عاد الحديث بقوّة في الأيّام الأخيرة عن الدستور بمناسبة المشاورات التي باشرت السلطات العليا في البلاد تنظيمها مع الفعاليات الوطنية، من أحزاب سياسية وجمعيات وشخصيات وطنية. واشتعل الجدل بين من يقول إن الدستور الحالي بحاجة ماسّة إلى تعديل، ومن يقول إن الدستور الحالي يحتاج إلى تغيير كلّي، ومن يقول إن تعديل أو تغيير الدستور مهم لكن احترام الدستور أهمّ، فما جدوى تعديل دستور لا يُحترم بدستور آخر لا يُحترم أيضا؟ ووسط هذا الجدل المشتعل يؤكّد المتتبّعون أن أهمّ ما يمكن تعديله في الدستور هو ما يتعلّق بالمادة التي تحدّد عدد العهدات الرئاسية، ويسود اليوم اعتقاد يفيد بأن الدستور القادم سينصّ لا محالة على تحديد عدد العهدات التي يمكن لأيّ شخص تولّي منصب رئيس الجمهورية فيها لن يزيد عن العهدتين، وهو ما يعني أن الدستور الجديد سيكون نسخة شبيهة، ربما إلى حدّ الطابق، بدستور سنة 1996 الذي تمّ تعديله بطريقة سمحت في النّهاية للرئيس بوتفليقة بإمكانية الترشّح لعهدة ثالثة بعد أن أجمعت فعاليات سياسية وجمعوية وملايين الجزائريين على أن الرجل بحاجة إلى خمس سنوات أخرى لإكمال برنامجه الطموح· عدد العهدات الرئاسية الذي يبدو مربط فرس الدستور الحالي والقادم يصوّره البعض مقياسا لمدى ديمقراطية النّظام وانفتاحه، بدعوى أنه كلّما كان عدد العهدات أقلّ كلّما دلّ ذلك على وجود هامش تعدّدية أكبر، وفي هذا جانب من الحقيقة في تقديرنا، لكن أن يُحصر العمل الديمقراطي في تحديد عدد العهدات الرئاسية في اثنتين فذلك يبدو مجانبا للمنطق. فالعبرة ليست في عدد العهدات، بل في نزاهة الانتخابات، لذلك وجب في رأينا التشديد على ضمانات نزاهة الاستحقاقات الانتخابية قبل تحديد العهدات، وإذا أراد الشعب أن يحكمه رجل ما إلى آخر عهده في الحياة فليكن ذلك·· لكن بكلّ نزاهة·