هو وسيلة لغاية طاهرة، ألا وهي الزواج، فإن الغاية الطاهرة لا تبيح الوسيلة الفاجرة في الإسلام، فإذا شَرُفَت الغاية فلابد من طهارة الوسيلة؛ لأن قاعدة الإسلام تقول: الوسائل لها حكم المقاصد. العذر السابع وما قولك أيتها السابعة؟ تقول: أعرف أن الحجاب واجب، ولكنني سألتزم به عندما يهديني الله. نسأل هذه الأخت عن الخطوات التي اتخذتها حتى تنال هذه الهداية الربانية؟ فنحن نعرف أن الله تعالى قد جعل بحكمته لكل شيء سببًا، فكان من ذلك أن المريض يتناول الدواء ليشفى، والمسافر يركب العربة أو الدابة حتى يصل غايته، والأمثلة لا حصر له. فهل سعت هي جادة في طلب الهداية، وبذلت أسبابها: من دعاء الله تعالى مخلصة؟ كما قال تعالى: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" الفاتحة .6 ومجالسة الصالحات فإنهن خير معين على الهداية والاستمرار فيها، حتى يهديها الله تعالى، ويلهمها رشدها وتقواها فتلتزم بأوامره تعالى وتلبس الحجاب الذي أمر به المؤمنات. العذر الثامن وما قول الثامنة؟ قالت: الوقت لم يحن بعد، وأنا ما زلت صغيرة على الحجاب، وسألتزم بالحجاب بعد أن أكبر وبعد أن أحج. ملك الموت زائر يقف على بابك ينتظر أمر الله حتى يفتحه عليك في أي لحظة من لحظات عمرك. قال تعالى: "فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ" الأعراف .4 الموت لا يعرف صغيرة ولا كبيرة، وربما جاءك وأنت مقيمة على هذه المعصية العظيمة، تحاربين رب العزة بسفورك وتبرجك. العذر التاسع جاء دور التاسعة: فقالت: إمكانياتي المادية لا تكفي لاستبدال ملابسي بأخرى شرعية. وهذه نقول لها: في سبيل رضوان الله تعالى ودخول الجنة، يهون كل غال ونفيس من نفس أو مال. العذر العاشر وأخيرًا قالت العاشرة: لا أتحجب عملاً بقول الله تعالى: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ" الضحى1، فكيف أخفي ما أنعم الله به علي من شعر ناعم وجمال فاتن!؟ وهذه تلتزم بكتاب الله وأوامره ما دامت هذه الأوامر توافق هواها وفهمها، وتترك هذه الأوامر نفسها حين، لا تعجبها، وإلا فلماذا لم تلتزم بقوله تعالى: "وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا" النور1، وبقوله سبحانه: "يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ" الأحزاب .9 إن أكبر نعمة أنعم الله بها علينا هي نعمة الإيمان والهداية، فلماذا لم تظهري وتتحدثي بأكبر النعم التي أنعم الله بها عليك، ومنها الحجاب الشرعي؟ السؤال: أقسم بالله أن كلامي كله صادق، وأن معاناتي حقيقية، السلام عليكم فضيلة الشيخ، عندي أسئلة كثيرة، أنا سيدة متزوجة منذ 14 سنة من شخص ديوث بأتم معنى الكلمة، منذ زواجي قال له أهلي: لن تطلق مهما حصل، فاستغل الفرصة وأجبرني للحرام منذ 6 سنوات، سرق كل مجوهراتي وأوهمني أن الجن هم الذين قاموا بالسرقة، كان يضع لي السحر ويحاول اغتصابي في كل مرة، وعند معاشرتي أشعر أنه شخص آخر، لن أخفي عنك لا أريد المعاشرة، وطلبت الطلاق لكنه رفض، وأنا باقية من أجل أطفالي، أريد أجوبة فلم أعد أطيق حتى النظر إليه، لا هو يريد تطليقي ولا أهلي، أقسم بالله أني في بعض الأحيان أحاول الانتحار لكن خوفي من العقوبة يمنعني وحتى أطفالي، أريد مساعدة، فهدفه الوحيد أن يبيع جسدي، ورفضي لهذا الموقف يضعه في حالة جنون. السلام عليكم، من الممكن أنني لم أطرح سؤالي وتكلمت عن مشاكلي لكن سؤالي هو هل أستطيع البقاء مع زوجي من أجل أولادي لكن دون معاشرته؟ فلا أستطيع معاشرة إنسان لا يستحم طيلة أربعة أشهر، وتنبعت منه روائح كريهة، رغم أنني أقول له يجب أن تستحم فهو يرفض، أريد أجوبة من فضلك. الجواب: من صفات المؤمن النقي السوي الغيرة على أهله وبناته وأخواته وجميع أقاربه، فلا يرضى لهن أن يتبرجن أو أن يبدين عورتهن، ولا يقبل لهن أن يختلطن بالرجال، ويراقبهن ويتتبع تحركاتهن لحمايتهن وصيانة أعراضهن. أما إذا صار الإنسان لا يغار على أهله ولا تأخذه حمية عليهن فإنه لا خير فيه، وقد ورد في الأحاديث النبوية أنه لا يدخل الجنة. ففي الحديث الصحيح عند النسائي والحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، العَاقُّ وَالِدَيْهِ، وَالديوثُ، وَرَجَلَةُ النِّسَاءِ". وفي رواية حسنة عند أحمد: "ثَلاَثَةٌ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِمْ الجَنَّةَ، مُدْمِنُ الخَمْرِ، وَالعَاقُّ، وَالديوثُ الذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الخَبَثَ". وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ دَيُّوثٌ". والديوث كما جاء تفسيره في الحديث: هو الذي يقر الخبث في أهله، أي يرى زوجته أو ابنته أو واحدة من قرابته ممن له سلطة عليها، تمارس الفاحشة ويرضى بذلك ولا يبالي، ولا يهتم ولا يحرك ساكنا. وفي الحديث دليل على وجوب صيانة الأعراض من أن تدنس، لأن استحقاق النار والحرمان من الجنة لا يكون إلا لترك فرض. وإذا كان الحكم الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم في حقّ من يرضى بالفاحشة في أهله، ويقرها على فعل الزنا ولا ينكر عليها ولا يمنعها من ذلك، فما بال من يأمرها بذلك ويسعى بنفسه لجلب الرجال إليها ويكرهها على بيع جسدها. إن هذا الزوج قد اجتمعت فيه الكثير من الشرور واتصف بموبقات الذنوب، فهو لم يحفظ عرضه، وحفظ العرض واجب، وهو من مقاصد التشريع الإسلامي، كما قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً" سورة التحريم .6 قال الإمام الحليمي رحمه الله: "فدخل في جملة ذلك أن يحمي الرجل امرأته وبنته من مخالطة الرجال ومحادثتهم والخلوة بهم". والأمر الثاني: أنه يحب الفساد ويسعى لإشاعة الفاحشة في أهله، وقد قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" سورة النور .19 والأمر الثالث: أنه غير مستقيم في دينه، فالذي لا يغتسل طول هذه المدة يعني أنه لا يتطهر ولا يصلي، ولا دين لمن ترك الصلاة، كما جاء ذلك في الحديث عند مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ". الأمر الرابع: أنه يسرق ويعتدي على مال الزوجة، وقد قال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ " سورة النساء .29 الأمر الخامس: القيام بأعمال السحر والشعوذة، وذلك من أشد المحرمات، روى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ". ومن كانت فيه هذه الأوصاف فليس أهلا للمعاشرة، ولا يكون صالحا لبناء أسرة، وهو ممن عناهم الله عزّ وجلّ بقوله: "الخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ" سورة النور .26 وقوله: "الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" سورة النور .3 وعلى الزوجة أن تطلب الطلاق منه، أو تطلب مفارقته بخلع، وإن امتنع من ذلك فبإمكانها أن تقيم عليه الحجة ولو بتسجيل أفعاله ثم تقديمها للجهات المختصة لتتخلص منه ومن شر أفعاله. كما أن أهلها الذين شجعوه على تعسفه وامتناعه من تطليقها، مشاركون له في الإثم والعدوان، ولعلهم لا يعرفون شذوذه وانحرافه فيجب تنبيههم وإخبارهم بذلك. ولا يحل لامرأة أن تبقى في عصمة رجل فيه هذه الأوصاف إلا إذا تاب إلى الله وصدقت توبته.