على الرغم من أن العضو السابق في المجلس الدستوري، الدكتور «عامر رخيلة»، لا يُريد استباق الأحداث فيما يتعلق بإمكانية الذهاب نحو إقرار تعديلات دستورية عميقة، فإنه لا يتوانى في التأكيد بأن خطوة من هذا القبيل تقتضي أوّلا فتح نقاش وطني واسع يضم كافة الفعاليات السياسية والاجتماعية دون إقصاء، ويرى في هذا الحديث الذي خصّ به «الأيام» أن الاستشارة ستضمن اعتماد دستور ديمقراطي يتسم ب«الديمومة» بغضّ النظر عن الإجماع الذي سيتم حول طبيعة النظام السياسي التي يجب العمل به. فتحت التصريحات الأخيرة التي أطلقها كل من «بلخادم» و«سلطاني» الباب أمام الكثير من التأويلات، وأعطت إشارات قوية إلى إمكانية الذهاب نحو إقرار تعديلات واسعة على دستور 1996. وإذا كان طرح الشريكين في التحالف متباينا، ما هي القضايا التي ترونها قريبة أكثر إلى المراجعة في حال حدث هذا التعديل الجاري الحديث عنه؟ بعد التعديلات الجزئية التي تمّ إقرارها في 2008 كان الحديث حينها عن تعديلات مرتقبة أعمق بكثير، لكن لم تتحدّد طبيعة هذه التعديلات المقصودة هل هي مراجعة الكثير من الأحكام أو بعضا منها خاصة ما تعلّق منها بإعادة تنظيم السلطات الثلاث، وهذا ما يؤدي بنا بشكل طبيعي إلى إشكالية كانت مطروحة في دستوري 1989 و1996 وهي تكمن في الأساس في طبيعة النظام السياسي الذي نريد الوصول إليه في النهاية، هل هو نظام رئاسي أو شبه رئاسي، فإذا كان رئاسيا يجب على الدستور أن يُحدّد صلاحيات رئيس الجمهورية بصفته سلطة تنفيذية وكذا علاقاته مع السلطة التشريعية الممثلة في المجلس الشعبي الوطني. وإذا ما تقرّر الجمع بين النظامين الرئاسي وشبه الرئاسي فإننا في هذه الحالة أمام ما يمكن أن أسميه ب«الدستور الهجين»، ولذلك أتوقف للتأكيد بأنه يجب الذهاب نحو إقرار إصلاحات جدّية وجذرية، وعندها يُمكن أن نحدّد طبيعة التعديلات التي نريد الوصول إليها في آخر المطاف، كما أن المطلوب هو الحسم في مسائل سياسية كثيرة من خلال فتح نقاش وطني واسع لمناقشة كافة القضايا المتصلة بالدستور، وحينها فقط ستُعرف طبيعة التعديلات المرغوب فيها في دستور 1996، أو حتى تبني خيار اعتماد دستور جديد للبلاد إن اقتضى الأمر ذلك وفق الإجماع الوطني. وما أريد التأكيد عليه هو أهمية الحسم السياسي في الإصلاحات الدستورية المراد إدخالها، هل المراد هو إحداث تغييرات سياسية ودستورية فعلية أم أن ما يجري الحديث عنه هو مجرّد ردّ فعل فرضه الحراك الدائر في بعض البلدان العربية، وبالتالي فإن التسويق لتعديل الدستور هو مجرّد التفاف على العملية فقط من خلال إدخال إصلاحات «تسكينية» و«ترقيعية» بدلا من وضع إصلاحات جادة. لكن ألا ترون في المقابل بأنه من شأن التعديل الدستوري الذي أثاره «بلخادم» أوّلا، أن يكون بمثابة مدخل نحو فتح نقاش سياسي وطني حول مستقبل البلاد في ظل التطورات الجارية عربيا، وبالتالي طرح قضايا الانفتاح وما ارتبط بها، أم أن لكم رأيا آخر بهذا الخصوص؟ لا بالعكس فالنقاش يجب أن يأتي أوّلا، فالعملية السياسية في أيّ مجتمع يحترم نفسه تتم عن طريق فتح مساحة واسعة للرأي وألا تقتصر استشارة السلطة فقط على الطبقة السياسية (الأحزاب) لأن الأمر بحاجة إلى نقاش وطني شامل يضمّ مختصين، على أن يكون هذا الحوار دائما ومتواصلا بين كافة فعاليات المجتمع منها القوى النقابية والإطارات الجامعية، ومن خلال ذلك يُمكن بلورة آراء دقيقة لبناء صرح دستوري للجزائر يتسم بالديمومة، لا الاقتصار على إجراء تعديلات شكلية ستتم مراجعتها من جديد خلال عشرية أو مدة زمنية قصيرة، وبهذا النقاش كذلك سنضمن الوصول إلى دستور ديمقراطي بأتمّ معنى الكلمة. وللتوضيح أكثر فإن أهمية تعديل الدستور تكمن في النقاش الوطني الذي تحدّثت عنه، هذا النقاش الذي تؤمن فيه السلطة بضرورة إشراك أو مشاركة كل الأطراف من مختلف القوى السياسية والاجتماعية على أساس سماع الرأي والرأي الآخر تعبيرا عن كل الفعاليات وبالتالي تفادي أي غلق للنقاش بصرف النظر عن حجم التأثير وكذا الوعاء الانتخابي للقوى التي نُشركها في هذه المسألة، فلا ينبغي أن ينحصر الأمر على احتكار من طرف «عبد العزيز بلخادم» و«أبو جرة سلطاني». على ذكر «سلطاني» الذي دافع بقوة عن خيار تبني نظام برلماني، فإن الرئيس «بوتفليقة» سبق وأن أكد في تصريحات له حول تعديل الدستور بأن النظام الرئاسي هو الأنسب. أي نظام تتصوّرونه الأكثر ملاءمة في الجزائر؟ عند الحديث عن النظام الرئاسي هناك نموذجان اثنان بالإمكان العودة إليهما، يتعلق الأمر بالنظام الرئاسي في الولاياتالمتحدةالأمريكية المعروف بأنه يستوعب مؤسسات دستورية قوية جدّا وهذا للأسف غير قابل للتطبيق في الجزائر لأن المؤسسات بها تبقى بعيدة كل البُعد عن هذا النموذج. ثم إن هناك نموذجا ثانيا وهو النظام الفرنسي الذي جاء به دستور 1958 الذي كان في الأصل على مقاس الجنرال «شارل ديغول» حيث خضع فيما بعد إلى تعديلات. وعموما فإن النموذجين الغربيين يقومان على أساس الثنائية الحزبية بين اليمين واليسار في فرنسا مثلا، والجمهوريين والديمقراطيين في الولاياتالمتحدة، وكلاهما يقومان على مبدأ التداول على السلطة. وانطلاقا من هذه المعطيات، أعتقد بأن النظام الرئاسي المفتوح في الجزائر هو الأنسب، وبرأيي أيضا فإننا استعنا من الدستور الفرنسي للعام 1958 الكثير من الأحكام التي تُعطي لرئيس الجمهورية واسع الصلاحيات، في حين أن المراد من النظام الرئاسي الفعلي أن يقوم على مؤسسات قوية يكون فيه للسلطة التشريعية دور فاعل إلى جانب سلطة الرئيس، وهذا ما نفتقر إليه نحن في الجزائر، وبالتالي فالمطلوب هو أخذ هذه المسألة في الحسبان خاصة وأن رئيس الجمهورية «عبد العزيز بوتفليقة» أقرّ منذ مجيئه إلى السلطة في 1999 بأن الدستور الحالي غير مناسب، وبعد مرور أكثر من عشرية لم يتغيّر أي شيء. تحدّثتم كثيرا عن فتح النقاش، ويبدو أن «الأفلان» و«حمس» أرادا استغلال الوضع واستباق الأحداث من خلال إطلاق تصريحات ويبدو أن هذين الحزبين يضعان نصب أعينهما الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ومحاولة التموقع، أليس كذلك؟ شخصيا لا أنتظر الكثير من تصريحات قادة أحزاب ما يسمى ب«التحالف الرئاسي» لأن الأمر يتعلق بمجرّد تلميحات لا أكثر ولا أقل، أنا أخاطبهم بأن يرموا «بالون الاختبار» على مستوى أحزابهم وقواعدها وهيئاتها. فإن كان الأمر متعلقا فعلا بفتح نقاش جدّي لدى هؤلاء فإن الأجدر بهم أن يتفضلوا بمبادرات مُوثّقة، أما أن يكون ذلك مجرّد لعبة توازنات سياسية فهذا غير مقبول لأننا في الظرف الحالي بحاجة إلى فتح نقاش سياسي جاد بدل طرح هذه المسألة للتسويق الإعلامي، فعندما يتمّ تبني مثل هذه المبادرات من قبيل تعديل دستوري جدّي عندها سيكون لنا حديث آخر.